تونس ... هل تتحول إلى دولة فاشلة؟

11 أكتوبر 2021
رفض شعبي لانقلاب قيس سعيد (العربي الجديد)
+ الخط -

قبيل انقلاب قيس سعيد على الدستور وعزل الحكومة وتعليق عمل البرلمان يوم 25 يوليو/ تموز الماضي، كانت تونس تعاني من المشاكل الاقتصادية نفسها الموجودة في معظم الدول العربية.
انتشار الفساد والفقر والبطالة وضعف فرص العمل المتاحة، وتفاقم عجز الموازنة والدين العام، وتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار، وتهاوي صادرات الفوسفات الاستراتيجية، والاعتماد على الخارج في استيراد الأغذية والأدوية والوقود.

هل ستنجح نجلاء بودن، الأستاذة الجامعية المتخصصة في الجيولوجيا وغير المعروفة في الأوساط السياسية ولا تملك أي خبرة اقتصادية في قيادة حكومة قادرة على الخروج من المأزق الحالي للبلاد

وزادت جائحة كورونا الأوضاع الاقتصادية تأزما في تونس، حيث عمقت أزمة البطالة خاصة بين الشباب لتصل لأكثر من 41%، وأدت الأزمة الصحية إلى انكماش الاقتصاد لأكثر من 8%، وتراجع إيرادات البلاد من النقد الأجنبي بشكل حاد، وحدوث شلل في قطاع السياحة، المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي، وتهاوي الاستثمارات الأجنبية، وزيادة أعباء قطاع الصحة.
ومع انقلاب 25 يوليو، سارع المؤيدون لقرارات سعيد الاستثنائية إلى التأكيد على أن القادم أفضل، وأن أسعار السلع والخدمات ستنخفض، وأنه سيتم العمل بسرعة على تنشيط الدورة الاقتصادية، وتحسين ظروف عيش المواطن، وتطوير الخدمات العامة، وأن أموال البلد المنهوبة سيتم استردادها من الخارج، وأن خزينة الدولة سيتم ملؤها مع مكافحة الفساد المستشري بين رجال الأعمال والنخب الحاكمة، وأنه سيتم القضاء على الاحتكار خاصة في الأغذية والأسواق.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

لكن ما حدث هو العكس تماما، فقد زادت الأمور تعقيدا في تونس، حيث ارتفع منسوب الغموض السياسي والخلافات بين الفرقاء والذي ألقى بظلاله على المشهد الاقتصادي والمالي برمته، وتم خفض تصنيف البلاد من قبل مؤسسات دولية، وزادت الضغوط على القطاع المالي، وتعرضت البنوك التونسية إلى مخاطر شديدة، وضاقت فرص التوظيف أمام الشباب، وارتفع الدين الداخلي وسط تحذيرات من ضعف البنوك.
وعلى مستوى حال المواطن فلم يحدث تحسن في مستوى المعيشة، بل العكس هو الذي حدث، فقد تدهورت القدرة الشرائية، وزادت أسعار السلع مخالفة وعود قيس سعيد، ولم يتحسن المركز المالي للبلاد، أو قدرة تونس على سداد دينها الخارجي، وظلت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي على حالها. 

أثار الصراع السياسي في البلاد المخاوف من حدوث انهيار مالي واقتصادي يشبه ما حدث في لبنان وسورية واليمن

بل وأثار الصراع السياسي في البلاد المخاوف من حدوث انهيار مالي واقتصادي يشبه ما حدث في لبنان وسورية واليمن. 
حتى الأمن الغذائي بات في خطر في ظل تفشي الجفاف وانحباس الأمطار وارتفاع درجات الحرارة إلى معدلات قياسية. وأعلنت الخطوط التونسية أنها تتجه لتسريح ألف عامل وإغلاق مكاتب في الخارج، كما أعلنت شركات كبرى عن الاستغناء عن موظفيها وتصفية نشاطها.
بل إن البنك المركزي التونسي أعلن قبل أيام عن شح حاد في الموارد المالية الخارجية وعجز في تمويل موازنة العام الحالي، وزادت المخاوف بين المقرضين الدوليين في ظل تدهور التصنيف السيادي للبلاد، وتجميد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لاقتراض 4 مليارات دولار لسد عجز الموازنة.

انقلاب قيس سعيد أدخل تونس في مشاكل اقتصادية ومالية كانت في غنى عنها، فالصراع السياسي والوضع الهش لا يزالان مستمرين رغم إعلان الرجل عن تشكيل حكومة، اليوم، برئاسة نجلاء بودن.
والأصدقاء الذين راهن عليهم الرئيس التونسي لمساعدة البلاد ماليا لم يمدوا يدهم بعد، ولم يكشفوا عن هويتهم، باستثناء فرنسا، التي هي نفسها في أمس الحاجة إلى من يساعدها ماليا واقتصاديا في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها اقتصادها جراء كورونا والمقاطعة منتجاتها من قبل شعوب عربية وإسلامي وإلغاء صفقات سلاح ضخمة.

يبقى السؤال: هل ستنجح نجلاء بودن، الأستاذة الجامعية المتخصصة في الجيولوجيا وغير المعروفة في الأوساط السياسية ولا تملك أي خبرة اقتصادية في قيادة حكومة قادرة على الخروج من المأزق الحالي للبلاد، وطرح برنامج ورؤية اقتصادية واضحة وقابلة للتنفيذ تحول دون الانهيار الكامل الذي قد يحول تونس إلى أن تكون دولة فاشلة على غرار ما حدث في لبنان وسورية واليمن والسودان؟

المساهمون