تونس: الأمطار تبدد القلق من غلاء الغذاء

29 مايو 2023
توقعات باستقرار أسعار المواد الزراعية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

بددت الأمطار الأخيرة التي سجلتها تونس شبح موجات غلاء كبيرة في المواد الزراعية كانت متوقعة خلال أشهر الصيف، نتيجة الجفاف وتراجع الإنتاج، مع تشديد القيود على مياه الري.

هذا العام، عاشت تونس على وقع موجة جفاف حادة تسببت في تضرر ما يزيد عن 80% من زراعة الحبوب، إلى جانب تقسيط مياه الري الموجهة لزراعة الخضراوات والغلال، ما أدى إلى عزوف المزارعين عن بذر أراضيهم.

لكن الأمطار التي تساقطت في شهر مايو/ أيار الحالي أنعشت منسوب المياه المخزنة في السدود، كما هيئت الأرضية لإعادة زراعة مساحات شاسعة من الخضراوات المخصصة للاستهلاك في النصف الثاني من السنة.

وكان العاملون في قطاع الزراعة والمواطنون يبدون مخاوف من انفجار الأسعار صيفاً، بسبب نقص الإنتاج، في ظل الجفاف، حيث تؤثر التساقطات المطرية بشكل مباشر على وفرة المواد في الأسواق، وعلى الأسعار التي تسجل قفزات متتالية.

وتعيش أسواق تونس موجات غلاء مستمرة تسببت في إرهاق جيوب المواطنين، وارتفاع التضخم نحو مستويات قياسية لم تعرفها البلاد منذ أكثر من أربعين عاماً.

ويعوّل التونسيون بشكل كبير على المنتج المحلي من خضراوات وغلال في إعداد غذائهم، ما يجعل وفرة العرض محدداً أساسياً في تأمين المنتجات الأساسية لموائد المواطنين.

ويقرّ عضو منظمة المزارعين المكلف بالموارد المائية والطبيعية، حمادي البوكري، بأهمية الأمطار التي سجلتها تونس على امتداد شهر مايو/ أيار الجاري، في بعث رسائل طمأنة للأسواق، مؤكداً أن تحسن منسوب المياه المخزنة في السدود سيعطي دفعاً للمزارعين للعودة للإنتاج.

وقال البوكري في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "الجفاف تسبب في إحباط خطط إنتاج الخضراوات والغلال في ظل سياسة تقسيط المياه، غير أن الأمطار الأخيرة قادرة على قلب المعادلة".

وأضاف: "الأمطار الأخيرة حسّنت منسوب المياه في السدود الرئيسية للبلاد، كذلك زادت مخزون المياه في الآبار العميقة التي تستخدم في ري الخضراوات بشكل أساسي".

ويرجح البوكري أن تسجّل أسعار المواد الزراعية خلال الأشهر المقبلة استقراراً أو تراجعاً نسبياً، مع انخفاض كلفة الإنتاج الناجمة عن فاتورة مياه الري.

في مارس/ آذار الماضي أعلنت تونس رسمياً الشروع في اعتماد نظام ظرفي لتقسيط المياه يستمر حتى 30 سبتمبر/ أيلول المقبل.

وذكرت الوزارة حينها أنّ مخالفة التعليمات يترتب عليها غرامة مالية والسجن لفترة تتراوح ما بين 6 أيام و6 أشهر.

يصف البوكري الأمطار المسجلة على امتداد شهر مايو بالمهمة جداً من حيث الكميات، خاصة أن توزيعها الجغرافي كان شاملاً كل مناطق الإنتاج، ولا سيما مواطن زراعة الخضراوات والغلال وحقول الزيتون. ورجّح أن تصعد نسبة امتلاء السدود بعد تعبئة المياه من مختلف الروافد المائية إلى أكثر من 32 بالمائة، بعد أن نزلت هذه النسبة إلى 16 بالمائة في سيدي سالم أكبر سدود البلاد.

وسجل مؤشر أسعار مجموعة التغذية والمشروبات ارتفاعاً بنسبة 1.5% خلال شهر إبريل/ نيسان الماضي، بحسب أحدث بيانات لمعهد الإحصاء الحكومي.

ويعود ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار الخضراوات الطازجة بنسبة 3.9%، والأسماك الطازجة بنسبة 3.1%، والغلال الطازجة بنسبة 2.3%، وأسعار لحم الضأن بنسبة 1.7%.

كذلك شهدت أسعار لحم البقر ارتفاعاً بنسبة 1.6%، وأسعار الزيوت الغذائية بنسبة 1.5%. وباحتساب الانزلاق السنوي ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 15.6%، حسب بيانات معهد الإحصاء الحكومي.

وتوقع وزير التجارة السابق والخبير الاقتصادي، محسن حسن، أن تستمر معدلات التضخم في تونس عند مستويات مرتفعة إلى نهاية عام 2023، نتيجة استمرار العوامل الداخلية والخارجية التي فرضتها.

وقال حسن في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الغلاء في تونس ليس مجرد سحابة عابرة تعيشها البلاد، فتداعيات الحرب الأوكرانية الروسية وأثرها السلبي، وتزايد العجز التجاري، مع غياب تمويلات المانحين الدوليين هو ما تسبب في غلاء قياسي.

والتضخم ليس استثناء تونسياً، بحسب وزير التجارة السابق، غير أن تداعياته أكثر حدة في البلاد، بسبب ضعف إمكانيات المواطنين، وضعف نسب النمو، إلى جانب غياب آليات الحماية الاجتماعية للطبقات الضعيفة من تأثيراته.

ومثلت أزمة الديون، ومشاكل توفير المواد الأساسية، وغلاء المعيشة، المخاطر الرئيسية التي ستواجهها تونس خلال الفترة من 2023- 2025، وفقاً للنسخة الثامنة عشرة من تقرير المخاطر العالمية 2023، الصادر في يناير/ كانون الثاني الماضي.

المساهمون