- الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت الداعم الرئيسي لإسرائيل بمساعدات تقارب 317 مليار دولار، شملت ضمانات قروض وتعزيز التجارة عبر اتفاقية التجارة الحرة في 1985.
- الدعم الأمريكي العسكري لإسرائيل شمل مساعدات ضخمة وتقنيات متقدمة مثل إف 35 والقبة الحديدية، مما جعل الجيش الإسرائيلي من أكثر الجيوش تقدماً وفعالية عالمياً.
وضع ديفيد بن غوريون، أول رئيس للوزراء في إسرائيل وأحد رواد جيل الآباء المؤسسين للكيان الصهيوني، في أكتوبر 1953، استراتيجية "تعزيز أمن إسرائيل" على ثلاثة محاور، هي الالتزام بالحفاظ على التفوق البشري، والتقدم التكنولوجي، والارتباط بقوة عظمى توفر لها الغطاء السياسي في الأمم المتحدة، وتمدها بالدعم الاقتصادي والعسكري.
وفي مقاله المنشور على موقع المعهد قبل طوفان الأقصى بثمانية أشهر فقط، أي في 25 يناير/كانون الثاني سنة 2023، كشف إيتان شامير، الأكاديمي الإسرائيلي المخضرم ومدير مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية والرئيس السابق لقسم عقيدة الأمن القومي في وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، عن ذكاء بن غوريون في استشرافه استراتيجية مبكرة لكسر الحصار المفروض على الكيان المنبوذ من 22 دولة عربية تدعمها كتلة إسلامية أكبر، متفقة جميعها على رفض الاعتراف بإسرائيل والتزامها بمقاومة وجودها من الأساس.
وخلص بن غوريون إلى حقيقة أن دولة إسرائيل الوليدة ليس لها مستقبل في محيطها العربي المعادي إلا أن تعتمد على الدعم الاقتصادي والعسكري الشامل من قوة عظمى. واعتمد في البداية على دعم فرنسا، ثم على دعم غير متناه من الولايات المتحدة التي أصبحت قوة عظمى بعد الحرب العالمية الثانية.
دعم اقتصادي ومالي ضخم
ظلت إسرائيل كأكبر متلق للمساعدات الخارجية الأميركية منذ تأسيسها في سنة 1948. وتشير الإحصائيات الأميركية الرسمية إلى أن الحكومات، الديمقراطية والجمهورية، منحت إسرائيل خلال تلك الفترة نحو 317 مليار دولار في صورة مساعدات اقتصادية وعسكرية، منها 93 مليار دولار مساعدات اقتصادية فقط.
وفي أحدث صور الدعم لدولة الاحتلال وافق مجلس النواب الأميركي يوم السبت 21 إبريل على حزمة مساعدات بقيمة 26.4 مليار دولار لإسرائيل مع استمرار الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ نحو 7 أشهر، ورغم قلق المجتمع الدولي المتنامي حيال مصير المدنيين في غزة.
والولايات المتحدة هي أكبر شريك تجاري لإسرائيل، والتي تمثل الشريك رقم 25 للولايات المتحدة. وكدليل على أولوية دعم الاقتصاد الإسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة، كانت اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل في سنة 1985 هي أول اتفاقية تجارة حرة تبرمها الولايات المتحدة مع أي دولة أخرى. ومنذ دخولها حيز التنفيذ، زادت التجارة بين البلدين 10 أضعاف لتصل إلى 50 مليار دولار سنويا في عام 2022.
في إدارة الرئيس بيل كلينتون، أبرمت الولايات المتحدة مذكرة التفاهم العشرية الأولى خلال السنوات المالية 1999/2008، باسم "اتفاقية مسار الانزلاق" وتتضمن التزامًا سياسيًا بتزويد إسرائيل بما لا يقل عن 26.7 مليار دولار من إجمالي المساعدات الاقتصادية والعسكرية، على أن يتم التخلص التدريجي من جميع المساعدات الاقتصادية المقدمة لإسرائيل. ولكن في عام 2007، اتفقت إدارة جورج دبليو بوش والحكومة الإسرائيلية على مذكرة تفاهم ثانية تتكون من حزمة مساعدات بقيمة 30 مليار دولار لفترة 10 سنوات إضافية.
ولضمان التفوق الإسرائيلي في جميع المجالات الاقتصادية ومدها بأحدث التقنيات الأميركية، تم إنشاء 3 مؤسسات مشتركة للبحث والتطوير بين الولايات المتحدة وإسرائيل هي، المؤسسة الثنائية الوطنية للبحث والتطوير الصناعي؛ مؤسسة العلوم الثنائية الوطنية؛ والمؤسسة الثنائية الوطنية للبحث والتنمية الزراعية. ومنذ إنشائها في عام 1977، منحت الولايات المتحدة المؤسسة الأولى دعما ماليا وتقنيا لـ 813 مشروعًا، حتى حققت مبيعات سنوية بقيمة 8 مليارات دولار بشكل مباشر وغير مباشر.
منذ عام 1972، قدمت الولايات المتحدة ضمانات القروض لإسرائيل للمساعدة في سد النقص في المساكن لتتمكن من استيعاب المهاجرين الجدد من الاتحاد السوفييتي وإثيوبيا. وضمانات القروض هي شكل من أشكال المساعدة الأميركية غير المباشرة لإسرائيل؛ فهي تمكن دولة الاحتلال من الاقتراض من مصادر تجارية بأسعار فائدة أقل. ويوجه الكونغرس بوضع الإعانات جانبا في حساب وزارة الخزانة الأميركية في حالة تخلف إسرائيل المحتمل عن السداد.
تنظر إسرائيل إلى ضمانات القروض الأميركية كخيار الملاذ الأخير، والذي يمكن أن تستخدمه خزانتها إذا أصبحت إصدارات السندات المحلية والدولية غير المضمونة باهظة الثمن. ووفقاً لأحد المسؤولين الإسرائيليين في عام 2012، "نحن نعتبر ضمانات القروض بمثابة استعداد ليوم ممطر، إنها شبكة أمان للحرب والكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية، ما يسمح لإسرائيل بالحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في محيط غير مستقر".
مرت إسرائيل بأزمة اقتصادية بين عامي 2000 و2003، والذي كان سببه الانتفاضة الثانية. فطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون دعما "إضافيًا"، يعني زائدا على الدعم الروتيني، قدره 8 مليارات دولار من ضمانات القروض لمساعدة الحكومة الإسرائيلية في تحفيز اقتصاد إسرائيل المتعثر، وطلبًا للحصول على منح عسكرية "إضافية" بقيمة 4 مليارات دولار لمساعدة إسرائيل على الاستعداد لهجمات محتملة خلال الحرب الأميركية المتوقعة مع العراق. وحصل شارون على طلبه كاملا، بالإضافة إلى 9 مليارات دولار كضمانات قروض على مدى 3 سنوات لدعم التعافي الاقتصادي في إسرائيل.
دعم عسكري غير محدود
بعد أسبوع واحد فقط من بداية العدوان على غزة، صوت مجلس الشيوخ الأمريكي لصالح قرار قدمه الرئيس جو بايدن يقضي بتخصيص 14.1 مليار دولار كمساعدات عسكرية عاجلة لإسرائيل.
واعتبارًا من أكتوبر 2023، قدمت الولايات المتحدة 599 صفقة مبيعات عسكرية أجنبية لإسرائيل بقيمة 23.8 مليار دولار، تشمل الطائرات المقاتلة من طراز إف 35 وإسترايك، وطائرات الهليكوبتر المتخصصة في الرفع الثقيل؛ وناقلات التزود بالوقود الجوي؛ والقنابل الذكية، وفق بيانات وزارة الدفاع الأميركي.
وتحتفظ القيادة الأميركية الأوروبية أيضًا في إسرائيل بمخزون احتياطي الحرب الأميركي، والذي يمكن استخدامه لتعزيز الدفاعات الإسرائيلية في حالة الطوارئ العسكرية الكبيرة، وهو ما تم استنفاده في أيام العدوان الأولى لطوفان الأقصى.
منذ الإعلان عن تأسيسها سنة 1984، قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية غير مشروطة لإسرائيل بلغ مجموعها 217 مليار دولار، في شكل الصواريخ الموجهة، والصواريخ الباليستية، والطوربيدات، والقنابل، والألغام والطائرات بأنواعها.
وتعلن الولايات المتحدة عن دعم عسكري روتيني سنوي لإسرائيل بقيمة 3.4 مليارات دولار من التمويل العسكري الأجنبي، منها 1.3 مليار دولار لدعم القبة الحديدية. وعلى الرغم من تأكيد باحثين فلسطينيين أن الرقم الحقيقي يفوق المعلن بعشرات الأضعاف، لكنه يظل أكثر مما قدمته الولايات المتحدة لأي دولة أخرى.
وساهمت هذه المساعدات في تحويل الجيش الإسرائيلي إلى واحد من أكثر الجيوش قدرة وفعالية في العالم، كما حول الصناعة العسكرية الإسرائيلي إلى أحد أكبر مصدري القدرات العسكرية في العالم. وعندما هددت حركة حماس أمن إسرائيل بالصواريخ، منحتها الولايات المتحدة 10 مليارات دولار لإنشاء أنظمة الدفاع الصاروخي المعروفة بالقبة الحديدية.
وتدعم الولايات المتحدة صناعة إسرائيل العسكرية ببحوث تطوير الأسلحة، وساهمت بمبالغ كبيرة في مشاريع الدفاع الإسرائيلية الخاصة بإنتاج دبابة القتال الرئيسية "ميركافا" والتي تعد أكثر الأنواع تحصينا على مستوى العالم.
ولتحقيق استراتيجية بن غوريون، وقعت الولايات المتحدة وإسرائيل العديد من اتفاقيات التعاون، بالأحرى الحماية، الدفاعي الثنائي، كان أولها اتفاقية المساعدة الدفاعية المتبادلة 1952 بعد أقل من 4 سنوات من إعلان قيام دولة الاحتلال؛ واتفاقية الأمن العام للمعلومات 1982 والمعنية بتبادل المعلومات الاستخبارية والردع؛ واتفاقية الدعم اللوجستي المتبادل 1991؛ واتفاقية وضع القوات العسكرية 1994.
وعلى مدار الساعة، تزود الولايات المتحدة إسرائيل بالتقنيات العسكرية الأكثر تقدماً، والتي تستخدمها في العدوان على الدول العربية وغزة منذ عقود.
وفي العدوان المستمر من 7 أكتوبر الماضي، فتحت أميركا مخازن الأسلحة والقذائف والقنابل الذكية والغبية للقوات الإسرائيلية، بما في ذلك الطائرات المقاتلة من طراز إف 35، والتي تعتبر الطائرة المقاتلة الأكثر تقدماً في العالم، والتي منعتها عن تركيا، رغم تشاركهما في عضوية حلف الناتو ورغم تلقيها ثمنها مقدما.
وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية تصنيف إسرائيل كحليف رئيسي من خارج حلف الناتو. يوفر هذا الوضع امتيازات لإسرائيل في مجالات التسليح والتعاون الأمني. ذلك أن سياسة الولايات المتحدة هي مساعدة إسرائيل للحفاظ على تفوقها العسكري، وضمان قدرتها على هزيمة أي دولة أو تحالف "محتمل" من الدول أو من جهات غير حكومية.
ويشترط الكونغرس إخطاره بكل عمليات بيع أو منح الأسلحة إلى أي دولة في المنطقة العربية لضمان عدم تأثيرها على التفوق العسكري الإسرائيلي.
وقد يكون عدم خضوع حماس لهذه الرقابة هو سر تفوقها على الدول العربية في مواجهة إسرائيل، وصمودها في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية الأميركية باستخدام أسلحة بسيطة ولكنها ممتنعة.