استمع إلى الملخص
- **التعاون والتفاؤل بالمستقبل**: تعاون حنيني مع عمال آخرين في بناء بيوت بلاستيكية ومد خطوط المياه لزراعة الخضار، وهم متفائلون بنجاح المشروع وتعميمه على الباحثين عن عمل، مفضلاً العمل في أرضه.
- **الدعم الحكومي والمجتمعي**: منجد عبيسي يطالب بدعم حكومي لتسويق المنتجات، ومدير الإغاثة الزراعية منجد أبو جيش يؤكد دعم المشروع بتوفير خط مياه وتدريب العمال، مما أعاد تأهيل 150 دونماً من الأراضي.
عاد فلسطينيون ممن فقدوا عملهم في الداخل المحتل عام 1948، عقب طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الماضي، إلى أراضيهم لتأهيلها وزراعتها.
لم يغير سلامة حنيني (52 عاما) من عادته في الاستيقاظ يوميا قبل الفجر، لكن وجهته هذه المرة هي التي تغيرت، فقبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كان يسافر مئات الكيلومترات من قريته "بيت دجن" شرق مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، ليصل في الوقت المناسب ليباشر عمله في "البناء" في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، أما اليوم فلا يضطر إلا للسير دقائق معدودة قبل أن يلج إلى أرضه التي زرعها بأنواع مختلفة من الخضار، في عمل بديل يعتاش منه، هو وعائلته.
يقول حنيني لـ"العربي الجديد": "رب ضارة نافعة، تماما هذا ما حصل معي، فقد عملت في الداخل لأكثر من ربع قرن، أخرج قبل الفجر ولا أعود إلا مع الغروب، حتى أن علاقاتي الاجتماعية تضررت إلا في أضيق الحدود. أعترف بأنني أهملت أرضي، وكنت في مواسم الحراثة والزراعة والحصاد، أتصل بمزارعين من قريتي ليقوموا لي بهذه المهام، مقابل أجر مالي".
حنيني واحد من أكثر من 250 ألف فلسطيني يعملون بشكل رسمي أو غير رسمي فقدوا عملهم في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، عقب أحداث أكتوبر الماضي، ومع الوقت أنفق الرجل كل ما كان يدّخره، وبحث عن عمل في الضفة الغربية دون جدوى، حتى اهتدى برفقة عمال آخرين لفكرة العودة للأرض وتأهيلها وزراعتها.
يقول حنيني: "نحن أصلا فلاحون، وهذا شرف كبير لنا، لكننا انشغلنا عن الزراعة، حتى جاء الوقت الذي عدنا فيه لمهنة الآباء والأجداد. ما كنّا في البداية نراه شرا لنا، تبين أنه يحمل كل الخير".
تفاؤل بالعودة للأرض
تعاون حنيني مع عدد من العمال في بناء بيوت بلاستيكية (دفيئات زراعية) والمعروفة باللغة الدارجة بـ"الحماموت" ومد خطوط المياه لها، والشروع في زراعة الخضار وتحديدا البندورة، ورغم أنهم لم يقطفوا بعد المحصول الأول، إلا أنهم متفائلون بنجاح فكرتهم وتعميمها على بقية الباحثين عن عمل ومصدر بديل للرزق.
يقول حنيني: "كانت نفسي دوما تحدثني بأهمية تأسيس مشروع زراعي خاص بي في قريتي، لكنني كنت دوما أقوم بتأجيل الفكرة. واليوم، حتى لو سمح للعمال الفلسطينيين بالدخول، لن أعود. أرضي وبلدي وشعبي أحق بوقتي وجهدي".
فلسطينيون ينتظرون الدعم
أما المزارع منجد عبيسي فيؤكد في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذه الخطوة تعد مجازفة. ويقول: "لقد غامرنا بكل ما تبقى لدينا من أموال، إلا أننا نشعر بسعادة غامرة للمرحلة التي وصلنا إليها برفقة شركائي".
ويتابع عبيسي: "حتى تنجح الفكرة لا بد للجهات الحكومية نت إيلائنا الاهتمام المطلوب. أخاطب وزارة العمل أننا عمال فقدنا أعمالنا منذ تسعة أشهر، ولا توجد قدرة للسوق المحلي على استيعابنا، ولم يتصل بنا أي مسؤول ليسأل إن كنا نحتاج لشيء، رغم أنهم تحدثوا في الإعلام كثيرا عن دعم العمال الذين فقدوا أعمالهم".
ويضيف عبيسي: "أيضا نوجه رسالتنا لوزارة الزراعة التي تشجع دوما المواطنين على العودة للأرض وزراعتها، بأننا بحاجة لوقوفهم معنا في تسويق منتجاتنا. لا أحد يخفى عليه تذبذب الأسعار في الأسواق والتضارب الذي يضر بمصلحة المزارعين، ومن هنا نطلب منهم أن يلتفتوا لما قمنا به ويدعموه وينشروا الفكرة حتى نعمر أراضينا ولا نتركها لقمة سائغة للاستيطان".
ويقول عبيسي: "لا أريد أن أقارن، لكن الاحتلال يسرق أرضنا ويقدمها هدية للمستوطنين ويؤهل لهم الطرق ويمد لهم شبكات المياه والكهرباء ويعفيهم من الضرائب ويسوق لهم منتجاتهم. ألسنا نحن أولى من العدو ومستوطنيه؟".
فكرة رائدة
مدير الإغاثة الزراعية في الضفة الغربية منجد أبو جيش يؤكد في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الإغاثة دعمت الفكرة بشدة ووفرت خط مياه زراعيا لصالح مجلس الخدمات المشترك بين بلدة "بيت فوريك" وقرية "بيت دجن"، وكانت رؤيتها من وراء هذا المشروع جعل البلدتين مناطق زراعية واستغلال وجود الأيدي العاملة بكثرة وتدريبها وتأهيلها لتؤسس مشاريع زراعية، مؤكدا أن هذه الخطوة وفرت فرص عمل للعشرات من العمال الذين تضرروا نتيجة إغلاق الاحتلال للحواجز المقامة بين الضفة الغربية والداخل.
ويلفت أبو جيش إلى أن مساحة الأراضي التي أعيد تأهيلها وزراعتها بمختلف الأصناف وصلت لنحو 150 دونما شيدت فوقها بيوت بلاستيكية على نفقة أصحابها، إضافة إلى دعم "الزراعات البينية" كالبطاطا والشمام والباذنجان والكوسا، من خلال توفير المياه بشكل خاص.
وتتعرض قرية بيت دجن لهجمة استيطانية غير مسبوقة، فقد أقدم مستوطن يدعى "كوكي" وعائلته عام 2021 على إقامة بؤرة استيطانية رعوية على مساحة 25 ألف دونم، أي نحو نصف مساحة القرية البالغة 47 ألف دونم، وأنشأ مزرعة أبقار. ومؤخراً، عمد هذا المستوطن، بحماية جيش الاحتلال، إلى إغلاق الطرقات الشمالية الشرقية للقرية ومنع المواطنين من الوصول إلى أراضيهم.