استمع إلى الملخص
- **تحولات اقتصادية كبرى**: من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 3.6% في 2024، مع توقعات بأن تصبح السعودية سادس أكبر اقتصاد عالمي بحلول 2030، مما يعزز موقعها بين الولايات المتحدة والصين.
- **عوامل داعمة**: التضخم العالمي والنمو الاقتصادي القوي في دول الخليج، وانفتاحها على الاقتصاد العالمي، تساهم في زيادة التبادل التجاري مع الولايات المتحدة، مع تركيز السعودية على تنويع اقتصادها في الخدمات والسياحة والتكنولوجيا.
يمثل ارتفاع حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة ودول الخليج إلى 180 مليار دولار، بحسب إعلان وزارة التجارة الأميركية في تقريرها السنوي، زيادة بنسبة 27% مقارنة بالعام السابق.
ويأتي ذلك بالتوازي مع ارتفاع صادرات السعودية إلى الولايات المتحدة بنسبة 35% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2023، مسجلة 17.4 مليار دولار بحسب بيان رسمي للهيئة العامة للإحصاء للمملكة، ما سلط الضوء على آفاق استثنائية لتعميق العلاقات التجارية بين دول الخليج ولا سيما السعودية، شملت مجال التقنية والذكاء الاصطناعي.
ووفق إفادة خبيرين لـ"العربي الجديد"، فإن هذا الارتفاع في حجم التبادل التجاري يعكس عودة العلاقات الاقتصادية بين السعودية والولايات المتحدة إلى طبيعتها بعد فترة من التوتر، وفي وقت تشهد المنطقة تحوّلات اقتصادية كبرى.
ووفقًا لتقرير صادر عن صندوق النقد الدولي في أكتوبر/تشرين الأول 2023، من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 3.6% في عام 2024، فيما أشار تقرير لبنك غولدمان ساكس، نُشر في ديسمبر/كانون الأول 2023، إلى أن السعودية قد تصبح سادس أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2030 إذا استمرت في تنفيذ خططها الطموحة للتنويع الاقتصادي.
طمأنة اقتصادية من الخليج
في هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن ارتفاع حجم التبادل التجاري بين دول الخليج والولايات المتحدة إلى 180 مليار دولار يعكس عودة العلاقات الاقتصادية إلى طبيعتها بعد التوترات التي شهدتها بداية فترة رئاسة جو بايدن للولايات المتحدة، موضحا أن هناك تحوّلات جديدة تدعم تعزيز الروابط الاقتصادية بين الجانبين.
فرغم أن الروابط الاقتصادية مع الصين ما زالت أكبر بكثير من تلك مع الولايات المتحدة، إلا أن التبادل التجاري الأميركي-الخليجي، وخاصة السعودي-الأميركي والإماراتي-الأميركي، يشهد تصاعدًا ملحوظًا، بحسب عايش، موضحا أن هذا التوازن الذي تسعى إليه المجموعة الخليجية، خصوصًا السعودية والإمارات، يعزز من موقعهما بين الولايات المتحدة والصين.
وتدفع الإشارات والتحذيرات، التي تصل إلى فرض عقوبات على شركات اقتصادية وخاصة في الإمارات، بسبب علاقاتها مع الصين وروسيا، الدول الخليجية إلى طمأنة الولايات المتحدة من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية، مما يؤدي إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري، حسبما يرى عايش.
ويضيف عايش أن الميزان التجاري بين دول الخليج والولايات المتحدة يسجل فائضًا لمصلحة الولايات المتحدة في عام 2023، ما يعني زيادة مستوردات دول الخليج من الولايات المتحدة رغم ارتفاع صادراتها، وذلك يؤكد أن دول الخليج تحاول طمأنة الولايات المتحدة سياسيًا عبر البوابة الاقتصادية.
ويلفت عايش إلى أن الرؤى الاقتصادية للدول الخليجية تركز أيضًا على الجانب السياحي، وخاصة الجانب اللوجستي وقطاع الطيران، ما يفسر زيادة شراء التقنيات المتعلقة بالصناعة والسياحة والطيران من الولايات المتحدة.
وفي المقابل، تشمل صادرات دول الخليج إلى الولايات المتحدة، النفط بالإضافة إلى الأسمدة والمواد الكيميائية العضوية والمعادن مثل الألومنيوم، ما يعزز منظومة التبادل التجاري بين السعودية والولايات المتحدة، حسب عايش.
ويعني تجاوز حجم التجارة الخارجية الخليجية لقيمة التريليون دولار في عام 2023، بحسب عايش، أن حجم التبادل التجاري الأميركي-الخليجي ربما يقل عن 18% من إجمالي التبادل الخليجي مع العالم الخارجي، مشيرا إلى أن هذا الحجم يتزايد سنة بعد أخرى، ما يؤكد التحوّلات الجديدة في علاقات دول الخليج مع الولايات المتحدة بعد فترة من الجفاء.
ويشير عايش إلى أن السعودية تستثمر كثيرًا في القطاع غير النفطي كجزء من عملية التنويع الاقتصادي، معتبرا أن زيادة النشاط التجاري بينها وبين الولايات المتحدة تعبر عن جدية السعودية في هذا التنويع. ويخلص عايش إلى أن الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والدول الخليجية تتسارع بشكل كبير، فيما الشراكة الاستراتيجية الخليجية-الصينية ما زالت تراوح مكانها منذ عام 2004، ما يفسر الزيادة الإضافية في حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والمجموعة الخليجية.
عوامل داعمة
وفي السياق، يشير أستاذ الاقتصاد في جامعة نيس الفرنسية، آلان صفا، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن حجم التبادل التجاري بين دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية يشهد ارتفاعًا ملحوظًا لأسباب، بينها دور التضخم العالمي في رفع قيمة التبادل التجاري، حيث يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ما يرفع القيمة الإجمالية للتبادل حتى مع ثبات الكميات. كما يلعب النمو الاقتصادي القوي في دول الخليج وانفتاحها على الاقتصاد العالمي دورًا مهمًا في هذا الارتفاع، بحسب صفا، مشيرا إلى أن السعودية على وجه الخصوص توجهت أخيرًا نحو تنويع اقتصادها، مع التركيز على قطاع الخدمات بالإضافة إلى تصدير الطاقة، وهو التنويع الذي يشمل مجالات مثل السياحة والرياضة والتكنولوجيا، ويسهم في زيادة حجم التبادل التجاري. كما يبرز التوازن في العلاقات الاقتصادية والسياسية كعامل مهم في هذا السياق، بحسب صفا، لافتا إلى أن السعودية ودول الخليج تحاول الحفاظ على توازن في علاقاتها مع جميع الدول، وخاصة مع الولايات المتحدة والصين، وتسعى للحفاظ على نمو هذه العلاقات وإبقاء القنوات مفتوحة مع القوتين الاقتصاديتين العالميتين.