التضخم يتصدر سجال الحكومة والمعارضة في تركيا

20 نوفمبر 2024
متسوّقون في منطقة أمينونو الشهيرة بإسطنبول/ 11 يونيو 2024 (الأناضول)
+ الخط -

بات التضخم الجامح محور اهتمام معظم الأتراك الذين يرون أنه يعكس مشكلة اقتصادية حقيقية تواجهها الدولة، ما دعا المعارضة إلى استغلال حالة الانشغال الشعبية بقضايا الغلاء لتوجيه انتقادات إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم، متعهدة بالعمل على خفض التضخم وتخفيف الأعباء المعيشية لدى وصولها إلى الحكم عبر الانتخابات المقبلة في 2028، لتعد الحكومة مجدداً بخفض التضخم، مشيرة إلى أن معدلات النمو المحققة تقلل من تداعياته على مستويات المعيشة.

وبدت تصريحات نائب الرئيس التركي جودت يلماز، أمس الثلاثاء، التي وعد فيها بخفض معدل التضخم بحلول منتصف العام المقبل 2025 كأنها رد على انتقادات المعارضة، لا سيما حزب "الشعب الجمهوري"، أكبر أحزاب المعارضة، الذي وعد بخفض التضخم وتحسين سعر الصرف ومستوى المعيشة حين يصل إلى الحكم.

وقال يلماز "عندما نصل إلى منتصف العام المقبل، خاصة في فترات الخريف، لن نتحدث عن نسبة كبيرة للتضخم"، مضيفاً خلال لقاء مع رجال أعمال في ولاية دنيزلي أن خفض التضخم مهم جداً، سواء من حيث النمو أو الجوانب الاجتماعية، وإنه لا يوجد تناقض بين النمو والتضخم على المدى المتوسط والطويل.

وأشار إلى أن نسبة النمو لم تزد عن 3.8% خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، بينما يتوقع أن يصل إلى 4% العام المقبل و4.5% و5% في عامي 2026 و2027. وحول بقية المؤشرات الاقتصادية التي طمأن خلالها يلماز الأتراك، لفت إلى أن الصادرات ستصل إلى 264 مليار دولار بحلول نهاية العام الجاري، مؤكداً أن إجمالي الاحتياطيات وصل إلى 157.3 مليار دولار.

ويستغل حزب "الشعب الجمهوري"، أكبر الأحزاب المعارضة، ارتفاع الأعباء المعيشية في ظل الغلاء المتواصل وارتفاع الضرائب، لزيادة شعبيته عبر توجيه انتقادات لاذعة إلى حكومة "العدالة والتنمية".

وقال رئيس الحزب أوزغور أوزيل في تصريحات إعلامية، الأسبوع الماضي، إن حزبه سيصبح الحزب الحاكم في تركيا بعد الانتخابات المقبلة عام 2028، وسيطبق سياسات اقتصادية واجتماعية عادلة تخدم جميع فئات المجتمع، خاصة الفئات ذات الدخل المحدود.

وأضاف أوزيل أنه في ظل حكومة حزب الشعب الجمهوري "سنجمع المزيد من الضرائب من أولئك الذين يكسبون أكثر وأقل ممن يكسبون أقل، ولن نقوم بتحصيل أي ضرائب من المواطنين الفقراء"، مشيراً إلى ضرورة رفع الحد الدنى للأجور إلى مستوى لا يقل عن 30 ألف ليرة تركية. ويبلغ هذا الحد حالياً نحو 17 ألف ليرة. وقال "إذا لم يكن الحد الأدنى للأجور 30 ألف ليرة تركية في البلاد، فسنواصل النضال".

وتريّثت الحكومة في زيادة الحد الأدنى للأجور، مرة ثانية خلال العام الجاري، خشية تسبب ذلك في إبقاء التضخم عند مستوياته المرتفعة، بينما أظهر تقرير للاتحاد التركي لنقابات العمال "Türk-İş" الشهر الماضي أن تكلفة المعيشة الشهرية للموظف الأعزب وصلت إلى نحو 26.5 ألف ليرة.

ورفعت تركيا الحدّ الأدنى للأجور مرتين في عام 2023 في محاولة لدعم العمال المتضررين من أزمة غلاء المعيشة في عام الانتخابات. وفي عام 2024، رفعته مرة واحدة إلى المستويات الحالية. يتوقع محللون أن ترفع الحكومة الحد الأدنى للأجور الشهر المقبل، ولكن بنسبة أقل من العام الماضي البالغة 49%، وذلك منعاً لرفع التضخم وزيادة السيولة بالسوق.

وحول رؤية الحزب لتقليص فجوة الفقر وتحسين مستوى المعيشة، أشار أوزيل إلى أن رؤية الحزب ترتكز على مبدأ التضامن الاجتماعي، الذي يسعى إلى تقليص الفجوة الاقتصادية بين شرائح المجتمع المختلفة، وتعزيز العدالة الاقتصادية من خلال تقديم الدعم لمن هم في أمس الحاجة إليه، لافتاً إلى أنه سيجرى العمل لوضع سياسات إضافية لتقليل البطالة وزيادة فرص التوظيف، بما يساهم في رفع مستوى المعيشة وتحقيق التوازن الاقتصادي.

في المقابل كان وزير المالية محمد شيمشك قد قال في كلمة أمام البرلمان، منتصف الشهر الجاري، إن الحكومة ستتخذ إجراءات إضافية ضرورية لمعالجة التضخم المرتفع. وأضاف أن الحكومة تهدف إلى خفض عجز الموازنة العام المقبل ودعم مسار البنك المركزي لخفض التضخم. وسجل التضخم 48.58% خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ويشغل الاقتصاد والمعيشة الأتراك كثيراَ هذه الفترة، بحسب نتائج استطلاع رأي حديث أجرته شركة "آسال" للأبحاث والدراسات حول أبرز مشكلات المواطنين الأتراك. وقالت شركة الأبحاث والدراسات إن الاستطلاع الذي جرى الشهر الماضي شمل 2000 مواطن، وسألت المشاركين عن أهم المشكلات التي تعاني منها تركيا، مبينة أن %60.2 من آراء المشاركين ترى أن أبرز المشكلات هي الأزمة الاقتصادية، يليها في المرتبة الثانية انعدام العدالة بنسبة %9.5، ثم قضية اللاجئين بنسبة %4.4، والبطالة بنسبة %4، التعليم %3.2، ضياع القيم الأخلاقية %2.5، الإرهاب %2، الصحة %1.8، المشكلة الكردية %1.3، الزلزال والتحول الحضري %1، الأمن %0.8، الديمقراطية %0.5، بينما ذكر 1% من المستطلعين أنه لا توجد مشكلات.

بدوره، قال المحلل الاقتصادي التركي، باكير أتاجان، لـ"العربي الجديد" إن تراجع مستوى المعيشة والواقع الاقتصادي تصدر اهتمامات الكثيرين بما يتخطى أموراً أخرى عدة، مثل السياسة والتعليم، ولكن بدأت ملامح التحسن منذ الشهر الماضي، رغم أن تراجع التضخم لم يكن كما الوعود والمخطط له، مشيراً إلى أن الاستثمارات في تزايد واحتياطي البنك المركزي هو الأعلى في تاريخ تركيا، وهذه المؤشرات برأيه ستنعكس على الاقتصاد والمعيشة تباعاً.

وحول زيادة الحد الأدنى للأجور، يصف أتاجان تصريحات رئيس حزب الشعب بـ"الدعاية السياسية"، لأن رفع الأجور بنسبة كبيرة ستكون له عواقب سلبية، على أسعار السلع والمنتجات وسعر صرف الليرة، أكثر مما يكون في صالح المستهلك التركي، معتبراً أن الحل يتمثل في تخفيض نسبة التضخم كما تفعل الحكومة بخططها اليوم، إلى جانب زيادة الثقة الدولية بالمناخ التركي وتحسين تصنيفها الائتماني، للوصول إلى تحسن بالاقتصاد الكلي من إنتاج واستثمار وتصدير ونسبة نمو الناتج الإجمالي، ما سينعكس استقراراً دائماً على حياة الأتراك وصولاً للرفاهية التي وعد بها الفريق الاقتصادي.

وأعلنت بلديات المدن الكبرى التابعة لحزب الشعب الجمهوري عن مبادرة لرفع الحد الأدنى لأجور الموظفين إلى 40 ألف ليرة، في خطوة تبدو وكأنها لرفع سقف الضغط على الحزب الحاكم، إذ تشارك في لجنة تحديد الحد الأدنى التي ستجتمع الشهر المقبل.

 

المساهمون