مستقبل حكومة نتنياهو مرهون ببند تمويل أحزاب اليهود المتدينين

13 نوفمبر 2023
احتجاجات غاضبة ضد نتنياهو في تل أبيب (Getty)
+ الخط -

بينما تتصاعد كلَف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتهدد بانهيار الاقتصاد الإسرائيلي، يتزايد الخلاف بين أحزاب اليهود المتدينين (الحريديم) ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول بند تمويل هذه الأحزاب.

وحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ، الاثنين، تكلف الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة الاقتصاد الإسرائيلي نحو 260 مليون دولار يومياً. وفي وقت تتزايد حاجة البلاد للدولارات لتلبية نفقات العجز المتزايد في الميزانية، تضغط أحزاب الحريديم التي تعتمد عليها حكومة نتنياهو للبقاء في الحكم، على الحكومة لصرف الأموال للمدارس الحريدية وغيرها من القضايا التي تناصرها.

يشير التقرير إلى أنّه بينما أصبحت الحرب أكثر تكلفة بالنسبة لإسرائيل مما كان متوقعاً في البداية، وتمثل ضغطاً على المالية العامة، باتت المنح المثيرة للجدل المخصصة للأحزاب الدينية مثار خلافات سياسية في تل أبيب وأبقت الأسواق في حالة توتر. وتأتي هذه الخلافات في وقت يستعد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، في غضون أيام، للكشف عن موازنة جديدة لما تبقى من العام الجاري 2023 ومن ثم تقديم خطط مستقبلية للإنفاق للعام المقبل.

يتضمن برنامج الإنفاق الإسرائيلي أساساً ما يسمى "أموال الائتلاف" أو الإنفاق التقديري المخصص للأحزاب الخمسة التي تشكّل حكومة نتنياهو، وهي الأحزاب الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل. وينص البرنامج على أن يتم تخصيص تحويلات بقيمة 14 مليار شيكل (3.6 مليارات دولار)، جرت الموافقة عليها في مايو/أيار الماضي، للمدارس الدينية.

وفي حين أنّ مخصصات الأحزاب الدينية تمثل جزءاً صغيراً من إجمالي الميزانية الإسرائيلية  للفترة 2023-2024، فإنها باتت واحدة من النقاط المثيرة للجدال حول أولويات الإنفاق في الميزانية، في وقت تواجه إسرائيل ويلات الحرب على قطاع غزة.

وبحسب التقرير، فإنّ ما يحدث لأموال أحزاب الائتلاف الحاكم قد يحدد مدى تسامح الأسواق مع الحكومة الإسرائيلية التي اعترفت بالفعل بأن الحرب تسببت في خسائر اقتصادية تقدر بحوالى 8 مليارات دولار حتى الآن، وفقًا لتقديرات وزارة المالية. في هذا الصدد، يقول كبير الاقتصاديين في مجموعة آي بي آي إنفستمنت هاوس، رافي غوزلان: "طالما أن الحكومة تتمسك بأموال ائتلافها، فإنها ستدفع المزيد من الأموال مقابل ديونها". وسيكون حكم المستثمرين مهماً مع تحول الحكومة بشكل متزايد إلى السندات لدفع تكاليف الحرب. ويبلغ تضخم عجز ميزانية إسرائيل حالياً أكثر من سبعة أضعاف أكتوبر/تشرين الأول 2022. وكانت وزارة المالية قد أعلنت عن خطط لاقتراض أكبر بنسبة 75% في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري مقارنة بأكتوبر الماضي لتغطية كلف الحرب.

وقد استعادت الأصول الإسرائيلية، من الشيكل إلى السندات، بعض خسائرها، إن لم يكن كلها، في أعقاب عملية طوفان الأقصى، لكنّ علاوة أو تعويض المخاطرة على الأصول لا تزال مرتفعة وتخيم على ديون الحكومة. في هذا الشأن يقول التقرير، إن تكلفة تأمين السندات السيادية الإسرائيلية ضد العجز عن السداد باتت  أكثر من ضعف ما كانت عليه قبل بدء الحرب. وظلت علاوة المخاطرة التي يطلبها المستثمرون للاحتفاظ  بالسندات المقومة بالدولار في إسرائيل تفوق عائد سندات الخزانة الأميركية بنحو 25 نقطة أساس.

وبحسب التقرير، ظل التمويل غير المسبوق للبرامج الدينية والمستوطنات في الضفة الغربية موضع تساؤل قبل فترة طويلة من الحرب، وسط تحذير من تداعياتها على الاقتصاد الإسرائيلي الذي يقدر حجمه بنحو 520 مليار دولار، إذ حذر المنتقدون من أنها ستضرب النمو الاقتصادي.

وتضع خطط موازنة العام الجاري 2023 التي حددها سموتريتش زيادة في الإنفاق قدرها 35 مليار شيكل، معظمها على الجيش ويتم تمويل الجزء الأكبر منها عن طريق الديون.

وتقدر أموال الائتلاف الحاكم التي لم تستخدم بعد بنحو 8 مليارات شيكل. مع ذلك، طالبت الأحزاب الحاكمة حتى الآن بتحويل هذه الأموال بالكامل. وتتجاوز المبالغ إجمالي موازنة العام الجاري 2023 للمستشفيات العامة والتعليم العالي الذي تموله الدولة.
واقترح سموتريش، الذي أمضى حياته في المستوطنات، إلغاء مبلغ أقل مما اقترحته إدارة الميزانية في وزارة المالية، على الرغم من تعهده باستبعاد الإنفاق غير "الضروري لدعم القتال".

من جانبه، يقول محافظ بنك إسرائيل (المركزي) أمير يارون، إنّ الحرب أكثر تكلفة مما كان متوقعاً. وقد أثار موقف الحكومة بخصوص تمويل الأحزاب الدينية غضب المستثمرين والعديد من كبار المحللين. وفي رسالة كتبتها مجموعة من خبراء الاقتصاد، قبل أيام، وُجهت إلى كلّ من نتنياهو وسموتريتش، حث 300 اقتصادي بارز من إسرائيل والخارج الحكومة على "العودة إلى رشدها على الفور". وقالت المجموعة في الرسالة التي وقعها أمثال جوش أنغريست الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد: "الخطوة الأساسية والضرورية ستكون وقف تمويل أي شيء غير ضروري للحرب، وفي المقام الأول وقف تمويل الائتلاف".

وتزداد التوقعات سوءاً بالنسبة للإنفاق الإسرائيلي وسط تزايد كلَف الحرب ومخاوف توسعها لتشمل مناطق أخرى في الشرق الأوسط. وقال سموتريش إن عجز الميزانية قد يصل إلى 4% من الناتج الاقتصادي هذا العام و5% في العام 2024. وهذا أكثر من ضعف توقعات الحكومة السابقة، لكنه لا يزال أقل من نسبة 7.1% الذي توقعته وكالة موديز لخدمات المستثمرين.

وتقول "بلومبيرغ" إنّ من المرجح أن تنفق إسرائيل أكثر، وليس أقل، على الدفاع في المستقبل. وهذا من شأنه أن يقلب الاتجاه الذي استمر عدة سنوات والذي أدى إلى خفض الإنفاق العسكري الإسرائيلي من حوالي 9% من الناتج المحلي الإجمالي في التسعينيات إلى 4.5% في العام الماضي.

وفي الصدد ذاته، قال كبير اقتصاديي "بلومبيرغ" للأسواق الناشئة، زياد داود، إنّه بالنسبة لنتنياهو وحلفائه، قد يكون التمويل أساسياً لبقائهم السياسي. وفي شهر مايو/أيار الماضي، هددت بعض الأحزاب بإسقاط الائتلاف ما لم تتم الموافقة على الإنفاق.

وبحسب "بلومبيرغ" بات الخلاف حول تمويلات الأحزاب الدينية واضحاً داخل وزارة المالية، مما أدى إلى حدوث خلاف حاد بين سموتريش والتكنوقراط الذين يُنظر إليهم على أنهم أقل التزاماً بالمصالح السياسية في إسرائيل. ويقول التقرير إنّ وزارة المالية دعت إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لتغطية ارتفاع الإنفاق وانخفاض الإيرادات، بما في ذلك وقف تحويل أموال الائتلاف الحاكم، وإغلاق بعض الوزارات الحكومية.

بدورهما، قال المحافظان السابقان للبنك المركزي، كارنيت فلوغ وجاكوب فرنكل، إنّ نتيجة هذه الأزمة قد تكون خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل وبالتالي فإنّ إسرائيل تخاطر بمستقبلها الائتماني.

المساهمون