مأزق عقارات بريطانيا... انكماش وسط الغلاء وارتفاع أسعار الفائدة

23 فبراير 2023
الكثير من الأسر تعاني من ارتفاع تكاليف شراء المنازل (Getty)
+ الخط -

يشهد القطاع العقاري في بريطانيا تباطؤاً هو الأكبر منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2008، وسط ارتفاع الأعباء المالية للأسر، التي تئن من الغلاء، وزيادة تكاليف الرهن العقاري الناجمة عن زيادات أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية.

ووفق جمعية البناء الوطنية، تراجع متوسط قيمة المنازل لمدة خمسة أشهر متتالية بنهاية يناير/ كانون الثاني الماضي.

وقال كبير الاقتصاديين في الجمعية، روبرت غاردن،: "يُرجَّح أن تشكل القدرة العامة على تحمّل التكاليف تحدياً على المدى القريب".

وقفز متوسط قرض المنزل بنسبة الفائدة الثابتة لمدة عامين إلى أعلى مستوى له في 14 عاماً عند 6.65% في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وشهدت أسعار المنازل تراجعاً في يناير/ كانون الثاني، هو الأكبر منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

ويتوقع سماسرة عقارات وخبراء أن تؤدي حالة عدم اليقين التي تعصف بالسوق، إلى مزيد من هبوط الأسعار، محذرين من أن بريطانيا قد تشهد تكراراً لما حدث في تسعينيات القرن الماضي حين انخفضت أسعار المنازل.

ووفق مسح أجرته صحيفة "ذا تايمز" الشهر الماضي، توقع ثلثا الاقتصاديين أن تنخفض أسعار المنازل بأكثر من 4% هذا العام، فيما حذر معظمهم من انخفاضات تقترب من رقمين، ما يعني أن 2023 قد يكون أسوأ عام لسوق الإسكان في نحو 15 عاماً.

وتأتي توقعات هبوط الأسعار في الوقت الذي كشفت دراسة متخصصة أن أسعار المنازل في بريطانيا هي الأغلى منذ ما يقرب من 150 عاماً مقارنة بمتوسط الدخل.

ويبلغ متوسط تكلفة المنزل حالياً 9.1 أضعاف متوسط الدخل، وفقاً لتقرير صادر عن بنك الاستثمار "شرودرز"، إذ يكلف المنزل العادي في لندن الآن، على سبيل المثال، 12 ضعف متوسط الأجر في لندن.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وبحسب موقع العقارات "رايت موف"، بلغ متوسط سعر الطلب في لندن 668 ألف جنيه إسترليني في يناير/ كانون الثاني الماضي، بزيادة 6% على أساس سنوي، ولكن بانخفاض من ذروة 696 ألف جنيه إسترليني في أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

ووفق المعهد الملكي للمسّاحين القانونيين، ينخفض الطلب على المنازل الجديدة في لندن أسرع من المنازل المعروضة للبيع، متوقعاً مزيداً من الهبوط في الفترة المقبلة.

لكن تيم كرين، المدير العام لشركة "موليور" في لندن، التي توفر بيانات عن الأراضي والتخطيط والبناء للتأجير وللبيع، يقول لـ"العربي الجديد" إنه "لا يمكن لأحد أن يتنبأ بأسعار المنازل، وأعتقد أن أي جهة تقوم بذلك إنما تمزح. لذلك، نحن لا نصدر تنبؤات عن ارتفاع أسعار المنازل أو انخفاضها".

يضيف كرين أن "العرض في لندن مقيد بشكل طبيعي، حيث تُنظَّم الأسعار إلى حد كبير من قبل عمدة العاصمة، كذلك تؤثر سياسة الحكومة المركزية بسوق الإيجارات. وعلى سبيل المثال، يمنع المخطط الحكومي للمساعدة في الشراء الذي انتهجته الحكومة لفترة ماضية، أي شخص اشترى منزلاً من أن يؤجر هذا المنزل، وهذا الوضع يضعنا أمام حالة تقيّد سوق الإيجار. لذلك، إن الرواية التي تتحدّث عن ارتفاع الأسعار في سوق الإيجار حقيقية، لأنّه في ظلّ هذه الآلية، يبدو أنّ أسعار الإيجار لن تنخفض، بل من المرجح ارتفاعها".

ويعتبر أن "أزمة تكلفة المعيشة برمتها ليست ذات صلة بسوق العقارات. المشكلة الأساسية لأسعار المنازل تكمن في الطلب والعرض. لذا، إنّ التضخم وارتفاع الأسعار في البلاد، لا يلعبان دوراً كبيراً بشأن أسعار المساكن".

ويشير إلى أن ما يحدث حالياً ليس أمراً جديداً أو مستغرباً، ففي عام 2014 ارتفعت أسعار المنازل كثيراً في لندن، وفي "ويستمنستر"، ثم بقيت الأسعار ثابتة لما يزيد على ثماني سنوات في وسط لندن، لافتاً أيضاً إلى أن اتجاهات الأسعار في العاصمة ليست واحدة، بل تختلف كثيراً بين المناطق المختلفة.

في المقابل، تظهر بيانات شركة موليور، أن حوالى 23 ألف منزل من المتوقع أن يكتمل بناؤها خلال العام الجاري، بينما بيع لغاية اليوم 66% منها بالفعل. ويقول محللون إن زيادة تكاليف الرهن العقاري والمعيشة سبّبت تآكل ميزانيات الأسر، ما يساهم في انخفاض أسعار العقارات.

وبالنسبة إلى أولئك الذين يتطلّعون إلى شراء سكن، ينصح الخبراء بالالتفات إلى أمور عدة قبل الإقدام على هذه الخطوة التي تُعَدّ الاستثمار الأهم في حياتهم، وأبرزها معدلات الرهن العقاري التي أوردتها شركة المعلومات المالية "Moneyfacts"، التي بلغت ذروتها في 20 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مشيرة إلى أن الصفقات لا تزال باهظة الثمن مع معدل ثابت لمدة عامين بنسبة 5.32%.

ويحذر الخبراء من الملكية السلبية، أي عندما تكون قيمة المنزل أقل من القرض. هذا يعني أنه إذا كان لديك قرض رهن عقاري لأكثر من 90% من قيمة منزلك، وانخفضت الأسعار بنسبة 10% أو أكثر، قد يؤدي ذلك إلى القضاء على قيمة وديعتك ويتركك في صورة حقوق ملكية سلبية. فحوالى 90 ألف مشترٍ لأول مرة اشتروا منازل في 2020 و2021 معرّضون لهذا الخطر، وفقاً لبحث أجرته صحيفة "ذا تلغراف" في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

تقليدياً، يُعَدّ فصل الربيع الوقت المناسب لشراء منزل، حيث تتوافر المزيد من المنازل في السوق. ويعتبر مارس/ آذار بشكل عام الشهر الأفضل لشراء منزل. ويُنصح العديد من مالكي المنازل الذين يرغبون في البيع السريع، بطرح ممتلكاتهم في السوق في شهر مارس، نظراً لوجود المزيد من الباحثين عن المنازل. وغالباً ما يحرص الناس على إتمام عمليات البيع والشراء قبل بدء إجازة الصيف، حيث يكون أغسطس هادئاً بشكل خاص.

في السياق، يقول الخبير المالي مارتن لويس، إنه على الرغم من وجود العديد من المتغيرات، يجب أن يكون المشترون على استعداد تام، مضيفاً: "إذا كان لديك وديعة جيدة، ووجدت منزلاً تحبه، وحصلت على رهن عقاري وتفكّر في الإقامة في هذا العقار لفترة طويلة، لا تتردد في شراء منزلك".

المساهمون