المؤكد أنه ليس بالإساءة للأديان السماوية وقيم المجتمعات والاعتداء على العادات والتقاليد نحارب معدلات التضخم المرتفعة وزيادة تكاليف المعيشة، وليس بزوبعات وترهات الإعلامي إبراهيم عيسي وانكاره واقعة الإسراء والمعراج وغيرها من الثوابت الإسلامية نواجه أعتى موجة غلاء تقطم ظهر المواطن المصري والذي بات يعاني من قفزات متواصلة في الأسعار منذ سنوات.
قفزات تبدأ من أسعار الأغذية والدقيق ورغيف الخبز والخضروات واللحوم، ولا تنتهي عند زيادة كلفة فواتير البنزين والسولار والغاز والكهرباء والمياه والعلاج والتعليم والمواصلات وإيجار السكن، وتمر بأسعار الأدوية ومواد البناء مثل الحديد والإسمنت والتي سجلت ارتفاعات حادة خلال الأيام الماضية.
استدعاء خرافات واثارة قضايا أقرب إلى المخدرات لن تملأ جيب الفقراء، ولن تطعم جائعا أو محروما، ولن تخفض الأسعار
وليس بتكثيف ترويج المخدرات الإعلامية والمواد الهابطة والتوسع في سياسة أو نظرية "بص العصفورة" التي تتبناها بعض الجهات المسؤولة في اطار سياسات الالهاء، وتركيز الإعلام على حوادث فردية مثل الخيانات الزوجية وطلاق فنان مشهور، أو زواج كهل من طفلة قاصر، أو قتل زوج عجوز لزوجته العشرينية، أو ضرب عريس لعروسه ليلة زفافها في وسط الشارع بمدينة الإسماعيلية والاعتداء عليها مع نكراننا لذلك بالطبع، ليس بكل ذلك نواجه الأزمات المالية والاقتصادية ونحد من ارتداداتها العنيفة على المواطن والمستهلك.
والمؤكد أيضا أن استدعاء خرافات من نوعية عدم تحلل جثة الفنان الراحل علاء ولي الدين رغم مرور سنوات على وفاته، وطلاق ياسمين رئيس، وفيلم منى زكي الأخير، أو اثارة قضايا أخرى أقرب إلى المخدرات الثقافية مثل الفساتين المثيرة لبعض الفنانات مثل رانيا يوسف وغيرها لن تملأ جيب الفقراء بالنقود، ولن تطعم جائعا أو محروما، ولن تخفض الأسعار داخل الأسواق.
أو تُنسي المواطن حجم الأموال المصرية المنهوبة في البنوك الغربية، وأحدثها ما كشفت عنه تسريبات بيانات بنك "كريدي سويس" السويسري والتي تضم نحو ألفي حساب مصرفي مملوكة لشخصيات مصرية بارزة، وأن هذه الأموال لم يتم استرداد دولار واحد منها على مدى 10 سنوات.
وبالطبع لن يحل هجوم الاعلام والقطاع الخاص المصري الشرس على قرار البنك المركزي المتعلق بتنظيم عملية الواردات وتخفيف الضغط على الدولار، أزمة سد النهضة التي دخلت مرحلة الخطر بإعلان رئيس الوزراء الاثيوبي أبي أحمد البدء في توليد الكهرباء من السد، وبعدها الدخول في مرحلة الملء الثالث للسد، وبالتالي بات السد أمرا واقعا وأصبحت المفاوضات عبثية والمطالبة بإعادتها لمسارها بعد توقف منذ شهر إبريل الماضي هو نوع من تضييع الوقت وضحك على عقول المصريين.
والمؤكد أيضا أن تشتيت انتباه المواطن يوميا بمشاكل تافهة ومستهلكة بعيدا عن الأحداث المصيرية والمهمة وأزماته اليومية لن ينسيه حجم الأموال الضخمة ومليارات الدولارات التي تتحول من الخزانة المصرية التي تعاني من عجز حاد إلى خزانة دولة الاحتلال ثمناً لصفقات غاز إسرائيلي نستورده لسنوات طويلة رغم احتفاء الحكومة المصرية قبل أيام باكتفاء البلاد من الغاز وتحول مصر إلى واحدة من أكبر من أكبر الدول العالم تصديرا للغاز المسال.
تشتيت انتباه المواطن بمشاكل تافهة ومستهلكة لن ينسيه مليارات الدولارات التي تتحول من الخزانة المصرية إلى خزانة دولة الاحتلال
المجتمع المصري مقبل على تحديات شديدة وأزمات حاده شأنه في ذلك شأن العديد من دول المنطقة الأكثر اعتمادا على الخارج سواء في واردات الأغذية والوقود، أو الحصول على تمويل وقروض ضخمة.
فهناك موجة تضخم عنيفة للأسعار على الأبواب، موجة مدفوعة من عدة أسباب أبرزها، حدوث قفزات في أسعار الغذاء في الأسواق العالمية هي الأعنف منذ 10 سنوات، وهي أزمة كبيرة بالنسبة لمصر التي تستورد نحو 70% من احتياجاتها من السلع الغذائية من الخارج، كما أنها تعد أكبر دولة استيرادا للقمح والزيوت النباتية في العالم.
وسعر النفط قارب على المائة دولار حيث بلغ اليوم الأربعاء 97 دولارا للبرميل، وهذه القفزات تضغط على أسعار البنزين والسولار والغاز، وترفع كلفة الإنتاج في المجتمع، وتضغط أيضا على الموازنة العامة واحتياطي البلاد من النقد الأجنبي. وهناك قفزات في أسعار الطاقة وزيادات في كلفة الاقتراض الخارجي.
وهناك تراجع في الاستثمارات الأجنبية المتدفقة على مصر شأنها في ذلك شأن كل الأسواق الناشئة، وأزمة كورونا لا تزال تؤثر سلبا على بعض القطاعات الاقتصادية في البلاد مثل السياحة.
وهناك توسع مفرط في الاقتراض الخارجي بشكل بات يمثل عبئا شديداً على الموازنة الدولة والإيرادات العامة للدولة واحتياطي النقد الأجنبي، وكذا على دافعي الضرائب ومخصصات الدعم والرواتب والاستثمارات العامة.
وهناك أزمة شديدة في أوروبا وتوقعات بأن تشهد دول القارة موجة تضخم كبيرة وأزمة طاقة حادة في حال غزو روسيا أوكرانيا وقطع موسكو الغاز عن أوروبا، وهذه الأزمة ستكون لها تأثيرات كبيرة على الاقتصاد المصري خاصة على مستوى أنشطة السياحة والاستثمارات الأوروبية المتدفقة على مصر، وكذا على تحويلات المصريين العاملين في القارة العجوز.
وهناك أزمة أوكرانيا التي ستؤثر سلبا على مصر خاصة وأن روسيا وأوكرانيا أبرز موردين للقمح والأغذية والشعير للسوق المصري، وفي حال اندلاع حرب فإن أسعار توريد وشحن الأغذية سترتفع بشكل حاد، وقد تنقطع بعض الوقت.
وهناك تحديات شديدة تواجه قناة السويس، وهي واحدة من أبرز موارد النقد الأجنبي في البلاد، وتهدد خط سوميد الناقل للنفط الخليجي لأوروبا عبر الأراضي المصرية، خاصة من قبل مشروعات التطبيع التي يجري تنفيذها بالتعاون بين الإمارات ودولة الاحتلال.
أزمات عدة تواجه الاقتصاد المصري بسبب موجة التضخم العالمية وزيادة أسعار النفط والغاز والفائدة على الدولار وتفاقم الأزمة الأوكرانية
في ظل تلك التحديات الجمة والأزمات المتوقعة تتم معالجة كل ذلك بنشر مخدرات "بص العصفورة" وترهات إبراهيم عيسي وتحويل فيلم "أصحاب ولا أعز" إلى قضية حياتية، والتركيز على طلاق الفنان مصطفى فهمي، والمبالغة في نشر أخبار الفنانات، وإعطاء تعليمات للصحف ووسائل الإعلام بنشر مزيد من الأخبار حول تحول مصر إلى نمر اقتصادي مع تحقيق معدلات نمو تاريخية، ومعها إعطاء تعليمات للراقصات بتكثيف طلاتهن على المصريين.
من المؤسف حقا أن تتم معالجة كل تلك التحديات الحياتية والمصيرية بسياسات الإلهاء ونشر تلك المخدرات الإعلامية والثقافية، ومن المؤسف أن صانع القرار لا يدرك أن مثل تلك النوعية من المخدرات بات تأثيرها ضعيفا حتى لو وصلت إلى استفزاز مشاعر المصريين الدينية وتخويفهم من المستقبل وإعادة التذكير بالحروب الأهلية في العراق وسورية واليمن وليبيا.
ومن المؤسف حقا ألا يتم وضع معالجات جادة لمثل هذه القضايا التي قد تعصف بالاقتصاد والمواطن خاصة مع تفاقم الأزمة الأوكرانية وقفزات أسعار النفط والغاز، وموجات التضخم العالمية، وقرب رفع سعر الفائدة على الدولار بدءا من شهر مارس المقبل والذي ستكون لها تداعيات خطيرة على الاقتصاد المصري منها هروب جزء من الأموال الساخنة المستثمرة في أدون الخزانة والسندات والبورصة، والضغط على سوق الصرف والعملة المحلية واحتياطي البلاد من النقد الأجنبي، وزيادة تكلفة الاقتراض الخارجي وفاتورة الواردات.
سياسات "بص العصفورة" والالهاء لن تحل أزمات معيشية أو تكبح الغلاء في الاسواق، ولا تحافظ على مياه النيل
سياسات "بص العصفورة" والالهاء والمخدرات الثقافية لن تحل أزمات معيشية أو تكبح الغلاء، ولا تتعامل بجية مع تحديات مستقبلية ولا تصنع أمما، ولا تحافظ على مياه النيل، ولا تمنع معرفة المواطن بحقيقة تدفق المليارات من جيب المواطن المصري المخروم وأموال دافعي الضرائب في مصر لتحسين رفاهية الإسرائيليين وعلاج عجز موازنة دولة الاحتلال.
بل تضع تلك السياسات المواطن والاقتصاد تحت ضغوط مستمرة، وتضغط أكثر على النسيج المجتمعي وتهدد الاستقرار الداخلي، وترهن مستقبل البلاد لصالح الدائنين الدوليين وفي المقدمة صندوق النقد الدولي الذي بات يعيث في بلادنا فساداً وافقاراً.