فضائيات دول الحصار.. لو أرادت الحقيقة

11 يونيو 2017
الحصار لم يكسر الاقتصاد القطري (فرانس برس)
+ الخط -


لو أرادت قنوات "سكاي نيوز عربية" و"العربية" وأخواتها من الفضائيات والقنوات التلفزيونية ووسائل الإعلام المدعومة من النظامين السعودي والإماراتي معرفة حقيقة وقوة الاقتصاد القطري وعدم تأثره سلباً بالحصار الاقتصادي الشامل، لفعلت ذلك بسهولة ومن دون عناء.

فالأمر بحاجة فقط إلى كاميرا تلفزيونية ومراسل يتجول داخل الأسواق والبورصات وداخل الموانئ والمطارات والمحال التجارية والميادين العامة والمقاهي، وبعدها يعرف كل شئ. 

وربما يتم الأمر عبر زيارة ميدانية لأحد الصحافيين العاملين في هذه القنوات التلفزيونية، أو حتى عبر اتصال تليفوني يجريه أحد العاملين في القناة بمسؤول أو خبير أو حتى رجل أعمال لديه استثمارات داخل قطر ليستفسر منه عن حقيقة الوضع من أرض الواقع.

وربما يكون الأمر أبسط من ذلك بكثير، إذ يتطلب اطلاع وسيلة الإعلام في دول الحصار على التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها صندوق النقد والبنك الدوليين، والتي تتحدث عن قوة الاقتصاد القطري، ومعدلات نموه العالية، وتجاوزه أزمة انهيار أسعار النفط، ومعدلات التضخم المنخفضة، كذلك تتحدث عن عشرات المليارات من الدولارات التي يتم ضخها في شرايين هذا الاقتصاد وبنيته التحتية ومشروعاته العملاقة خاصة المتعلقة بكأس العالم 2022، وعن مليارات الدولارات الأجنبية المستثمرة في قطاعات اقتصادية واعدة منها الصحة والتعليم والتأمين وغيرها.



ولو أرادت هذه القنوات، والتي تشن حرباً لا هوادة فيها على قطر واقتصادها، التأكد مثلاً من مدى وجود سلع في الأسواق والمحال التجارية القطرية من عدمه، وبالتالي تتوقف عن ترديد مزاعم "اختفاء السلع وخواء الأرفف" و"تكالب" القطريين على شراء كل ما يقع تحت أيديهم، لفعلت ذلك بسهولة، وأرسلت كاميرا تتجول داخل أسواق كارفور والميرة واللولو وسبنس وغيرها من الأسواق الكبرى، وتنقل لمشاهديها لقطات تظهر تراكم السلع على الأرفف وعدم وجود زحام في الشراء كما تردد ليل نهار وعلى رأس كل نشرة أخبار.

بل وقد يصدم مراسلو هذه القنوات ووسائل الإعلام التابعة لدول الحصار حينما يلحظون تدفق السلع من كل الجنسيات على الأسواق القطرية، خاصة القادمة من تركيا واليونان وروسيا وسلطنة عُمان والكويت وإيران ولبنان والسودان والهند وغيرها من الدول الآسيوية والأوروبية.

ليس من المهم هنا أن ينقل المذيع العامل في قنوات دول الحصار في تقريره معلومات إيجابية عن الاقتصاد القطري من عينة بروز المنتج الوطني داخل المحال التجارية القطرية، واختفاء سلع دول الحصار من على أرفف المحال، وفي مقدمتها منتجات السعودية والإمارات والأردن ومصر، المطلوب فقط هو نقل الواقع بأمانة حتى ولو كان سلبياً.

فنقل معلومات إيجابية عن قوة الاقتصاد القطري وتفضيل المواطن المنتج المحلي قد يغضب السادة المسؤولين عن إدارة ملف حصار قطر، والذين يعتبرون أن مثل هذه الكلمات ليست فقط دعاية للمنتجات القطرية والأجنبية المتدفقة على البلاد، لكن تقوض خططهم في إعطاء انطباعات خاطئة عن الاقتصاد القطري. ولا يصب في النهاية في تحقيق الهدف النهائي لحملات المقاطعة والحصار الاقتصادي المفروضة من بعض دول الخليج على قطر. 


ولو أرادت فضائيات دول الحصار أن تتعرف على قوة العملة القطرية، وأن تتوقف عن ترديد مزاعم حول "انهيار الريال القطري أمام الدولار"، لأرسلت كاميرا للبنوك وشركات الصرافة وتحويل الأموال القطرية لتستطلع آراء المتعاملين ولتتأكد أن الريال صامد وبقوة منذ بداية الأزمة، وأن سعر الدولار ثابت مقابل الريال وهو 3.64 للشراء و3.65 للبيع. وأنه لا توجد أية قيود على عمليات السحب والإيداع في البنوك. ولا توجد كذلك أي قيود من أي نوع على عمليات تحويل الأموال للخارج. وليس صحيحاً أن العملاء تدفقوا على البنوك لسحب أموالهم أو تحويلها للدولار كما تردد هذه الفضائيات. فالأمور تسير بصورة طبيعية داخل سوق الصرف الأجنبي، وصاحب القرار القطري مطمئن على عملته لامتلاكه سيولة ضخمة بالنقد الأجنبي قادرة على إحباط أية مضاربات على الريال.

ولو أرادت فضائيات دول الحصار أن تكون موضوعية في تغطيتها، لسألت مسؤولاً في البنوك القطرية عن حقيقة الوضع داخل القطاع المالي والمصرفي ليؤكد لها أن الريال مستقر أمام الدولار. وأن قطر لم تتخلّ عن سياسة ربط عملتها بالدولار شأن دول الخليج الأخرى، ما عدا الكويت التي تربط عملتها بسلة عملات منذ سنوات.


ولو أرادت مثل هذه القنوات التوقف عن ترديد مزاعم من عينة "توقف تدفق صادرات الغاز القطري للخارج" بسبب قيود الحظر البحري، لأمكنها ذلك على الفور عبر إجراء اتصال تليفوني بمسؤول إماراتي وليس قطري لتتأكد منه أن قطر لا تزال تلبي احتياجات الإمارات من الغاز، وأن الدوحة أعلنت التزامها بتعاقداتها رغم حملة المحور الرباعي (أبوظبي والرياض والقاهرة والمنامة) ضدها؛ وأن قطر يمكن أن تُدخل الإمارات في أزمة طاقة، إذا قررت قطع إمدادات الغاز إليها في فترة الصيف، والذي ترتفع فيه كميات الاستهلاك، علماً أن هذه الإمدادات تمثل 30% من احتياجات الإمارات.

ولو أرادت قنوات ووسائل إعلام دول الحصار التوقف عن ترديد مزاعم تتعلق بتوقف المغرب عن تسيير رحلات جوية لقطر، لتأكدت على الفور من كذب هذه المزاعم عن طريق إرسال كاميرا لمطار حمد الدولي تؤكد أن طيران الخطوط الملكية المغربية لا يزال يحط على أرض قطر ويواصل رحلاته ما بين الرباط والدار البيضاء والدوحة بلا تأخر، وأنه لا صحة لمزاعم وقف الخط الجوي بين البلدين.

ولو أرادت قنوات سكاي والعربية وأخواتها من الفضائيات احترام عقول المشاهدين، خاصة من أصحاب رجال الأعمال والمستثمرين، لتوقفت على الفور عن ترديد أكذوبة "انهيار البورصة القطرية"، وأرسلت كاميرا لمقر بورصة الدوحة للتأكد أن الأسهم المتداولة بها تعافت، بل وشهدت ارتفاعاً الخميس الماضي، وأن صدمة اليوم الأول للحصار التي فقدت فيها البورصة 7.2% من قيمتها بسبب زيادة المخاطر السياسية قد ولت وأصبحت من التاريخ.


لا توجد أسرار بشأن الاقتصاد القطري حتى تجتهد قنوات دول الحصار عند الحديث عنه، فكل الأرقام والبيانات متاحة عن هذا الاقتصاد الخليجي وقطاعاته المختلفة. والحكومة القطرية لم تفرض قيوداً على حرية الرأي والتعبير ووسائل التواصل الاجتماعي منذ بداية الأزمة، ولم تعاقب مشاهدي قنوات دول المحور الرباعي كما فعلت دول خليجية أخرى، ولم تهدد أشقاءها الخليجيين المتعاطفين مع دولة خليجية محاصرة بالسجن والغرامات المشددة.

وبالتالي، كان من الممكن لهذه القنوات التجول بحريّة داخل قطر لزيارة المعبر الحدودي بين السعودية وقطر، والذي شهد إعادة شاحنات دول تشارك في حصار قطر اقتصادياً، وتنقل الحركة الضخمة داخل ميناء حمد الدولي وترى بعينها كميات المنتجات المتدفقة على البلاد.

ويمكنها القيام بزيارات ميدانية للبنوك القطرية، والتعرف على حال مشروعات البنية التحتية التي تجرى في كل مكان. وتتأكد بنفسها أن تنفيذ مشروعات كأس العالم 2022 يسير حسب الجدول الموضوع لها.

يمكنها أيضاً أن تتجول بحرية داخل موانئ تصدير النفط والغاز القطري لدول العالم شرقه وغربه، وأن تسأل كبار المسؤولين في شركتي "قطر للبترول" و"قطر للغاز" حول تأثر الشركتين بالحصار الاقتصادي الشامل على قطر.

هذه القنوات وأخواتها لا تريد معرفة الحقيقة ولا يهمها المشاهد ولا تعنيها قصة المصداقية والحياد والموضوعية، فهذه كلمات يتم تدريسها لطلاب كليات الإعلام وموجودة فقط في الكتب والدراسات العليا ورسائل الماجستير والدكتوراه.


لكن هذه القنوات تريد أن تبعث برسائل سلبية مستمرة للخارج والداخل معاً، مضمونها أن الاقتصاد القطري على شفا الانهيار وأنه يشهد حالة من التردي لم يسبق لاقتصاد دولة أن مر بها، وأن العملة القطرية انهارت بالفعل، وأن أرفف المحال التجارية باتت خاوية على عروشها، وأن العالم كله انضم لحملة الحصار الاقتصادي الشامل على قطر، وأن الأسهم المتداولة في البورصة تهاوت، وأن الحصار البحري أوقف صادرات الغاز القطرية التي تلبي احتياجات العديد من دول العالم ومنها بريطانيا التي تعتمد على غاز قطر في تلبية 30% من احتياجاتها من الطاقة.

والنتيجة النهائية التي تسعى لها قنوات ووسائل إعلام دول الحصار هي إقناع المستثمر الأجنبي بضرورة الإسراع بسحب استثماراته من قطر، وإقناع أي مستثمر خارجي بالعزوف عن توجيه استثمارات جديدة للدوحة بسبب زيادة المخاطر الاقتصادية والمالية والسياسية، وإقناع المستثمر القطري بتهريب أمواله للخارج وتصفية نشاطه بسرعة، والضغط على القيادة السياسية للاستجابة لإملاءات وشروط هذه الدول حتى لا تتعرض قطر لمزيد من الخسائر الفادحة.

ببساطة هذه القنوات وغيرها من وسائل الإعلام التي تهاجم قطر ليل نهار تريد تدميراً ممنهجاً للاقتصاد القطري وعملته وبورصته وأسواقه وشركاته ومصانعه ومصارفه ومؤسساته المالية. تدمير لا يسمح له بالبقاء مستقبلاً، وإن بقي فسيبقى اقتصاداً متردياً مهزوزاً قائماً على الآخرين لا يتمتع باستقلالية، يلهث وراء المؤسسات الدولية للاقتراض منها. 

من الممكن أن تراوغ، أن تكذب في علم السياسة، وأن تلوّن في السياسة كيفما تريد، وأن تجعل الأسود أبيض والعكس، لأن السياسة تحمل وجهات نظر متعددة. لكن، في عالم الاقتصاد، الأرقام لا تكذب والحقائق تبدو كالشمس الساطعة التي لا يمكن حجبها.

واحد زائد واحد يساوي اثنين وليس ثلاثة أو 11، وشاشات البورصة عندما يكسوها اللون الأحمر، فإن هذا يعني تعرضها للخسارة أما اللون الخضر فيعني الربح.

المساهمون