عمال فلسطين... لقمة عيش قد تؤدي إلى الاعتقال والتنكيل والاستشهاد

01 مايو 2024
عمال فلسطينيون في موقع إسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، 29 فبراير 2024 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- العمال الفلسطينيون يواجهون تحديات اقتصادية وقانونية شديدة بعد سحب تصاريح العمل، مما يؤدي إلى توقفهم عن العمل وتعرضهم للتنكيل والاعتقال.
- قصة عبد الرحيم عامر تسلط الضوء على المخاطر والظروف القاسية التي يعيشها العمال الفلسطينيون، بما في ذلك الإهمال الطبي في السجون الإسرائيلية.
- يبرز النص الحاجة الماسة لإعادة النظر في تصنيف العمال المعتقلين وتوفير الدعم القانوني لهم، مشيرًا إلى ضرورة إيجاد حلول لتحسين أوضاعهم الاقتصادية والحقوقية.

تتكثف معاناة عمال فلسطين والبالغ عددهم نحو قرابة 195 ألف عامل، حيث توقفوا عن إعالة أسرهم بسبب توقف العمل في السوق الإسرائيلية؛ بعد سحب تصاريح عملهم في أعقاب 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي؛ بحسب أرقام زود بها اتحاد نقابات عمال فلسطين "العربي الجديد"، حيث تعرضوا للتنكيل والاعتقال واستشهد عدد منهم. 

اضطر للعمل فعاد شهيداً

كل ما أراده الفلسطيني عبد الرحيم عامر (59 عاماً) الوصول في 17 مارس/آذار الماضي، إلى مكان عمله في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، في منطقة تبعد عن مدينته قلقيلية شمال الضفة الغربية 15 دقيقة فقط، لينتهي به المطاف شهيدا، بعد تلكؤ وإهمال في علاجه في سجون الاحتلال إثر إصابته بجلطة قلبية، بعد 28 يوما من اعتقال شرطة الاحتلال له، وهو في طريقه إلى العمل.

عبد الرحيم عامر قرر بعد خمسة أشهر من التوقف التام عن العمل بعد إلغاء تصريحه كباقي عمال فلسطين؛ أن يبدأ العمل في ورشة بلاط؛ فهو أراد تأمين مصاريف عائلته، ومصاريف نجله الذي يدرس في تركيا، كما يقول ابنه ضياء لـ"العربي الجديد" والذي كان برفقته واعتقل معه. يقول ضياء: "كنت أنا وشقيقي الآخر نؤمن بعض المصاريف، ولكن نحن متزوجان ولدينا التزاماتنا، فكان على والدي أن يفعل شيئا ليؤمن مصاريف البيت ومصاريف شقيقي في تركيا". 

يشرح ضياء تراجع الوضع الاقتصادي للعائلة بعد الحرب على غزة ليس فقط بسبب منع العمل في الداخل الفلسطيني، بل كذلك في الأعمال داخل الضفة الغربية، "فهو كان يملك مركبة تاكسي تكفيه عيشه، لكنها أصبحت لا تؤمن له المصاريف اللازمة حتى لتسديد مصاريف المركبة وترخيص عملها، فقام ببيعها لسداد بعض الديون وتأمين المصارف، ووالده لم يجد عملا في الضفة، فقررا معا الذهاب إلى الأراضي المحتلة عام 1948، رغم المخاطر، وفعلا باشرا العمل ليومين".

في يوم العمل الثالث أوقفت شرطة الاحتلال ضياء ووالده بعد دقائق من اجتيازهما جدار الفصل العنصري، وتعرضا داخل مركز للشرطة لمعاملة سيئة خاصة خلال التفتيش، وتم تحويلهما إلى المحكمة، وكانت رحلة من العذاب، فقد تم تقييد أيديهما وأرجلهما بالأصفاد الحديدية، وقام الجنود بشد الأصفاد إلى الحد الأقصى، ووضعها مباشرة على الجلد بدلا من وضعها فوق البنطال في أرجلهما، ما تسبب بصعوبة بالغة في المشي.

أجلت محكمة الاحتلال اعتقالهما ونقلا إلى سجن هداريم الإسرائيلي، ومكثا في قسم بلا مقومات حياة لثلاثة أيام، قبل نقلهما إلى قسم رقم 8، والذي كان بداخله 100 على الأقل معظمهم عمال معتقلون للسبب ذاته، دخول الأراضي المحتلة بدون تصريح، استمرت ظروف الحياة الصعبة، والمعاملة السيئة، صراخ ومعاملة سيئة يوميا أثناء ما يعرف بالعدد، ومنع إدخال الملابس لهما وبقاؤهما بالملابس التي اعتقلا بها طيلة الوقت، بعد منع إدخال ملابس أرسلتها عائلتهما إلى السجن.

بعد 22 يوماً حكما بالسجن لمدة شهر، لكن وقبل ثلاثة أيام من موعد الإفراج، تعرض عبد الرحيم لوعكة صحية، ألم في الصدر، وضيق في التنفس، حينها نادى ضياء على قوات السجون وطلب طبيبا لوالده، فجاءه الرد أن اليوم السبت ولا طبيب في السجن، وليطلب على الأقل الممرضة المناوبة لتكشف على والده، لكنها لم تحضر، فطلب السماح لوالده بالخروج من الغرفة بسبب ضيق التنفس، وخرج عامر من الغرفة ثم عاد، وبعد دقائق أغمي عليه؛ حاول ضياء إنعاش والده ومده بالتنفس عبر فمه، دون جدوى، وبعد أن صرخ من في الغرفة قدم أفراد قوات السجون وقاموا بعمليات إنعاش، كل ذلك دون أن تحضر الممرضة، التي وصلت بعد مدة، أما الإسعاف فقدم بعد نصف ساعة، ما أدى لوصول والده إلى المستشفى وقد توقف قلبه، وأفرج عن ضياء قبل موعد خروجه من السجن بيوم واحد.

يؤكد ضياء أنه "لا يعرف أعراض الجلطة القلبية، فهو ليس طبيبا أو ممرضا، لكنه عرف بعد أن سأل أطباء عن حالة والده وأن ما مر به أعراض واضحة"؛ ويقول: "لو حضرت ممرضة السجن على الأقل حين طلبت استدعاءها، لعرفت بسهولة أن والدي يعاني من أعراض جلطة، ولتمكنا من إنقاذه، ولو أن طبيب السجن حين الدخول إلى السجن وصف له أخذ أسبيرين (مميع دم) بشكل منتظم بسبب عمره الذي وصل إلى 59 عاما، لما تعرض للجلطة". 

كان عبد الرحيم يعاني كما يؤكد نجله "من ضغوط نفسية، طوال الوقت يفكر بابنه في تركيا وكيف سيتدبر أمره، وكذلك يفكر في أرض له مساحتها 8 دونمات تقع خلف جدار الفصل العنصري، ويملك تصريحا خاصا من سلطات الاحتلال للوصول إليها وزراعتها، وخشي أن يتم إلغاء التصريح في أعقاب اعتقاله، فضلا عن ضغوط السجن والإهانات المستمرة". 

ملاحقة مستمرة 

حالة عبد الرحيم تكررت لاثنين على الأقل من عمال فلسطين الغزيين الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من أماكن عملهم أو من الضفة الغربية، وبحسب نادي الأسير الفلسطيني، فقد استشهد داخل السجون كل من ماجد زقول، وعامل غزي آخر لم يعلن عن هويته، لكن حالات الاعتقال طاولت الآلاف من عمال فلسطين من غزة والضفة، واعتقل الجزء الأكبر من عمال غزة بعد الأحداث مباشرة رغم امتلاكهم تصاريح العمل من سلطات الاحتلال، وتعرضوا للتنكيل والتعذيب.

لاحقا؛ يشير تقرير صادر عن اتحاد نقابات عمال فلسطين بعد خمسة أشهر من الحرب؛ إلى توثيق اعتقال قوات الاحتلال أكثر من 300 عامل في السوق الإسرائيلي من أهالي غزة والضفة؛ إضافة إلى عدد آخر من مراكز إيواء خصصتها جهات رسمية وأهلية للعمال الغزيين، فقد طرد الاحتلال 5838 عاملا غزيا من الداخل إلى الضفة، بحسب اتحاد النقابات، عاد منهم إلى غزة 1488، وبقي في الضفة 4350، يخشون من الاعتقال في أي لحظة. 

لطالما كانت لقمة عيش العامل الفلسطيني مغمسة بالدم، فبحسب الاتحاد؛ استشهد عام 2023 عاملان غزيان في السجون الإسرائيلية بعد اعتقالهما بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، واستشهد خلال العام الماضي عاملان من الضفة استهدفا من مستوطنين في الداخل، و5 عمال وهم في طريقهم إلى أماكن عملهم في الأراضي المحتلة عام 1948، وفي عام 2022 استشهد 6 عمال برصاص جيش الاحتلال وهم يحاولون الوصول إلى أماكن عملهم في السوق الإسرائيلية. 

تصنيف واحد 

وبعد ارتفاع حالات الاعتقال بين عمال فلسطين وتصاعد عنف قوات الاحتلال خلالها، برزت مشكلة أخرى وهي تصنيف هؤلاء المعتقلين، فقد اعتادت مؤسسات الأسرى عدم إدراجهم ضمن تصنيف الأسرى الأمنيين. وعلى مدار أعوام تم التعامل مع قضية عمال فلسطين المعتقلين بسبب عدم امتلاك تصاريح للدخول إلى الأراضي المحتلة عام 1948، كسجناء مدنيين، وفي معظم الأحيان يضطر ذووهم لدفع مصاريف المحامين والدفاع عنهم، ودفع الغرامات. 

تقول مسؤولة الإعلام في نادي الأسير أماني سراحنة لـ"العربي الجديد" حول ذلك، إن "التصنيفات السابقة لم تعد كما كانت قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، حيث يتعامل معهم الاحتلال كأي معتقلين آخرين على خلفية أمنية، لا خلفية مدنية، تعرضوا للإجراءات ذاتها، فاحتجز منهم العدد الكبير بمركز تحقيق عتصيون ولفترة طويلة جدا، ووصلت منهم شهادات مروعة حول عمليات تنكيل وظروف قاسية جدا". 

وأشارت سراحنة إلى أن هذا الواقع يستدعي فتح نقاش جدي حول مصير المئات من العمال المعتقلين، فهم في حالة ليست منفصلة عن تاريخ الاحتلال في انتهاك حقوق العمال بشكل خاص والفلسطينيين بشكل عام، لكن التعامل معهم تغير بشكل واضح، وبعضهم وجد نفسه معتقلا إداريا بلا تهمة ولمدة ستة أشهر، رغم أنه اعتقل لعدم امتلاكه تصريح عمل.

وتضيف: "على الأقل يجب متابعة قضاياهم وسماع شهاداتهم، وأن يتم إلغاء التصنيفات التي فرضها الاحتلال بفكر استعماري، بين معتقل مدني وأمني، ومتابعة الانتهاكات بحقهم بشكل أكثر جدية، والعودة للمتابعة القانونية لهم، حيث قدمت لهم تلك الخدمات لفترة وتوقفت". وتبقى معاناة عمال فلسطين مرشحة للازدياد، في ظل وصول البطالة لحاجز 350 ألف عامل بحسب تقرير اتحاد نقابات عمال فلسطين، بينهم 195 ألفا توقفوا عن العمل في الداخل الفلسطيني المحتل.

المساهمون