شهد عددٌ من المناطق اللبنانية تحرّكات "خجولة" اعتراضاً على تردي الأوضاع المعيشية والارتفاع الكبير الذي طاول أسعار المحروقات بحوالي 25 في المائة اليوم الأربعاء.
وقطع محتجون طرقات في طرابلس شمال لبنان وصيدا جنوباً وفي بيروت كما عمد سائقو الشاحنات والسيارات العمومية إلى إقفال الطريق عند تقاطع الصيفي في العاصمة.
وعبّر المحتجون عن غضبهم من قرار وزارة الطاقة والمياه تسعير البنزين بعشرين ألف ليرة للدولار بعدما كانت تسعّر على 16 ألفا ما جعل الصفيحة الواحدة تقفز اليوم إلى ما فوق 300 ألف ليرة لبنانية وهو بمثابة رفع كلّي للدعم من دون تقديم أي بديل للمواطنين فيما الرواتب تتدهور قيمتها على وقع ارتفاع سعر صرف الدولار.
وفاجأ قرار وزارة الطاقة اليوم أصحاب الشأن من أصحاب المحطات الذين أكدوا أن هناك مساراً تصاعدياً لأسعار المحروقات نسبةً إلى ارتفاع سعر الصرف في لبنان والنفط عالمياً لكنهم لم يتوقعوا أن تُعتمد في جدول الأسعار اليوم تسعيرة 20 ألف ليرة.
ويتخوف اللبنانيون مما تحمله الأيام المقبلة في ظلّ الغلاء الجنوني الذي يطاول كل السلع والبضائع والخدمات في مختلف القطاعات بحيث إنّ أكثرية المواد في لبنان باتت تسعّر تبعاً لسعر الصرف في السوق السوداء، في حين أن الرواتب بالعملة الوطنية ما تزال على سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة، علماً أنّ نيران هذه الأزمة بدأت تطاول أيضاً المواطنين الذين يقبضون رواتبهم بالدولار الأميركي "الفرش" حتى أن التحويلات الخارجية ما عادت تكفي العائلة الواحدة.
وعلق رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري بسام طليس على جدول تركيب أسعار المحروقات الذي وصفه بـ"المتحور"، معتبراً أنّ "القفزة الجنونية لأسعار المشتقات النفطية ومنها الغاز والتي شرعت بقرار من الطاقة اليوم تؤكد أن السياسة المعتمدة من قبل هذه الحكومة هي سياسة من معه يعطى ويزاد، الفقير إلى المزيد من الإفقار".
وقال طليس: "لا بد من اتخاذ القرار إما الدعم الفوري للسائقين أو تعرفة جديدة تتوافق مع أسعار المحروقات الجديدة التي قررتها الحكومة اليوم"، معلناً أن "يوم الاثنين هناك تعرفة جديدة إذا لم تبادر الحكومة إلى المعالجة الفورية". مع العلم أن الحكومة لم تجتمع منذ يوم الثلاثاء الماضي بفعل الخلافات السياسية الحادة وإصرار "حركة أمل" و"حزب الله" و"تيار المردة" على إقالة المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار.
من جهة ثانية، استقبل وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام اليوم في مكتبه المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي والممثل لمجموعة الدول العربية محمود محيي الدين وتم عرض الوضع الحالي للمفاوضات مع صندوق النقد والإجراءات والخطوات المستقبلية المطلوبة التي يجب القيام بها لدخول لبنان في برنامج الصندوق.
وعلّق وزير الاقتصاد في بيانٍ عن ما نسب إليه بحديث صحافي عن تثبيت سعر الصرف على 12 ألف ليرة، موضحاً، إن "التباساً حصل في ما ذكرت، إذ إن العمل على خفض سعر الصرف إلى 12 ألف ليرة، وهو تقدير شخصي، مبني على معطيات تعمل عليها الحكومة مع المجتمع الدولي وصندوق النقد والبنك الدولي ومع كل الجهات المعنية لمساعدتنا على إعادة تحريك الوضع الاقتصادي بما يتيح خفض سعر الصرف إلى ما بين 10 إلى 12 ألف ليرة".
وأضاف سلام: "في أي حال، المعطيات الإيجابية والتوقعات بالنسبة إلى المؤشرات الاقتصادية على مدى الأشهر الثمانية المقبلة والإجراءات اللازمة، في مقدمها نجاح مفاوضاتنا مع صندوق النقد، هي وحدها القادرة على مساعدة الحكومة لخفض سعر الصرف وتالياً ما ذكرتُه عن سعر الـ12 ألفا هو رهن ورشة عمل مكثّفة".
كذلك، استقبل وزير المالية يوسف الخليل محيي الدين وتم البحث في التحضير للتفاوض في خطة الدولة للتعافي الاقتصادي التي تنوي الحكومة الإعلان عنها قريباً وأهمية حصول لبنان على تمويل من الصندوق ومن جهات ومؤسسات دولية وفتح مجال للاستثمارات في أسرع وقت ممكن.
وقال محيي الدين بعد الاجتماع "هناك نقاشات ومشاورات الآن على المستوى الفني بين خبراء الصندوق والوزارات المعنية ومصرف لبنان وما جاء ذكره على لسان رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب يعكس حرصاً على إنجاح العلاقة مع صندوق النقد الدولي وعلى إنتاج برنامج متكامل يشمل الأبعاد الرئيسية الأربعة التي تم الحديث عنها".
وفنّد محيي الدين هذه الأبعاد: "أولاً، ما يرتبط بالسياسات المالية العامة ومقوماتها المختلفة وإدارة الدين العام وكل ما يتعلّق بإعطاء الأولوية اللازمة للإنفاق الاجتماعي"، مشيراً إلى أن "البرنامج المقترح معني بالتعامل مع الضغوط الاجتماعية التي يعاني منها الناس وهناك توصية واضحة بأن يكون لها مكون كبير في الإنفاق العام".
البعد الثاني يقول محيي الدين "يرتبط بالسياسات النقدية ونظام سعر الصرف وما يرتبط به من تشريعات مثل إدارة التدفقات المالية عبر الحدود أو الكابيتال كونترول".
الموضوع الثالث "يرتبط بالقطاع المالي وبالقطاع المصرفي تحديداً والمصرف المركزي"، ويلفت محيي الدين إلى أن "التفاهم جيد في هذا الشأن وهو أمرٌ فني في الأساس وهناك بيانات التعامل معها جارٍ ويمكن إعطاء تصورات مختلفة حول هذا الشأن مستقبلاً في ما يرتبط بمستقبل القطاع المصرفي واتخاذ التدابير المختلفة لاستعادة الثقة بالقطاع المصرفي وأعمال البنوك".
ويضيف محيي الدين: "البعد الرابع يرتبط بالإصلاحات الهيكلية والقطاعية وفي مقدمتها المساندة المطلوبة من هذا البرنامج لقطاع حيوي وهو قطاع الطاقة والكهرباء ونأمل مع توفر البيانات المطلوبة ومع الوصول إلى تفاهم جيد بين الوزراء المعنيين والمصرف المركزي أن يحصل تطور بإيجاد برنامج يحقّق النفع والفائدة للبنان وأهله ويحقق الثقة في الاقتصاد التي تؤدي إلى تدفقات واستثمارات مالية والمزيد من تدفقات التحويلات من اللبنانيين في الخارج واستعادة فرص العمل التي هُدرت سواء بسبب جائحة كورونا أو حادثة انفجار مرفأ بيروت".
وختم المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي والممثل لمجموعة الدول العربية تبعاً لبيان اعلامي وزعته وزارة المال اللبنانية: "نستبشر خيراً ونأمل أن تجري الأمور بالسرعة المناسبة حتى يتحقق البرنامج ويُوقّع بين صندوق النقد الدولي بمشاركة كل الأطراف بما فيها الوزارات والحكومة ومصرف لبنان وبمباركة سياسية على مستوى رئاسة الجمهورية ومجلس النواب لفائدة عموم الناس في لبنان".