نجحت ليبيا خلال العام الماضي 2023 في نفض جزء من غبار الانقسام الذي سيطر على المؤسسات المالية والاقتصادية للدولة الذي استمر قرابة عقد من الزمن، إذ جرى توحيد المصرف المركزي بعد انقسامه إلى إدارتين إحداهما في العاصمة طرابلس والأخرى في مدينة البيضاء شرق البلاد، كما تحسنت خدمات الكهرباء والرواتب، لكن الكثير من تراكمات الصراع لا تزال حاضرة وتختبر الليبيين في العام الجديد 2024.
وما تزال الضغوط تلاحق الكثير من الأنشطة الاقتصادية، على رأسها صناعة النفط الرئيسية، فضلا عن مواجهة العملة الوطنية الدينار صعوبات في تقليص خسائرها أمام العملة الأميركية وكبح المضاربات، رغم تحسّن صادرات النفط كثيراً.
ويتجاوز الفارق بين سعري العملة الأميركية في السوقين الموازية (السوداء) والرسمية نحو 1.33 دولار بزيادة تبلغ نسبتها 27.9%، إذ يصل سعر الدولار في السوق الموازية إلى 6.10 دنانير، بينما يبلغ رسمياً 4.77 دنانير.
ويشير محللون اقتصاديون إلى أن الاقتصاد الليبي ما يزال هشاً رغم التحسن الذي سجله العام الماضي، ويعاني غياب أدوات السياسة النقدية، وتحديات الاستقرار الأمني وارتفاع التضخم والبطالة، وكذلك وجود عجز مزدوج في ميزان المدفوعات والحساب الجاري.
ويقول أحمد أبولسين، مدير مركز "أويا" للدراسات الاقتصادية، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن ليبيا تدخل العام الجديد بمشكلة متوارثة تتعلق بانفلات الإنفاق المالي وتفاقم الدين العام المحلي، وقفزات في سعر الصرف نتيجة الطلب المتزايد على العملة الأجنبية.
ويضيف أبو لسين: "رغم زيادة الرواتب العام الماضي، إلا أن ذلك لا يعني شيئاً في ظل ارتفاع الأسعار وانخفاض القوة الشرائية للدينار الليبي"، مؤكدا أن الاقتصاد الليبي هش وضعيف ويعتمد إلى حد بعيد جداً على الإيرادات النفطية.
في السياق، يرى المحلل الاقتصادي محمد الشيباني، أن ليبيا تعاني من ارتفاع عجز ميزان المدفوعات بقيمة 10 مليارات دولار مع وجود عجز آخر في الميزان الجاري، ومن ثم فإن مؤشرات الاقتصاد الكلي غير جيدة.
ويقول الشيباني لـ"العربي الجديد" إنه جرى خفض قيمة الدينار بنحو 70% منذ عامين دون توفير شبكة حماية اجتماعية للتخفيف عن كاهل المواطنين جراء هذا القرار، وتأثيره على أوضاع الفئات الهشة (الفقيرة) من السكان. ويضيف أنه عند مقارنة مستوى المعيشة فالمواطن كان ينفق 629 دينارا خلال عام 2020، بينما ارتفع المبلغ إلى 966 دينارا للعام 2022 ثم إلى 1500 دينار في 2023، حين شهدت سلة الحد الأدنى من الإنفاق الغذائي التي تلبى الاحتياجات الأساسية زيادة قياسية بلغت 38%، فيما الحد الأدنى للأجور والمرتبات يبلغ 900 دينار.
وليست تراكمات الصراعات والانقسامات وحدها التي تنتقل إلى معيشة الليبيين في العام الجديد، وإنما أيضا كارثة العاصفة "دانيال" التي ضربت البلاد العام الماضي، وفق المحلل المالي محمود سالم، موضحا أن لتلك العاصفة آثارا اقتصادية ممتدة، بينما هناك صعوبات في توفير وتخصيص الأموال لإعادة إعمار المناطق المتضررة على رأسها مدينة درنة شمال شرق البلاد.
يقول سالم لـ"العربي الجديد" إنه "في حالة ارتفاع الإيرادات النفطية مع وجود استثمارات جديدة بالبلاد وضبط الإنفاق المالي في حدوده الدنيا عبر حكومة واحدة منتخبة ربما تكون هناك نتائج إيجابية"، مضيفا أن "الليبيين عاشوا شظف العيش والمشقة البالغة خلال السنوات الأخيرة". وقدر البنك الدولي في تقرير أخير معدل البطالة في ليبيا بنحو 20%، تقفز بين الشباب إلى حوالي 50%.
ولا يزال الكثيرون يعولون على الاستقرار الأمني والسياسي لإعادة البلد النفطي إلى الأمان المالي. وتمتلك ليبيا أكبر احتياطيات للنفط والغاز في أفريقيا، علاوة على أن قربها الشديد من أوروبا قد يجعل منها إحدى أكبر الدول الموردة للطاقة إلى القارة الباردة.
وتستعد الدولة لطرح جولة تراخيص جديدة للنفط والغاز خلال 2024، بعد توقف لأكثر من 16 عاماً على خلفية الاضطرابات السياسية والأمنية التي عانتها البلاد، بينما وصل الإنتاج إلى 1.2 مليون برميل يومياً اعتباراً من مارس/آذار 2023.
وتوقّعت مؤسسة "فيتش سولوشنز" في تقرير نشرته مطلع العام الماضي، أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في ليبيا بنسبة 19.7% خلال 2023، بعد انكماش بنسبة 12.9% عام 2022، مدفوعا بالاستقرار السياسي في البلاد، مما سيسمح بانتعاش قوي في إنتاج النفط يؤدي إلى زيادة صادرات الخام.
ويقول المحلل الاقتصادي علي الرقيعي، إن هناك نظرة متفائلة بشأن الاقتصاد، لافتا إلى تحقيق استقرار العام الماضي في العديد من الأنشطة منها شبكة الكهرباء وزيادة الرواتب وتوحيد إدارتي مصرف ليبيا المركزي، لافتا إلى زيادة إنتاج النفط ووجود اتفاقيات جديدة لزيادة الإنتاج وإقامة عدد من مشروعات البنية التحتية.