ماذا نفعل مع التضخم؟

20 ابريل 2022
ارتفاع الأسعار طاول مختلف السلع في الأسواق المصرية (Getty)
+ الخط -

بعد تقويته للعملة المحلية وتثبيت سعره أمام الدولار لسنوات، اضطر البنك المركزي المصري للسماح بانخفاض سعر الجنيه المصري بنسبة 17%، فسارع أغلب التجار برفع أسعار السلع التي يبيعونها، بصرف النظر عن كونها مستوردة ومدفوعا ثمنها بالدولار أو محلية الصنع، وأيضاً بصرف النظر عن شرائهم لها وتسديد ثمنها قبل ارتفاع سعر الدولار أم بعده، في واحدة من أبشع صور الاستغلال التي تتكرر في الاقتصادات النامية، وتحاكيها الاقتصادات المتقدمة أحياناً، وإن بصورة أقل حدة.

وتتعدد أهداف البنوك المركزية، والسياسات النقدية المتبعة لتحقيقها، لدى الاقتصاديين باختلاف أولوياتهم، إلا أن أغلبهم أجمعوا على أن أهم الأهداف التي يتعين على تلك البنوك العمل عليها هي تحقيق معدل نمو اقتصادي إيجابي حقيقي، من خلال استقرار الأسعار ومحاولة الاقتراب من التوظيف الكامل، من أجل ضمان استمرار استيعاب الزيادة السكانية، وفي نفس الوقت تحسين مستوى معيشة المواطنين.

وخلال العقود الأخيرة، ثبت لنا بالدليل القاطع في مصر، كما في العديد من الأسواق النامية والناشئة، استحالة تحقيق ذلك في ظل وجود عجز في الحساب الجاري. فهذا العجز يعني وجود طلب محلي على العملة الأجنبية يفوق طلب الأجانب على العملة المحلية، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى انخفاض قيمة العملة المحلية، وإن قاومت السلطات النقدية ذلك لبعض الوقت.

وفي كل الأحوال، ارتبط تثبيت سعر العملة المحلية مع وجود عجز بالحساب الجاري لفترات مطولة بنتائج كارثية، سواء من حيث تراجع احتياطي النقد الأجنبي في البلاد، أو ارتفاع الديون الخارجية إلى مستويات تستحوذ أقساط خدمتها على نسب ضخمة من ميزانيات البلاد، وتعوق جهود تحقيق التنمية فيها.

موقف
التحديثات الحية

وحسناً فعلت الحكومة المصرية، حين منعت استيراد منتجات ما يقرب من ألف شركة من السلع الاستهلاكية، في محاولة للحد من عجز الحساب الجاري، قبل أن تبادر بعض تلك الشركات بالإعلان عن استمرارها في أداء أعمالها، بما فيها عمليات التصدير والاستيراد لسلعها، بصورة طبيعية كما كان الوضع لسنوات.

وأياً كانت الحقيقة، فمن المؤكد أن النجاح الحقيقي في القضاء على هذا العجز لن يتم إلا بعد وقف استيراد السلع التي تمثل الحصة الكبرى من فاتورة الاستيراد، ومنها بالتأكيد السيارات والقمح والأجهزة الإلكترونية من حواسب آلية وهواتف ذكية.

وكما يقول الحكماء، فربما نجد في المحنة الحالية منحة، كأن تزداد الجهود الرامية لتصنيع سيارة مصرية، أو نتمكن من تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، أو أن نكون مركز تصنيع لشركات الإلكترونيات الكبرى، مثل آبل ومايكروسوفت واتش بي، مستغلين رخص الأيدي العاملة والموقع الجغرافي المتوسط بين شرق الأرض وغربها.

وفي مصر، وبعيداً عن الأرقام الرسمية التي سجلت 12% في آخر إعلان عن التضخم، يشعر المرء بالتضخم مضاعفاً، بسبب تراجع قيمة العملة المحلية، وفي نفس الوقت اضطرار الحكومة لطبع كميات متزايدة من النقود، كما حدث في أغلب بلدان العالم، على مدار الأعوام الماضية.

وفي ظاهرة غير مشهودة منذ عقود، ارتفع التضخم في الاقتصادات الكبرى بصورة واضحة، حتى ليظن المرء أنها بلدان نامية، حيث سجل التضخم الأميركي السنوي 8.5% للمرة الأولى في أكثر من أربعة عقود، ووصل التضخم في المملكة المتحدة إلى 7% للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود، بينما شهد الشهر الماضي وحده ارتفاع أسعار المستهلكين الصينيين بنسبة 1.5%، لتضطر تلك الدول إلى اتخاذ إجراءات تشديدية أملاً في كبح جماح التضخم، وتجنب تداعياته السلبية على الصعيد السياسي.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وبينما ألقى الرئيس الأميركي، جو بايدن، وآخرون باللوم على تعطل سلاسل الإمداد والحرب في أوكرانيا، وتأخر البنك الفيدرالي الأميركي في رفع معدلات الفائدة وتقليص مشترياته من السندات، فإنّ بنك الصين الشعبي (البنك المركزي)، وبعكس سياسات التيسير التي اتبعها منذ الربع الأول من عام 2020، في أعقاب ظهور فيروس كوفيد – 19 وانتشاره في البلاد، سارع إلى تقليص عمليات ضخ النقد المباشر قبل نهاية العام، قبل أن يمضي أغلب فترات العام التالي 2021 في محاولات خفض الاقتراض، لإبطاء سوق العقارات المشتعل.

ورغم التأثيرات السلبية الحقيقية للحرب في أوكرانيا على الاقتصاد الصيني، التي تعد أكبر مستورد في العالم للنفط والمنتجات الزراعية، فقد قفزت أسعارها إلى السماء مع اندلاع الحرب، لم تفعل الصين ما فعلته الدول الغربية بتقديم المنح والإعانات لمواطنيها، وإنما عمدت إلى منح الأولوية في الوقت الحالي للاكتفاء الذاتي، باعتباره أحد دعائم الأمن القومي للبلاد في مثل تلك الظروف. وقال الرئيس تشي جينبينغ إن الصين لا يمكنها الاعتماد على الأسواق العالمية لتحقيق أمنها الغذائي.

وتدرك الصين جيداً أن ارتفاع الأسعار يمكن أن يتسبب في حدوث أزمات سياسية ويمكن أن يؤدي بسهولة إلى احتجاجات اجتماعية لا يرغب أي حاكم عاقل في حدوثها.

وخلال السنوات الأخيرة، ورغم نجاح الحكومة الصينية في ترويض التضخم الكلي، ظلت أسعار الغذاء تغرد خارج السرب، وارتفعت أسعار الفاكهة بصورة ملحوظة في صيف عام 2019، حتى أن الصينيين كانوا يمزحون ويقولون إن تطلعاتهم المالية كانت تنحصر في تحقيق "حرية الكرز" Cherry Freedom، ويقصد بها رفاهية القدرة على شراء الفاكهة المستوردة، بينما تراجعت أهمية الحريات السياسية كما هو معروف.

وتقول شولي رين، محللة الأسواق الآسيوية التي سبق لها العمل في مجال بنوك الاستثمار، إنه على الرغم من أن الحزب الشيوعي الصيني غير منتخب ديمقراطياً، إلا أنه شديد الحساسية تجاه الرأي العام. وتقدر رين حصة الطعام من سلة الاستهلاك التقليدية الصينية بنحو 20%، بينما تقول إنها لا تتجاوز 14% في الولايات المتحدة، الأمر الذي يجعل المستهلك في الصين ينظر إلى أسعار الحليب والخضروات واللحوم والفاكهة لتقييم أداء حكومته، ويجبر المسؤولين الحكوميين على الاهتمام بمعدل التضخم ومستويات معيشة المواطنين، حتى لو لم يكن هناك حاجة لهم في صناديق الانتخابات.

المساهمون