استمع إلى الملخص
- تواجه السعودية تحديات في صناعة السيارات الكهربائية، منها المنافسة العالمية وارتفاع تكلفة اليد العاملة، مع الحاجة لتوفير الليثيوم وتقديم تسهيلات مالية.
- استثمارات كبيرة في قطاع السيارات الكهربائية، مثل استثمار شركة "سير" بأكثر من ملياري دولار، تستهدف إنتاج 500 ألف سيارة بحلول 2030، مما يساهم في تنويع الاقتصاد السعودي والتحول إلى الطاقات النظيفة.
"لم أكن أتخيل قبل عامين أنني سأقود سيارة كهربائية صُنعت في السعودية".. هكذا عبر الشاب السعودي، محمد الغامدي، عن سعادته لـ"العربي الجديد" من أمام محطة شحن السيارات الكهربائية الجديدة في حي العليا بالرياض، بعدما اشترى سيارته الكهربائية الجديدة.
تعمل سيارة الغامدي بنظام شحن البطارية عبر محطات للشحن الكهربائي، وسط مؤشرات على توسع سوق السيارات الكهربائية في المملكة، بنسبة 6% على أساس سنوي حتى 2030، بحسب تصريحات أدلى بها الرئيس التنفيذي للعمليات في مجموعة "لوسيد"، مارك وينترهوف، على هامش افتتاح فرع جديد للشركة بمدينة جدة في 10 أغسطس/آب الجاري.
ووفقاً لإحصائيات وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية، الصادرة في يناير/كانون الثاني الماضي، ارتفع عدد السيارات الكهربائية المسجلة في المملكة بنسبة 150% خلال العام الماضي، ليصل إلى 12 ألف سيارة.
وأفادت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" بأن الحكومة السعودية تعتزم زيادة استثماراتها في قطاع صناعة السيارات الكهربائية بنسبة 200% خلال العامين القادمين. وأشارت إلى أن هذه الخطوة تأتي ضمن استراتيجية شاملة لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، تماشياً مع رؤية المملكة 2030. ولفتت إلى أن الحكومة تدرس تقديم حوافز ضريبية وتسهيلات تمويلية لتشجيع المستهلكين على شراء السيارات الكهربائية المحلية الصنع.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، أعلنت مجموعة "لوسيد"، في بيان، أن أكبر مساهم فيها، وهو صندوق الاستثمارات العامة السعودي الذي يمتلك 60% من أسهمها، سيضخ 1.5 مليار دولار نقداً، مع تطلع شركة صناعة السيارات الكهربائية إلى إضافة نماذج جديدة إلى خط إنتاجها.
لكن المملكة تواجه تحديات في هذا المجال، أبرزها المنافسة العالمية القوية، خاصة من الشركات الصينية التي تتصدر المشهد العالمي في هذه الصناعة. ويشير الخبير الاقتصادي، علي أحمد درويش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى وجود تحديات، منها ارتفاع تكلفة اليد العاملة في المملكة مقارنة بدول أخرى، وهو ما أدى إلى تعثر مشروع سابق مع شركة تويوتا في عام 2019.
كما أن المنافسة القوية في هذا القطاع تمثل تحدياً ثانياً بحسب درويش، خاصة من قبل الشركات الصينية التي أصبحت رائدة عالمياً في صناعة السيارات الكهربائية، متفوقة على شركة تسلا الأميركية في العام الماضي. وإزاء ذلك، فإن نجاح صناعة السيارات الكهربائية في السعودية يتطلب أيضاً توفير الليثيوم، وهو المكون الأساسي للبطاريات في السيارات الكهربائية، بينما لا تمتلك السعودية إنتاجاً كبيراً منه، مما قد يشكل تحدياً من حيث التكلفة في حال استيراده، وفق درويش، الذي يلفت إلى
أهمية أن توفر تسهيلات مالية في شكل قروض بفوائد مخفضة جداً لتشجيع شراء السيارات الكهربائية المصنعة محلياً.
ويرى أن مشروع صناعة السيارات الكهربائية في السعودية يواجه منافسة قوية ولا توجد ضمانات لنجاحه بالصورة المتوقعة حتى الآن، ومع ذلك لا تزال فرصته في النمو التدريجي قائمة، إذا هُيِّئت البنية التحتية المناسبة، سواء من حيث التكلفة أو التسويق، خاصة في السوق السعودي.
ويلفت درويش إلى أن "لوسيد" هي أول شركة حصلت على ترخيص لصناعة السيارات الكهربائية في السعودية، وذلك بالتعاون مع شركة أميركية، وقد شهد عام 2023 تجميع حوالي 800 سيارة، ما يعتبر انطلاقة مقبولة للشراكة الجديدة التي تحمل الاسم التجاري "سير". ويتوقع زيادة في استثمارات الشركة خلال المرحلة القادمة، مع إمكانية بناء مصنع لتجميع هذه السيارات وتصنيع جزء من مكوناتها على مساحة مليون متر مربع، باستثمار يصل إلى حوالي 5 مليارات ريال (1.33 مليار دولار).
بدوره، يشير الخبير الاقتصادي، محمد الناير، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن جهود التطوير في قطاع صناعة السيارات الكهربائية في السعودية تكثفت خلال العامين الأخيرين عندما استثمرت شركة أخرى هي "سير" أكثر من ملياري دولار في هذا المشروع الضخم، كما نجحت في التعاقد مع شركات عالمية كبرى مثل هيونداي الكورية الجنوبية وسيمنز الألمانية وغيرها للدخول في عالم صناعة السيارات الكهربائية.
وتستهدف الخطة الموضوعة الوصول إلى إنتاج 150 ألف سيارة بحلول عام 2026، مع توقع الوصول إلى 500 ألف سيارة في نهاية عام 2030، وهو ما يتماشى مع رؤية المملكة 2030، ولذا يصف الناير تحقيق هذا الهدف بأنه سيكون بمثابة تطور صناعي كبير في المملكة، مشيراً إلى أن هذا النهج قد لا يقتصر على السعودية وحدها، بل قد يشمل دول الخليج الأخرى التي تسعى للدخول في هذا المجال، رغم نقص الإمكانيات لدى بعضها.
ويؤكد الناير أن مثل هذه المشروعات تحتاج إلى رأس مال كبير وضخ أموال ضخمة، مع عدم توقع أرباح سريعة، حيث قد تستغرق العائدات عدة سنوات، لافتاً إلى أن تصنيع السيارات الكهربائية يحقق عدة أهداف، منها إضافة قيمة مضافة للاقتصاد السعودي من خلال التصنيع المحلي، ما يسهم في تنويع موارد المملكة، والتخلص التدريجي من الاعتماد على النفط مورداً وحيداً.
ومن الأهداف الأخرى التي يشير إليها الناير: التحول التدريجي للسيارات في المملكة من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى الطاقات النظيفة، ومنها الطاقة الكهربائية، مشيراً إلى أن هذا التحول يتماشى مع المؤشرات العالمية وأهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة.
ويشدد على ضرورة مواكبة المشروع السعودي لتصنيع السيارات الكهربائية بإنشاء البنية التحتية اللازمة، خاصة في ما يتعلق بمحطات التزود بالكهرباء في جميع أنحاء المملكة، لتجنب أي عوائق قد تؤثر على إقبال المستهلكين على هذه السيارات.
ويخلص الناير إلى أن الانعكاسات الإيجابية لمشروع تصنيع السيارات الكهربائية في السعودية من شأنه أن يعود بمردود إيجابي على سوق العمل، ويتوقع أن يساهم في تشغيل العمالة وتقليل معدل البطالة بصورة كبيرة، ما سينعكس إيجاباً على الناتج المحلي الإجمالي للسعودية.