لم يسافر مثل أترابه في المغرب خلال الصيف، فهو يعمل على الشاطئ كي يبيع الفطائر بهدف ادخار بعض المال للدخول المدرسي المقبل. هذا ما يؤكده الطفل محمد البالغ أربعة عشر عاما من عمره.
يحمل الفطائر المعروفة بـ"البيني"، صوته بحّ من شدة النداء من أجل لفت الانتباه، يمشي ببطء فوق الرمال الحامية، يتوقف بين الحين والآخر كي يلتقط أنفاسه ويواصل المسير والنداء.
"أحل بالمكان الساعة الرابعة بعد الزوال وأغادره بعد غروب الشمس. وعموما لا أبرحه إلا بعد أن أكون قد بعت كل الفطائر"، هكذا يتحدث محمد، الذي يؤكد أنه يعود إلى المنزل كي يقدم بعض المال لوالدته التي تعد تلك الفطائر، ويدخر الباقي من أجل شراء ملابس وكتب الدخول المدرسي.
مثل محمد أطفال كثر آخرون لا يستمتعون كما أترابه بالسباحة في الشاطئ. هم أطفال، مثل الكبار، اعتادوا ممارسة مهن صغيرة لتأمين قوت يومهم في أيام الصيف. هذا يبيع القهوة أو الشاي، وذاك يعرض المثلجات، وآخر يبيع السجائر.
مهن كثيرة "مؤقتة" أو "غير رسمية" يشهدها الشاطئ في فصل الصيف، الذي يبحث فيه حراس السيارات والوسطاء في تأجير الشقق ومؤجرو الشماسي والكراسي وباعة الكرات ولوازم البحر للأطفال والحلويات عن مصدر رزقهم.
عاد ممارسو تلك المهن بقوة في الصيف الحالي، بعد توقف نشاطهم في عام كورونا وتباطؤه في العام الماضي في ظل التدابير الاحترازية التي دفعت العديد من الأسر إلى عدم الحلول بالشواطئ.
وقد كشفت الأزمة الصحية عن الدور الذي تضطلع به القطاعات غير الرسمية في تأمين إيرادات للسواد الأعظم من الأسر التي توجد في وضعية نشاط، حيث إن الدولة اضطرت إلى توفير دعم لخمسة ملايين ونصف مليون من تلك الأسر.
صعوبات اقتصادية
ويعتبر محمد الذهبي، رئيس الاتحاد العام للمقاولات والمهن، أن القطاع غير الرسمي يضطلع بدور اقتصادي بالنسبة للعديد من الأسر، خاصة في ظرفية متسمة بالصعوبات.
ويشير إلى أن القطاع غير الرسمي أضحى ملاذا حتى بالنسبة لبعض الأشخاص الذين قد يكون لهم وضع مهني في الاقتصاد الرسمي، حيث يسعون لتعظيم إيراداتهم من دون أن يكونوا مضطرين للوفاء بما يترتب عن ذلك من جباية.
وتطاول البطالة حوالي 30 في المائة الشباب، وهي ظاهرة توسع دائرة الباحثين عن مهن مثل التي تتيحها الشواطئ في الصيف، خاصة في الظرفية الحالية المتسمة بالجفاف، ما يدفع شباب الأرياف إلى البحث عن مصدر رزق في المدن.
هذا ما يؤكده الفاعل في القطاع السياحي عبد اللطيف ارحمو، الذي يلاحظ أن العديد من الأسر في المدن الساحلية، خاصة تلك التي لا تتوفر على أنشطة اقتصادية متنوعة، تعمد إلى البحث عن فرص عمل يتيحها تدفق المصطافين على شواطئهم.
ويضرب المثال بالأسر التي تقوم بتأجير شققها المفروشة الواقعة بالقرب من الشواطئ التي تمتد بين الصويرة وسيدي إفني، أو تلك الممتدة بين العرائش وطنجة، حيث تؤمن إيرادات تدخرها لضمان قوت يومها في الأشهر التالية من العام.
مهن متنوعة
في الدار البيضاء، خصصت 20 في المائة من المساحة الرملية للأنشطة الاقتصادية والترفيهية الخاصة، بينما خصصت المساحة المتبقية للمصطافين. تلك مساحة دأب بعض أصحاب الشماسي على استغلال جزء منها لقاء مقابل مادي يدفعه مرتادو الشاطئ.
على امتداد الشاطئ، يقترح بعض الشباب شماسي وكراسي على المصطافين. يتنافسون في استمالتهم. يقول محسن الثلاثيني: "لقد اعتاد الشباب على تأجير الشماسي والكراسي للأسر، حيث تبذل في المتوسط 5 دولارات للأسرة الواحدة في اليوم".
يؤكد محسن، الذي واظب على التردد إلى شواطئ الدار البيضاء، أن تلك الشماسي والكراسي يوفرها في المكان شباب يقطنون في الدواوير والأحياء الواقعة في محيط الشاطئ. بعضهم عاطل والبعض الآخر باعة جائلون، يتحولون إلى تأجير المظلات التي تدر عليهم إيرادات مهمة على مدى شهرين ونصف.
غير أن فضاءات ركن السيارات تشغل المصطافين أكثر عندما يقصدون الشواطئ. فركن سيارة قد يكلف صاحبها ضعف السعر العادي، ما دام المشرفون عليها يستغلون فترة الصيف من أجل تعظيم إيراداتهم.
وللنساء نصيب من تلك المهن التي تنتعش على الشواطئ في الصيف، حيث يعرضن، في غالب الأحيان، بعض الأكلات السريعة التي تقبل عليها الأسر، ومنهن من يمارسن النقش بالحناء بالقرب من الشواطئ، حيث يقبل عليهن السياح المحليون والأجانب.