حرب على الطاقة الروسية وسط مخاوف أوروبية من "التجارة السرية"

05 مايو 2022
برلين تتخوف من اضطراب سوق المشتقات البترولية بعد الحظر النفطي الروسي (Getty)
+ الخط -

كشفت دول الكتلة الأوروبية، أمس الأربعاء، عن حزمة سادسة من العقوبات على روسيا، شملت النفط الروسي ومشتقاته وبعض المصارف الروسية الكبرى، حسب ما ذكرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، أمام البرلمان الأوروبي. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، دير لاين، أمس: "سنتخلى عن الإمدادات الروسية من النفط الخام تدريجياً خلال ستة أشهر والمنتجات المكررة بنهاية العام".

ويرى محللون أن خطوة العقوبات الأوروبية على النفط والمشتقات البترولية الروسية تستهدف تجفيف منابع التمويل التي تحصل عليها الحكومة الروسية من صادرات الطاقة. وحسب ورقة اقتصادية كتبها اقتصاديان في صندوق النقد الدولي، هما الاقتصادي أوليفر بلانشارد وزميله جان بساني فيري، فإن الاقتصاد الروسي يستثمر الاضطراب الجيوسياسي العالمي الذي يحدثه الغزو الروسي لأوكرانيا في جني أكبر مداخيل من مبيعات النفط والغاز.

وفي ذات الصدد، تتوقع دراسة لشركة "رايستاد" النرويجية لأبحاث الطاقة، ارتفاع دخل الضرائب الذي ستحصل عليه الخزينة الروسية من مبيعات النفط خلال العام الجاري إلى أكثر من 180 مليار دولار، وذلك بزيادة 45% مما حصلت عليه من حصيلة الضرائب على النفط في عام 2021، وبنسبة تفوق 181% عما حصلت عليه في عام 2020.

وتدفع أوروبا يومياً نحو 1.1 مليار دولار لتسديد فاتورة النفط والغاز الروسي. وهذه المبالغ الكبيرة تدعم بشكل مباشر احتياطات العملة الصعبة بالبنك المركزي الروسي، كما تدعم سعر صرف الروبل وتمول المجهود الحربي الروسي الجاري لاحتلال أوكرانيا.

وبالتالي، يرى محللون أن الخطوة رغم أنها مكلفة للاقتصادات الأوروبية، إلا أنها خطوة رئيسية ولابد منها لهزيمة استراتيجية روسيا التوسعية وتهديد الأمن والاستقرار الجيوسياسي في أوروبا.

ولكن يثار السؤال في أوساط خبراء المال والاقتصاد حول ما إذا كانت خطوة الحظر ستكون ناجحة في تجفيف "التمويل الطاقوي" للخزينة الروسية.

في هذا الصدد، يتخوف خبراء من"التجارة السرية" للخامات والمشتقات الروسية التي تنفذ في آسيا وحتى بواسطة شركات أوروبية، حيث تعرض الشركات الروسية حالياً خام الأورال، وهو الخام الروسي الرئيسي في روسيا بحسومات تفوق 10 دولارات ووصلت في بعض الأحيان إلى 15 دولاراً مقارنة بسعر خام برنت، حسب ما ذكرت مصادر غربية.

في ذات الشأن، نسبت صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية، أمس الأربعاء، إلى مصادر غربية وآسيوية قولها، إن هناك شركات وتجاراً يتربحون من الحظر الأوروبي الذي سيدخل حيز التنفيذ خلال العام الجاري على الطاقة الروسية.

وقال مسؤول صيني بمصفاة نفطية في البر الصيني، إن شركات المصافي الصينية تعقد صفقات نفطية ومشتقات بترولية لصالح شركات المصافي الصينية الحكومية الكبرى التي تتخوف من الحظر الثانوي الأميركي وترغب في إظهار تقيدها بالعقوبات الغربية على روسيا.

في هذا الشأن، قال مسؤول بمصفاة شاندونغ الصينية لصحيفة "فايننشيال تايمز"، إن المصافي الصينية غير الحكومية تواصل شراء النفط الروسي بحسومات سعرية كبيرة وبطرق سرية منذ بداية الحرب على أوكرانيا، ولكنها لا تعلن عنها خوفاً من الحظر الأميركي.وأضاف المسؤول أن هذه الشركات المستقلة تنفذ الصفقات لصالح شركات

النفط الصينية المملوكة للحكومة الصينية والتي تظهر التزامها بالحظر الغربي على السلع الصينية ولكنها تتخفى تحت ستار الشركات المستقلة والتجار. وتقول شركات المصافي الحكومية الصينية إنها تقيد بالحظر الغربي وإن مشترياتها من النفط الروسي قاصرة على الصفقات التي تم إبرامها قبل الحرب الروسية على أوكرانيا وإنها لا تنفذ صفقات نفطية جديدة من روسيا.

وتأمل الشركات الصينية المستقلة التي تتاجر في النفط الروسي ومشتقاته في الحصول على أرباح طائلة من بيع هذه الصفقات النفطية لاحقاً لجهات صينية أو أوروبية، حينما تكون الحاجة ماسة للنفط أو تحدث أزمة. ومعروف أن العديد من الشركات الأوروبية تعاني في الوقت الراهن من الحظر على روسيا، حيث إنها لا تستطيع الحصول على تأمين الناقلات النفطية لشحن حمولات النفط الروسي ومشتقاته أو الحصول على تمويل للسلع الروسية من المصارف الغربية.

من جانبها، تستخدم شركات النفط الروسية حيلا لإخفاء مبيعاتها من النفط والمشتقات البترولية، عبر تحويل الشحنات في عرض البحار وإغلاق أجهزة الاتصال وإخفاء نوعية الخام عبر خلطه مع خامات من آسيا الوسطى التي تخضع للنفوذ الروسي المباشر.

وفي ذات الصدد، كشفت بيانات من عدة شركات متخصصة، أن شركة فيتول، أكبر شركة عالمية مستقلة لتجارة النفط، قامت بتحميل شحنة من خام "إسبو" الروسي هذا الأسبوع. وأظهرت بيانات من "رفينيتيف" و"كيبلر" و"فورتيكسا"، وهي شركات غربية متخصصة في بيانات الطاقة، أن الناقلة "كريتي بريز" وهي من فئة ناقلات "سويزماكس" حملت شحنة 740 ألف برميل من ميناء "كوزمينو" في منطقة الشرق الأقصى في الثالث من مايو/أيار، وأنها تتجه إلى ميناء الفجيرة في الإمارات.

ومنذ منتصف الشهر الجاري، لن يكون مسموحا لتجار السلع في دول الكتلة الأوروبية وسويسرا ببيع خامات تنتجها شركة "روسنفت" الروسية في أي مكان في العالم. ويحرم الحظر الثانوي الأميركي، الشركات والمصارف التي تخرق العقوبات على روسيا، من التجارة في السوق الأميركي الذي تفوق القوة الشرائية فيه أكثر من 17 تريليون دولار. وبالتالي، تتفادى الشركات الصينية الكبرى المخاطرة باحتمال تعرّضها للحظر وتستخدم هذه الشركات المستقلة والتجار.

ولاحظت شركة كيبلر الأميركية التي ترصد حركة ناقلات النفط العالمية، أن شحنات النفط الروسي التي وصلت إلى الموانئ الصينية ارتفعت خلال إبريل/نيسان بنحو 86 ألف برميل يومياً مقارنة بمستوياتها في العام الماضي.

من جانبها، قالت مصادر في شحن الناقلات الأوروبية، إن ست ناقلات عملاقة تسع كل منها مليوني برميل من الخامات النفطية تم التعاقد معها لنقل شحنات من خام الأورال الروسي إلى آسيا، وتحديداً إلى الصين والهند.

وجاءت خطوة الحظر النفطي بضغوط وتشجيع من الولايات المتحدة، بعد ما تكشف لها أن الحرب على أوكرانيا تأتي ضمن استراتيجية متكاملة وضعتها الحكومة الروسية بقيادة الفيلسوف الروسي الكسندر دوغين، القريب من الرئيس فلاديمير بوتين، للتوسع الجغرافي واستعادة نفوذها المباشر في كامل الفضاء الجغرافي الذي كانت تسيطر عليه الإمبراطورية السوفييتية قبل تفككها في التسعينيات من القرن الماضي.

وتسعى الولايات المتحدة عبر تكثيف إنتاج النفط الصخري لتعويض دول الاتحاد الأوروبي عن خسارة النفط الروسي ومشتقاته. وكثفت واشنطن ضغوطها خلال الأسابيع الأخيرة على الدول التي كانت تعارض الحظر النفطي، وعلى رأسها ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد أوروبي. وحسب وكالة بلومبيرغ، شحنت الولايات المتحدة أكبر كميات من النفط الخام إلى أوروبا منذ إنهاء حظرها على تصدير النفط في عام 2016.

واستخدمت الشركات الأميركية لأول مرة الناقلات العملاقة التي تسع مليوني برميل لتحميل النفط إلى الموانئ الأوروبية. وبحسب بيانات أميركية، صدّر المنتجون الأميركيون في شهر إبريل/نيسان الماضي نحو 50 مليون برميل من النفط الخام إلى مشترين أوروبيين من الموانئ الرئيسية في تكساس ولويزيانا.

وتعادل الكميات المرسلة من النفط الأميركي إلى أوروبا نحو نصف إجمالي الشحنات التي تم تصديرها إلى الخارج في الشهر الماضي من ساحل الخليج. ورغم المخاوف الألمانية من حدوث اضطراب في سوق النفط بعد إعلان الحظر، إلا أن السوق النفطية بدأت هادئة في تعاملات أمس الأربعاء، ومتأثرة أكثر بالطلب الصيني وبيانات معهد البترول الأميركي. وتم التعامل في خامي غرب تكساس وبرنت ضمن تغيرات ضيقة عن مستوياتها يوم الثلاثاء.

المساهمون