يخيم القلق من البطالة على يوميات الجزائريين، بعدما تحول الحصول على وظيفة دائمة من حق إلى حلم بالنسبة إلى الملايين من الشباب، خصوصاً حاملي الشهادات. وتعد الجزائر من أغنى الدول في القارة السمراء بفضل عائدات النفط التي رفعت احتياطي الصرف في السنوات العشرين الماضية.
واقع يزيد من حجم التناقض في بلد يسجل إيرادات بمليارات الدولارات من جهة ويعيش مواطنوه أزمات معيشية متواصلة من جهة أخرى.
أما الحلول الحكومية، فهي لا تزال تعوم على سطح المشكلة، من دون الدخول إلى عمقها لتفكيكها، حيث تسارع السلطات إلى إقرار منحة للمعطلين عن العمل، يراها الكثيرون مجرد "مُسكن" يؤجل الحل، و"صدقة" لا تكفي حاجة المعطلين، فيما يصفها آخرون بالشجرة التي تحاول من خلالها الحكومة، عبثاً، إخفاء غابة البطالة.
منحة مسمومة
وفي التفاصيل، يستعد نصف مليون عاطل عن العمل في الجزائر لاستلام منحة البطالة التي أقرتها الحكومة لخريجي الجامعات ومعاهد التكوين المهني العاطلين عن العمل، لأول مرة، وذلك بدءاً من 28 مارس/آذار، في انتظار معالجة 500 ألف ملف آخر، من مجمل مليون طلب استفادة من منحة البطالة التي لجأ إليها النظام الجزائري لتهدئة الشباب، في ظل تواصل الركود وتعثر الاقتصاد الجزائري.
وقرر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في 15 فبراير/شباط الماضي، استحداث منحة بطالة على شكل راتب شهري بقيمة 13 ألف دينار جزائري (90 دولاراً)، في إطار تكفّل الدولة اجتماعيا بالمواطنين، ويستمر المستفيد في الحصول عليها إلى حين حصوله على وظيفة، بالإضافة إلى تمتعه بالتغطية الصحية كبقية الموظفين.
وشغل قرار الرئيس الجزائري باستحداث هذه المنحة، الملايين من الشباب الذي يسعى للظفر بالمنحة بالرغم من قيمتها الضئيلة، مقارنة مع غلاء المعيشة، في بلدٍ تبلغ فيه معدلات البطالة مستويات مرتفعة وسط تكتم رسمي عن حجمها.
إلا أن المنظمات الحقوقية والمدافعة عن حقوق العاطلين عن العمل، انتقدت الخطوة التي اعتبرتها ذرا للرماد في العيون، تحاول السلطة بها كسب نقاطٍ سياسية أكثر منها اجتماعية. إلى ذلك، قال عضو "اللجنة الجزائرية للدفاع عن حقوق البطالين" عمر قجور، إنّ "الشباب العاطل عن العمل يبحث عن منصب شغل، خصوصاً في الولايات الجنوبية النفطية، ولا يبحث عن منحة تساوي 60 في المائة من الأجر الوطني الأدنى المضمون، لا تغطي مصاريف أسبوع لشاب بلا عمل".
وأضاف قجور في حديث مع "العربي الجديد": "هذه خطوة سياسية ومناورة من السلطة لكسب الشباب الذي أصبح يعزف عن الحياة السياسية ويبتعد عن المشاركة في الانتخابات، وبات أكبر همه البحث عن زورق يهاجر به إلى الضفة الأخرى من المتوسط".
ولفت إلى أنّ "المنظمة تطالب بفتح قنوات الحوار مع الحكومة لوضع آليات توظيف ناجعة وبعث الاقتصاد من جديد، فالشاب الجزائري لا يبحث عن صدقة من السلطة بل يبحث عن عمل دائم يسمح له بالعيش الكريم ورسم مستقبله وتكوين عائلة، بالمختصر".
تضارب الأرقام
ويعرف القانون الجزائري العاطل عن العمل بأنه شخص يبلغ من العمر ما بين 16 و50 سنة، من دون عمل وصرح بأنه قادر على العمل وكان يبحث عن عمل في فترة المسح الوطني. لكن، تم تحديد المستفيدين من المنحة على أن يتراوح عمرهم بين 19 و40 عاماً، وأن يكونوا مسجلين كطالبي عمل للمرة الأولى لدى الوكالة الوطنية للتشغيل، منذ ما لا يقل عن 6 أشهر...
وكشف وزير العمل والتشغيل يوسف شرفة عن تاريخ صرف منحة البطالة والذي سيكون في 28 من كلّ شهر، بداية من مارس/ آذار الحالي.
وتؤكد الحكومة عبر تصريحات الوزراء أنّ البطالة لا تزال مستقرة ولكن من دون الكشف عن رقمٍ صريحٍ، وذلك منذ سبتمبر/أيلول 2019، حين كانت آخر مرة أعلنت فيها وزارة العمل عن أرقام تفصيلية لتظهر أن البطالة سجلت 11.6 في المائة في الثلث الأول من سنة 2019، إذ بلغ عدد العاطلين عن العمل 1.456 مليون شخص منهم 35 في المائة من حاملي الشهادات الجامعية.
وفي مارس/آذار 2021، أعلن وزير العمل حينها الهاشمي جعبوب أنّ نسبة البطالة في الجزائر 11.5 في المائة. لكنّ التصريحات الرسمية ورغم ضبابيتها، تجد الكثير من المشككين فيها، خصوصاً أنّها ترتبط بمرحلة بلغت فيها الأزمة المالية والركود الاقتصادي الذروة، ما يجعلها بالنسبة للعديد من خبراء الاقتصاد مجرد أرقام "سياسية" أكثر منها اقتصادية.
ورأى أستاذ الاقتصاد في جامعة وهران عبد الحق تيزرتي، أنّ "توقعات الحكومة، وهنا لا نقول أرقاما لأنها تتستر عليها، مغلوطة وغير حقيقية، فالتقارير الحكومية تحتسب فقط العاطلين عن العمل الذين يتقدمون إلى مكاتب التشغيل لتسجيل أنفسهم، بالإضافة إلى أنّها لا تحتسب الأشخاص الذين تجاوزت سنهم 50 عاماً ممن لا يملكون وظائف ثابتة، فكم عاطلا عن العمل لم يذهب ليسجل نفسه في مكاتب التشغيل؟".
وتابع أستاذ الاقتصاد في حديث مع "العربي الجديد" قائلاً: "كيف يمكن أن ترتفع البطالة بنسب ضئيلة جداً، في وقت يعيش فيه الاقتصاد الجزائري انكماشاً كبيراً وتراجعت فيه نسبة النمو بـ 2.5 بالمائة، من 4 بالمائة إلى 1.5 بالمائة باعتراف الحكومة، بسبب مخلفات جائحة كورونا وتواصل سياسة التقشف؟".
توغل في الأزمة
ومما يزيد ضبابية في المشهد الجزائري، وتزعزع الثقة بين الجزائريين وبين الدولة والحكومة من جهة أخرى، هو الخوف من المستقبل الذي لا تلوح منه أي إشارة عن تحسن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، فكل التوقعات والمؤشرات تنذر بتواصل الأزمات لسنوات قادمة، ما يزيد من قلق الشارع الجزائري خصوصاً فئة الشباب التي تمثل 70 في المائة من المجتمع.
وحسب توقعات معاهد الدراسات الجزائرية، فإنّ نسبة البطالة ارتفعت إلى ما فوق عتبة 22 في المائة في نهاية 2021، بسبب ركود الاقتصاد والجائحة الصحية وتراجع الإنفاق الحكومي الذي يعد محرك الاقتصاد، وهي أرقام تناقض الخطاب الرسمي الذي يقر بانتعاش سوق الشغل خلال الفترة الأخيرة.
من جانبه توقع صندوق النقد الدولي أن تسجل الجزائر معدلات غير مسبوقة للبطالة، والسبب هو ارتفاع عدد الشباب الباحثين عن فرص عمل، والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تتخبَّط فيها البلاد بعد تهاوي أسعار النفط، وذلك قبل الصعود الأخير للأسعار.
وفي السياق، قال الخبير الاقتصادي عبد القادر شكلام إن "إحصائيات الحكومة حول العاطلين عن العمل غير واقعية، وهناك ملايين من الشباب عاطلون عن العمل، فالسلطات تتحدث عن 12 مليون ناشط في سوق العمل، في حين أن الحقيقة التي تخفيها هي أن الجزائر يوجد بها 23 مليون مواطن دخلوا سن العمل".
وتوقع نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أن "تشهد السنة الحالية ارتفاع البطالة أكثر لسببين، الأول متعلق بتواصل انكماش الاقتصاد، والثاني دخول عشرات الشركات في حالة ركود بسبب الأزمة الصحية التي ستدخل عامها الثالث، وتراجع الدعم الحكومي للشركات المتعثرة مقارنة بالسنة الأولى من الجائحة".
وكثيرا ما تلجأ الحكومة الجزائرية عند ارتفاع ضغط الجبهة الاجتماعية إلى فتح التوظيف في قطاعات حكومية كثيرة لامتصاص جزء من عدد طلبات العمل، خصوصاً في السنوات الأخيرة، حيث تُفتح مسابقات في التعليم والإدارة العمومية، وحتى في الأسلاك النظامية كالشرطة والدرك الوطني والحماية المدنية، بمعدل توظيف يلامس 70 ألف منصب عمل، رغم تحذيرات الخبراء.
وفي السياق، قال المستشار الحكومي والخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول إن "الحكومة تراوغ في الكثير من الأحيان وتلجأ إلى فتح مسابقات توظيف من دون دراسة لواقع القطاع، فهل يُعقل أن يوظف قطاع التعليم والتربية أكثر من 140 ألف معلم منذ 2015، وأكثر من 160 ألفا في الشرطة، وغيرها من الأرقام في قطاعات أخرى".
وأضاف لـ "العربي الجديد" أنّ هناك "في الإدارات العمومية والمحلية تخمة في الموظفين، فنجد 3 إلى 4 موظفين في مكتب يحتاج بالأكثر إلى موظفين اثنين فقط، والمؤسف أنّ هذا التوظيف المُقنع يأتي في قطاعات غير إنتاجية".