خلال فصل الصيف من كل سنة، في محافظات جيجل وعنابة وبومرداس وغيرها من المحافظات الساحلية، تعوض المهن الموسمية المهن الدائمة التي يدخل أصحابها في عطل، فيجد الشباب العاطلون عن العمل أو الطلاب الجامعيون في موسم الصيف فرصة لربح بعض الأموال ينفقونها عند الدخول المدرسي المقرر في 11 سبتمبر/أيلول القادم.
وتختلف المهن الموسمية التي يزاولها هؤلاء الشباب خلال فصل الصيف باختلاف العوامل الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية والطبيعية المميزة لكل منطقة، كما تتداخل متغيرات كثيرة في تحديد نوع النشاط الممارس، كالفئة العمرية وكذا رأس المال الذي يجرى استثماره.
وتُمَكن جولة بسيطة بمدينة بومرداس (90 كلم شرق العاصمة الجزائرية) من الوقوف على العديد من الأمثلة، فعند مدخل المدينة، يترقب فتية وشباب يشتغلون وسطاء للإيجار أو ناقلين بسياراتهم (غير مرخصة) فيقترحون خدماتهم على كل وارد على المدينة، وهو نشاط تمتهنه غالبيتهم في فصل الصيف فقط، حيث يكثر المصطافون القادمون بحثا عن البحر.
عمر رياحي شاب يبلغ من العمر 25 سنة، يستغل موسم الصيف ناقلاً المصطافين وزوار المدينة أو ما يعرف باللهجة الجزائرية "كلونديستان" (غير قانوني بالفرنسية)، وذلك حتى يعيل عائلته حسب ما قاله عمر لـ"العربي الجديد". وأضاف الشاب الجزائري: "اشتغلت كل المهن الموسمية الممكنة لكيلا أمد يدي، أنا أبحث عن عمل مستقر ودائم، وفي انتظار ذلك، سأواصل العمل بسيارتي".
في سؤالٍ لـ"العربي الجديد" حول تعامل الشرطة مع "الناقلين غير القانونيين"، قال مصطفى إن "مصالح الشرطة تعرفنا جيدا وباتت تترصدنا، لكننا مع التجربة أصبحنا نعرف الأزقة والشوارع لتفاديها، قدرنا هو أن نعمل هكذا".
بيع الأطعمة
تركنا عمر يترصد زبائنه، وواصلنا السير في عمق محافظة بومرداس الساحلية لنجد مهنة موسمية أخرى تعتبر القبلة المُفضلة للشباب، وهي العمل في محال الأكل التي تزدهر أعمالها طيلة الأشهر الثلاثة لموسم الصيف.
تحضير"البيتزا" وأطباق "الكباب" أو بيع "البوظة" أو حتى العمل "نادلاً"، كلها أعمال تعتبر فرصة للشباب العاطلين والجامعيين لربح دنانير "ثمينة" في عز الأزمة التي تمر بها البلاد.
يقول عبد الحكيم بوغليط، طالب جامعي في كلية الهندسة المدنية، إنه "تعوّد كل سنة أن يشتغل في مطعم أحد جيرانه نادلاً وأحيانا يغسل الأواني، وهي أعمال تسمح له بنيل راتب يبلغ 25 ألف دينار (172 دولاراً) شهريا، وهو ما سيساعده على دفع تكاليف الدراسة والاشتراك السنوي في النقل الجامعي".
ولفت الشاب الجزائري إلى أن "المهن الموسمية أصبحت فرصة للكثير من الطلبة لتغيير مسار حياتهم، فمنهم من اضطرته ظروف الحياة إلى مواصلة العمل طيلة أيام السنة وترك مقاعد الدراسة".
غادرنا محافظة بومرداس شرقا، وتوجهنا إلى ولاية "تيبازة"، 110 كيلومترات غرب العاصمة الجزائرية، حيث كان لنا لقاء مع جمال بوشمة الذي يشتغل "سمساراً"، أي وسيطاً عقارياً، في فصل الصيف. وبالرغم من عدم تخطيه ربيعه الـ23 واشتغاله في هذه المهنة ظرفيا، إلا أن جمال يتحدث بلغة المحترفين.
التحضير للدراسة
يقول جمال بوشمة لـ"العربي الجديد" إنه "أصبح يحوز بحكم الخبرة التي اكتسبها في هذا المجال، سنة بعد أخرى، على العديد من أرقام ملاك المنازل الذين يكافئونه بمبلغ مهم عن كل زبون يقنعه بإيجار منزل، وترتفع قيمة المكافأة كلما زادت مدة الإيجار".
وكشف نفس المتحدث عن أن "هذا العمل الموسمي يمكنه من كسب مبلغ مالي يؤمن له اقتناء بعض حاجياته خلال الموسم الدراسي المقبل، كما أنه فرصة للبقاء في المدينة وشواطئها والاستمتاع بأجواء الصيف".
هي هكذا يوميات الآلاف من الشباب البطالين الذين يجدون في فصل الصيف فرصة لربح المال والتجربة، في وقت لا تزال فيه البطالة تفوق توقعات الحكومة، حيث بلغت 13 بالمائة حسب الأرقام الرسمية الصادرة عن الحكومة، وهو الرقم الذي وجد العديد من الخبراء صعوبة في تصديقه، حيث يجمع المتابعون أن نسبة البطالة الحقيقية تفوق 20 بالمائة .