تتجه المصارف التركية إلى تعليق التعامل بنظام الدفع الإلكتروني الروسي "مير". يأتي ذلك بعدما توقفت بطاقات "مير" الصادرة عن روسيا عن العمل في أوزبكستان، يوم الجمعة الماضي، في مواجهة التحذيرات المتكررة بشأن عدم الالتزام بـالعقوبات الدولية ضد موسكو بسبب غزوها أوكرانيا.
حذرت وزارة الخزانة الأميركية، هذا الشهر، البنوك خارج الولايات المتحدة من أنّ التعامل مع "مير" "قد يخاطر بدعم جهود روسيا للتهرب من العقوبات الأميركية".
و"مير" هو نظام دفع روسي لتحويل الأموال إلكترونياً أنشأه البنك المركزي الروسي في ديسمبر/كانون الأول 2015، بموجب قانون تم تبنيه لاحقاً في 1 مايو/أيار 2017 ينص على أنّ جميع مدفوعات الرعاية الاجتماعية والمعاشات التقاعدية يجب أن تتم معالجتها من خلال نظام "مير".
وكان تطوير "مير" وتطبيقه مدفوعاً بالعقوبات الدولية على روسيا في عام 2014 في ظل حظر "ماستركارت" و"فيزا" في روسيا إثر ضم شبه جزيرة القرم.
انتشار "مير"
وعمل البنك المركزي الروسي والبنك الدولي على صياغة فكرة "مير" لإنشاء نظام مدفوعات مستقل داخل الاتحاد الروسي. وتم قبول بطاقات "مير" في البداية من قبل الشركات التي تتخذ من روسيا مقراً لها، لكنها أصبحت تدريجياً شائعة بين الشركات الأجنبية التي لها عمليات في روسيا.
في إبريل/نيسان 2016، أصبحت "علي إكسبرس" أول شركة أجنبية تقبل بهذا النظام كشكل من أشكال الدفع داخل الاتحاد الروسي، بحسب صحيفة "موسكو تايمز"، وكانت "ماكدونالدز" أول شركة أميركية تعتمده بعد ثلاثة أشهر.
وصدرت بطاقات "مير" الأولى في عام 2015، لتصبح في ما بعد إلزامية لتحويل الرواتب لموظفي الدولة، وكذلك لتلقي المعاشات والمزايا. وبحسب البنك المركزي، في نهاية عام 2021، تم إصدار 113.6 مليون بطاقة "مير"، ما يمثل 25.7% من جميع معاملات البطاقات في روسيا، و32.5% من إصدار البطاقات الجديدة.
واعتباراً من 27 سبتمبر/أيلول 2022، تم استخدام "مير" في ستة بلدان: بيلاروسيا ومصر وقيرغيزستان وطاجيكستان وفنزويلا وكوبا، فيما تم تعليق استخدامها هذا العام في أرمينيا وكازاخستان وتركيا وأوزبكستان وفيتنام، بحسب صحيفة "ذا كييف إندبندنت". ويتم استخدام "مير" في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية منذ عام 2019، وهما منطقتان تسيطر عليهما روسيا منذ الحرب الروسية الجورجية في عام 2008.
قبل الحرب الروسية الأوكرانية كان من المتوقع أن تتكيف بلغاريا وتايلاند مع "مير"، وفقاً للبنك المركزي الروسي. تم اختبار البطاقة أيضاً في المملكة المتحدة وكوريا الجنوبية. ووفقاً لوكالة أنباء "تاس" الروسية، في صيف عام 2022، نظرت أربع دول أفريقية ودولة واحدة في الشرق الأوسط في إطلاق بطاقات مير: إثيوبيا ونيجيريا وتنزانيا وجنوب أفريقيا وسورية.
وفي عام 2021، أعربت الهند وروسيا عن اهتمامهما بمواصلة الحوار حول قبول بطاقات "مير" ضمن البنى التحتية الوطنية للدفع. وفي إبريل 2022، اتخذت كوبا قراراً بالسماح ببطاقات "مير". وفي مايو/ أيار 2022، قالت السفيرة السريلانكية في روسيا جانيتا أبيفيكرما لياناج إنّ السلطات السريلانكية تعمل على ضمان أنّ بطاقات "مير" من بين البطاقات التي يمكن استخدامها عند الوصول إلى بلادها.
وفي 27 يوليو/تموز 2022، بدأت إيران في قبول المدفوعات التي تتم باستخدام بطاقات "مير" البنكية الروسية، حسبما نقلت وكالة الإعلام الروسية "تاس" عن مسؤول إيراني. وكان بنك "سبيربنك" الروسي قد أشار، في بيان، إلى أنّ بطاقات "مير" يمكن استخدامها في دول مثل الإمارات ودول آسيا الوسطى.
ومع ذلك، هناك قيود كبيرة على استخدام بطاقات "مير" في الخارج، حسب قول أوكسانا بوريسوفا، من شركة "كي بي إم جي" لوكالة "رويترز"، وأضافت: "يجب توضيح قواعد التشغيل في كل بلد بشكل منفصل، فهي غير مقبولة من قبل جميع البنوك وكل أجهزة الصراف الآلي، لذلك عليك سحب النقود عند السفر إلى الخارج". ومن عيوب "مير" عدم توافقها مع العديد من منصات التسوق الدولية واستخدامها المحدود خارج روسيا.
"حرب" ضد "مير"
والأسبوع الماضي، كتب مدير البرامج في المجلس الروسي للشؤون الدولية إيفان تيموفييف، في "بروفيل"، عن محاولات الولايات المتحدة منع "أصدقاء روسيا" من استخدام نظام التسديد المصرفي الروسي "مير".
وجاء في المقال الذي نشره موقع "روسيا اليوم": "شنت السلطات الأميركية هجوماً على نظام التسديد الروسي مير. وتم فرض حظر مالي على أليكسي كومنيف، مدير نظام بطاقات التسديد الوطني NSPK. هذا النظام هو الذي يضمن تشغيل بطاقات مير، ويطور أيضاً نظام التسديد السريع".
النظام نفسه لم يُدرج بعد في قائمة الولايات المتحدة للحظر. ولكن وزارة الخزانة الأميركية حذرت من أنّ عمل المؤسسات الأجنبية مع "مير" يمكن اعتباره تحايلاً على العقوبات المناهضة لروسيا. وهذا يعني تطبيق عقوبات ثانوية ضد هذه المؤسسات.
وأفاد مسؤول تركي رفيع المستوى، وكالة فرانس برس، اليوم الأربعاء، بأنّ المصارف التركية الثلاثة العامة التي تستخدم نظام التسديد المالي الروسي "مير"، ستتخلى عنه. وقال المسؤول الذي طلب عدم كشف اسمه: "ثمة تسديدات تجرى راهناً لكن حُدد تاريخ مقبل" لوقف العمل بهذا النظام. وسبق لمصرفَين تركيَين خاصَين أن توقفا، الأسبوع الماضي، عن استخدام نظام "مير" هما "دنيزبنك" و"إسبنك".
وكانت المصارف الثلاثة العامة "هالكبنك" و"زرعت" و"فاكيفبنك" تسمح حتى الآن بالتعاملات باستخدام بطاقات "مير" المصرفية.
ورفضت تركيا التي تعتمد بشكل كبير على الغاز والنفط الروسيين، الانضمام إلى العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بعد غزو أوكرانيا. وشهدت البلاد، وهي وجهة مفضلة للسياح الروس، وصول آلاف الروس منذ بداية الحرب.
وكانت قد أعلنت عن توسيع نطاق نظام "مير" بعد اجتماع، مطلع أغسطس/آب، بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين. وعقب ذلك، حذّرت واشنطن الشركات والمصارف التركية التي تتعامل مع روسيا من احتمال تعرضها لعقوبات.
والأسبوع الماضي، استنكر أردوغان التحذيرات الأميركية بفرض عقوبات على البنوك في بلاده في حال تعاملها مع نظام الدفع الروسي "مير".
كما نفى المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن مزاعم خرق روسيا للعقوبات المفروضة عليها عبر البنوك التركية، وقال، خلال مقابلة مع قناة "إن تي في" التركية، إنّ "هذه الادعاءات لا أساس لها، وما نسميه بطاقة مير، هي بطاقة تقتصر على الإنفاق اليومي للسائحين الروس عند قدومهم إلى تركيا".
وناقش الرئيس أردوغان، الأسبوع الماضي، بدائل لـ"مير" مع كبار مسؤوليه الماليين، الذين أجروا أيضاً مناقشات مع نظرائهم الروس.
وانتقد الكرملين واشنطن لضغطها على البنوك التركية لوقف معالجة مدفوعات بطاقات "مير" المصرفية. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: "من الواضح أنّ البنوك والشركات الاقتصادية تتعرض لأقوى ضغط ممكن من الولايات المتحدة، وهم مهددون بفرض عقوبات ثانوية على النظام المصرفي. وهذا القرار، بالطبع، اتخذ تحت ضغط غير مسبوق".
ويحدّ تعليق "مير" من قدرة المواطنين الروس في الخارج على إجراء معاملات غير نقدية بعدما جعلت العقوبات الغربية بطاقات "فيزا" و"ماستركارد" الروسية الصادرة عنهم غير صالحة للاستخدام.