ضرائب الكربون تنذر بحبس صادرات تونس عند حدود أوروبا

17 نوفمبر 2024
مصنع ملابس في تونس (Getty)
+ الخط -

يترقب المصدرون في تونس فرض أوروبا رسوماً على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على السلع المستوردة، في إطار محاولتها منع المزيد من المنتجات الأجنبية الملوثة من تقويض تحولها البيئي، إذ قد تؤدي هذه الخطوة إلى كبح الصادرات التونسية نحو أوروبا وتدفع نحو تغيير خريطة الشركاء التجاريين.

وتتطلب آلية تعديل حدود الكربون التابعة للاتحاد الأوروبي، والتي تم إطلاقها رسمياً في أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، من المستوردين الإبلاغ عن انبعاثات الغازات الدفيئة المباشرة وغير المباشرة المُضمنة في السلع التي يستوردونها. واعتباراً من يناير/كانون الثاني من عام 2026، سيعمل الاتحاد على فرض تعريفات جمركية على الواردات من البلدان التي لا تقوم بتسعير الكربون بسعر السوق في الاتحاد، مما قد يؤثر بشكل كبير على المنتجين كثيفي الاستخدام للكربون بين شركائه التجاريين.

ورغم أن تونس لا تصنف ضمن البلدان المنتجة للاستخدام المكثف للكربون، لكن صادراتها نحو أسواق الاتحاد الأوروبي ستكون مشمولة بالتعريفات الجمركية التي ستطبق، ما يحد من تنافسية سلعها داخل الفضاء الأوروبي.

والسوق الأوروبية هي الفضاء الأول للصادرات التونسية بنسبة تصل إلى 70% من مجموع صادرات البلاد، ويعود إبرام أول اتفاق تجاري بين تونس والمجموعة الاقتصادية الأوروبية إلى سنة 1969 تبعه التوقيع على اتفاق تعاون عام 1976. كذلك تتمتع الصادرات التونسية نحو دول الاتحاد الأوروبي بامتيازات جمركية راكمتها من خلال توقيع اتفاقية شراكة مع الاتحاد، الذي دخل حيز التنفيذ منذ 1998 وتم بموجبه إنشاء منطقة للتبادل الحر وإلغاء الرسوم الجمركية على المنتجات الصناعية.

وقال الخبير البيئي حمدي حشاد، إن المؤسسات الصناعية التونسية تحتاج إلى حيز زمني هام من أجل تأهيل وحدتها للاستجابة إلى المعايير البيئية الأوروبية الجديدة، مؤكداً أن الصناعات الكهربائية والميكانيكية والغذائية ستكون الأكثر مطالبة بالالتزام بالشروط الأوروبية مع دخول آلية تعديل حدود الكربون حيز النفاذ. وأضاف حشاد لـ"العربي الجديد" أن الدول المنتجة للانبعاثات الكربونية تسعى إلى تصدير القوانين خارج حدودها تحت عباءة خضراء، بينما تتحمل اقتصاديات الدول ذات الانبعاثات المنخفضة كلف التحولات المناخية.

وتابع "يبدو أن نظام تسعير الكربون الجديد في الاتحاد الأوروبي سيكون مصدراً محتملاً للخلافات الدولية، بسبب عدم التوازن بين الأهداف البيئية والتأثيرات الاقتصادية للضريبة على نمو اقتصاديات البلدان النامية تحديداً".

ووفق وزير التجارة وتنمية الصادرات التونسي، سمير عبيد، فإن "ضريبة الكربون" ستكون مكلفة لاقتصاديات بعض الدول بسبب صعوبات المنافسة المتوقعة، مشيراً إلى أن الدول النامية قد ترى في هذه الضريبة عبئاً على تنميتها الاقتصادية، خاصة أنها لا تمتلك البنية التحتية اللازمة للتحول السريع نحو الطاقة النظيفة مقارنة بالدول المتقدمة". وأكد الوزير في تصريحات صحافية، الأربعاء الماضي، أن تونس تعمل على تعزيز استعمال الطاقات المتجددة، ومع ذلك توجد حاجة ملحة على مستوى الشركات التونسية إلى الابتكار للتأقلم مع المنافسة في السوق الأوروبية والعالمية من خلال تحسين بيئة البحث والتطوير ونقل التكنولوجيا.

في الأثناء تحاول تونس إنقاذ اقتصادها المتعثر، عبر تنويع الشراكات وعقد شراكات تجارية جديدة في دول آسيوية وأفريقية.

وأعلن وزير التجارة أن بلاده حريصة على تطوير علاقاتها مع شريكها التجاري الأول الاتحاد الأوروبي، إلا أنّها تعمل على تعزيز التوجه نحو إرساء شراكة اقتصادية وتجارية فاعلة مع الدول الصاعدة والدول الأفريقية.

وقال الخبير الاقتصادي ووزير التجارة السابق، محسن حسن، إن الغاية من الضريبة الكربونية التي سيشرع الاتحاد الأوروبي في تطبيقها هي "تقييد تدفق السلع نحو أسواقه"، معتبراً أن الدول المتسببة في انبعاثات الغازات الدفيئة تعمل على تصدير القوانين المعرقلة للتجارة خارج حدودها.

وأضاف حسن لـ"العربي الجديد" أن توجه تونس نحو تنويع قاعدة شركائها الاقتصاديين حقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها، مؤكداً أن تحولات جيوسياسية في كامل المنطقة باتت ترجح الكفة نحو التعامل مع بلدان مجموعة بريكس والمعسكر الاقتصادي الشرقي، الذي أثبت قدرة تنافسية مهمة مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي التي تعد الشريك التاريخي لمنطقة شمال أفريقيا.

وأكد أن النزعة نحو فك الارتباط الاقتصادي مع مجموعة اليورو ظهرت منذ أزمة جائحة كورونا، التي كشفت الوجه الآخر لدول الاتحاد الأوروبي مقابل ليونة في تقديم الدعم الصحي والمساعدات من قبل الصين وبلدان أخرى في مجموعة بريكس.

وتتمتع تونس بعلاقات تجارية وثيقة وطويلة الأمد مع الاتحاد الأوروبي، حيث كانت أول دولة من دول الجوار الجنوبي للاتحاد التي تضم كلّاً من الجزائر، مصر، الاحتلال الإسرائيلي، الأردن، لبنان، ليبيا، المغرب، فلسطين، سورية التي وقعت ونفذت اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي.

وتحتل تونس المرتبة الرابعة والثلاثين بصفة شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، حيث تمثل 0.5% من إجمالي تجارة الاتحاد مع العالم في عام 2022، وفق أحدث البيانات الصادرة عن "مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية" وهو مؤسسة بحثية في تونس. وبلغ إجمالي التجارة في السلع بين الاتحاد الأوروبي وتونس في عام 2023 نحو 24.8 مليار يورو (حوالي 26.1 مليار دولار). وسجلت واردات الاتحاد الأوروبي من تونس نحو 13 مليار يورو، تتكون بشكل رئيسي من الآلات والأجهزة بقيمة 4.6 مليارات يورو (4.84 مليارات دولار)، ما يعادل 35.4% من إجمالي الواردات من تونس، والمنسوجات بقيمة 2.7 مليار يورو، بما يعادل 20.6%. في حين بلغت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى تونس 11.6 مليار يورو، تتصدرها الآلات والأجهزة بقيمة 3.4 مليارات يورو، ما يعادل 28.7%، تليها المنسوجات بقيمة 1.6 مليار يورو، ما يعادل 13.4%، ثم المعادن الأساسية ومنتجاتها بنحو 1.1 مليار يورو، ما يعادل 9.6% من إجمالي الصادرات.

المساهمون