مأزق اقتصادي مؤلم لروسيا... تكاليف الحرب تتصاعد والاعتماد على الصين يحمل مخاطر

20 نوفمبر 2024
عرض عسكري في الساحة الحمراء بموسكو، 9 مايو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- شهد الاقتصاد الروسي نمواً بنسبة 3.6% رغم العقوبات، لكن رفع البنك المركزي لأسعار الفائدة يعكس تحديات اقتصادية قادمة بسبب ارتفاع الإنفاق الدفاعي.
- تواجه روسيا ارتفاع تكاليف الاقتراض وزيادة إفلاس الشركات، مع توقع صندوق النقد الدولي تباطؤ النمو إلى 1.3% العام المقبل، مما يهدد تمويل الواردات الحيوية.
- تعتمد روسيا على الصين كشريك تجاري رئيسي، مما يحمل مخاطر اقتصادية مع انخفاض الروبل، وتواجه تحديات في سوق العمل بزيادة الأعباء المالية بسبب الاستعانة بجنود من كوريا الشمالية.

حيّر اقتصاد روسيا المحللين منذ غزو البلاد لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، فرغم مواجهة موسكو أحد أشد أنظمة العقوبات صرامة في التاريخ الحديث، شهد الاقتصاد أسرع توسع له منذ أكثر من عقد من الزمان، لكن المشهد قد يتبدل في الفترة المقبلة مع تأجج القتال واستنزاف الأموال والقوى البشرية التي تؤثر على الإنتاج، كما بات الاعتماد على الصين يحمل مخاطر لا ينبغي الاستهانة بها.

وتمتّعت روسيا بنمو بلغ 3.6% العام الماضي ومن المتوقع أن تحافظ على هذه الوتيرة هذا العام. ولكن بدلاً من أن يكون هذا دليلاً على القوة، فإن قرار البنك المركزي برفع أسعار الفائدة هو تحذير من المتاعب المقبلة. وبينما تخفض معظم البنوك المركزية في العالم أسعار الفائدة، تنتهج روسيا سياسة معاكسة وليس للأمر علاقة بمعدل التضخم في الدولة.

ففي أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي رفع صناع السياسات النقدية أسعار الفائدة إلى 21%، وهو أعلى مستوى منذ عقدين من الزمان، وتتوقع الأسواق أن تصل إلى 23% بحلول نهاية العام الجاري 2024. وهذا التحول غير معتاد على الإطلاق بالنسبة للدول لأنه يحدث في وقت الحرب، حيث يتردد محافظو البنوك المركزية عادة في قمع النشاط الاقتصادي.

وأصبح من الصعب على نحو متزايد تحمل نفقات الحكومة. فقد تضمنت ميزانية روسيا، التي جرى الكشف عنها في سبتمبر/أيلول الماضي، خطة لزيادة الإنفاق الدفاعي بمقدار الربع العام المقبل. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الإنفاق إلى 17 تريليون روبل (170 مليار دولار)، وهو مبلغ يمثل أكثر من 40% من إجمالي الإنفاق الحكومي أو 8% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.

وسوف يشكل الإنفاق الدفاعي وحده 6% من الدخل القومي الروسي، وهو أعلى مستوى منذ الحرب الباردة. وهذا كثير، ولكنه ليس غير عادي بالنسبة لدولة في حالة حرب. وعلى سبيل المثال، بلغ الإنفاق الدفاعي الأميركي 8% إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي أثناء حرب فيتنام خلال خمسينيات القرن الماضي (1939ـ 1945). وخلال الحرب العالمية الثانية، خصصت القوى العظمى 40% إلى 60% من إجمالي ناتجها الاقتصادي لأغراض عسكرية.

لكن الفارق الحاسم في هذه الحروب يكمن في السياسة النقدية. فقد سعى صناع السياسات البريطانيون في أوائل الأربعينيات إلى إبقاء أسعار الفائدة منخفضة كثيراً، ونجحوا في الغالب، إذ أبقوا عليها بالقرب من 3% لإنعاش الاقتصاد. كما أبقى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة عند 2.5% أثناء نفس الصراع. وساعد انخفاض تكاليف الاقتراض في إبقاء العجز الكبير في المتناول.

وعلى النقيض من ذلك، تسببت سياسات رفع الفائدة لتمويل الموازنة في روسيا خلال الحرب في أوكرانيا في رفع العائدات على الديون السيادية لعشر سنوات من نحو 6% قبل الحرب إلى 16% حالياً. وحتى وقت قريب، كانت الحكومة الروسية تحمي الاقتصاد من تكاليف الاقتراض المرتفعة.

وقد سهلت مجموعة متنوعة من الخطط على الأسر تعليق سداد الديون وعلى الشركات الاقتراض بأسعار مدعومة أقل، مع تدخل الحكومة لتعويض البنوك عن الدخل المفقود. ولكن هناك دلائل تشير إلى أن مثل هذه البرامج أصبحت باهظة التكلفة، وفق تقرير لمجلة إيكونوميست البريطانية.

وفي الأول من يوليو/ تموز الماضي، انتهى نظام دعم الرهن العقاري، الذي سمح بالاقتراض بتكلفة 8% فقط عندما كانت الأسعار الرسمية أعلى كثيراً. وانخفض حجم الرهن العقاري إلى النصف في الشهر التالي. وارتفعت حالات إفلاس الشركات بنسبة 20% هذا العام.

ويعتقد الاتحاد الروسي للصناعيين ورجال الأعمال، وهو هيئة تجارية، أن خطط الاستثمار للعام المقبل معلقة بسبب تكاليف الاقتراض الباهظة. وستؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى تقليص الإنفاق من قِبَل الشركات والمستهلكين. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يتباطأ النمو الاقتصادي الروسي بشكل حاد إلى 1.3% العام المقبل. وحتى بنك التنمية الذي تديره الدولة خفض تقديراته للنمو إلى 2%.

ويؤثر مزيج من انخفاض الاستثمار وفقدان القوى العاملة في الجبهة سلباً على أداء الاقتصاد وتذخير نفقات الحرب، ويؤثر سلباً على قيمة الروبل، بينما هناك حاجة إلى الحفاظ على قيمته لدفع ثمن الواردات الحيوية والتي تشكل نقطة ضعف بالنسبة للدولة الخاضعة لعقوبات غربية واسعة، وهي نقطة قد تؤثر قريباً على قدرتها على القتال، وفق التقرير. وربما يأمل الرئيس فلاديمير بوتين أن يفي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بوعده بإنهاء الصراع.

كلف تجنيد الكوريين الشماليين

كذلك يشكل تجنيد السجناء والاستعانة بآلاف الجنود من كوريا الشمالية مؤشراً غير تقليدي لسوق العمل الملتهبة. فمعدل البطالة في روسيا لا يتجاوز 2.4%. وقد استُنفدت الطاقة الاحتياطية، وبدأ الاقتصاد يُظهر كل العلامات لفرط النشاط.

وفي أربعينيات القرن العشرين، نجحت أميركا وبريطانيا في السيطرة على التضخم من خلال مزيج من الزيادات الحادة في الضرائب الشخصية، المصممة لكبح الإنفاق الأسري أكثر من زيادة الإيرادات. لكن في روسيا لن تحظى مثل هذه التدابير اليوم بشعبية كبيرة. وهناك سبب آخر وراء اضطرار البلاد إلى تشديد السياسة النقدية. فخلال معظم فترة الحرب العالمية الثانية، لم يكن على بريطانيا ولا أميركا أن تشعر بالقلق بشكل خاص بشأن القيمة الخارجية لعملتيهما.

ولقد استفاد الدولار من اعتباره ملاذاً آمناً، في حين وفر برنامج "الإعارة والتأجير" الأميركي لبريطانيا المعدات العسكرية والموارد مثل النفط والغذاء، وكان ذلك بالمجان تقريباً. ولو كانت بريطانيا تفتقر إلى حليف يتمتع بالقدرة الصناعية الهائلة التي تتمتع بها أميركا، والراغب والقادر على توفير ثلثي وارداتها، فإن انخفاض قيمة الجنيه كان ليتحول إلى مشكلة عسكرية.

في حين أن الصعوبة التي يواجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حالياً تكمن في افتقاره إلى مثل هذا الحليف على الرغم من ركونه إلى الصين. فقد أصبحت الصين الشريك التجاري الأكثر أهمية لروسيا، حيث توفر لروسيا ثلث جميع الواردات وأكثر من 90% من الأجهزة الإلكترونية الدقيقة، التي تستخدم في الطائرات بدون طيار والصواريخ والدبابات.

ومع ذلك، فإن مثل هذا الدعم لا يُقدَّم بالمجان، ، وفق تقرير لمجلة إيكونوميست البريطانية. وبالتالي، يتعيّن على المسؤولين الروس أن يبقوا أعينهم حذرة على قيمة عملتهم من حيث اليوان، فقد انخفض هذا العام بنسبة 10%، ليقترب من أدنى مستوياته منذ بدء الحرب.

كذلك فإن الاستعانة بآلاف الجنود من كوريا الشمالية لدعم الروس في القتال يزيد من الكلف التي تتحملها موسكو. وتشير تقارير من كوريا الجنوبية إلى روسيا تدفع نحو 2000 دولار شهرياً لكل جندي كوري شمالي. كما ذكرت وكالة الاستخبارات الكورية الجنوبية، وفق تقرير لموقع بزنس انسايدر أن من المتوقع أن يتلقى كيم جونغ أون نحو 700 ألف طن من الأرز ومساعدات في مجال تكنولوجيا الفضاء، وهو ما يسمح لبلاده بمزيد من التحايل على العقوبات الدولية التي تهدف إلى وقف برامجها المتعلقة بالأسلحة والأقمار الصناعية.

وبينما تمنح مساهمات بيونغ يانغ الآن روسيا منطقة عازلة صحية عبر الدعم البشري القادم إلى جبهة القتال، حيث يقدر المسؤولون الغربيون أن موسكو كانت تخسر آلاف الرجال أسبوعياً هذا الخريف في تقدمها المضني على الجبهة الشرقية، فإن معهد دراسات الحرب (Institute for the Study of War)، وهو مؤسسة فكرية أميركية مختصة في الدفاع والشؤون الخارجية، قال في تقرير له إنه إذا استمرت روسيا في تكبد خسائر بشرية كبيرة، فإن حتى عمليات التناوب التي تقوم بها بيونغ يانغ لن تكون كافية لدعم الغزو.

وذكر المعهد أن نشر قوات بيونغ يانغ يساعد بوتين على تجنب التعبئة مرة أخرى في الوقت الحالي، لكن بالنظر إلى الخسائر الروسية الحالية، فإن هذا لا يكفي لاستمرار الحرب إلا لثلاثة أشهر تقريباً. وأشار إلى أنه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أعلنت روسيا عن التعبئة الأولى لنحو 300 ألف جندي احتياطي، وهي الخطوة التي أدت إلى تراجع الرأي العام بشأن الحرب، حيث شعرت عائلات الجنود المجندين بالقلق من إرسالهم إلى القتال، وتزايدت الخسائر بين جنود الاحتياط.

وكتب محللون في المعهد: "لقد لاحظنا مراراً وتكراراً جهوداً تبذلها السلطات الروسية لتأخير الاستدعاءات الاحتياطية الإجبارية التي لا تحظى بشعبية كبيرة". ومنذ ذلك الحين، أشار بوتين وجنرالاته مراراً وتكراراً إلى الحاجة إلى استدعاء آخر، لكنهم أرجأوا إطلاق موجة ثانية من التعبئة لصالح حملة تجنيد مكثفة. ولكن المكافآت المتزايدة بشكل حاد في بعض المناطق تشير إلى أن الكرملين ربما يواجه صعوبة في اجتذاب عدد كافٍ من المسجلين. وأضافت أن "مثل هذا النشر المحدود من شأنه أن يفشل أيضاً في معالجة النقص الأوسع في روسيا المتمثل في ملايين العمال بسبب الأزمات الديموغرافية والحرب والقصور الناتج عن ذلك على المدى المتوسط والطويل في عمليات القاعدة الصناعية الدفاعية الروسية".

المساهمون