اليمن في سيناريو لبناني: الريال ينزلق... واتجاه نحو دولرة الاقتصاد

01 اغسطس 2021
موظف في البنك المركزي في صنعاء (محمد حويس/ فرانس برس) 
+ الخط -

يشهد اليمن أحداثا متسارعة تفاقمت حدتها مع انزلاق العملة الوطنية إلى مرحلة خطيرة من التدهور. سعر صرف الدولار الواحد تجاوز حاجز الألف ريال، وذلك لأول مرة منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد قبل أكثر من ست سنوات. شكل هذا التهاوي صدمة كبيرة في اليمن الذي يعاني من انقسام مالي كارثي وتدهور اقتصادي كبير وأزمة إنسانية هي الأسوأ على مستوى العالم كما تصنفها الأمم المتحدة.

وكشفت مصادر مطلعة (رفضت الكشف عن هويتها) لـ"العربي الجديد"، عن ضغوط هائلة تمارسها أطراف دولية على طرفي الصراع في اليمن، أي الحكومة المعترف بها دولياً والحوثيين، بهدف إنهاء الانقسام المالي والنقدي في البلاد. وتحمّل هذه الجهات، وفق المصادر، هذا الانقسام المسؤولية الرئيسة في التدهور الحاصل على كل المستويات وإحجام المجتمع الدولي عن تقديم المساعدة المناسبة.

وأشارت إلى وجود توافق من قبل جميع الأطراف المتنازعة على التعاون في تنفيذ ما سيتم اتخاذه من قرارات من السلطات النقدية لمعالجة الانقسام وإيقاف التدهور الاقتصادي والنقدي.

وأكدت المصادر أن جزءاً كبيراً من الوساطة العمانية التي برزت مؤخراً تدور في هذا الشأن، إذ كانت تحركات المسؤولين العمانيين ترتفع بنسق تدريجي متواصل منذ الشهر الماضي، ونجحت في تحقيق اختراق مهم في الوصول إلى حل مؤقت لأزمة استيراد المشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة غربي اليمن، مع الاقتراب من إيجاد تفاهم مناسب لإعادة فتح مطار صنعاء، والمحاولة حالياً تدور حول تحقيق اختراق آخر في ملف العملة والانقسام المالي.

تكرار التجربة اللبنانية

ورجح مصرفيون وخبراء اقتصاد أن يكون اليمن قد دخل رسمياً مرحلة "لبننة العملة الوطنية" كما كان التوقع عقب قرار الحكومة اليمنية نقل البنك المركزي من العاصمة اليمنية صنعاء إلى عاصمتها المؤقتة عدن في سبتمبر/ أيلول من العام 2016. وكذا قرار الحوثيين في ديسمبر/ كانون الأول 2019 بمنع تداول العملة الجديدة من الفئات الورقية المطبوعة ومصادرتها، وما نتج عنها من تبعات كارثية، من انقسام المؤسسات المالية والسياسة النقدية، وتوسع فوارق الصرف، واختلاف العملة المتداولة في مناطق طرفي الحرب.

وبدأت آثار ذلك تتجسد على أرض الواقع بصورة أكثر وضوحًا منذ بداية العام الحالي بالنظر لما يعيشه اليمن من أزمات اقتصادية ومعيشية حادة، تنذر بتوسع رقعة الجوع، ليعم معظم مناطق البلاد المقسمة والمجزأة بين أطراف الصراع.

ويبرز الدولار والنقد الأجنبي في مختلف التعاملات والتداولات النقدية والاقتصادية والتجارية في البلاد، في ظل واقع غير معلن يؤكد عجز جميع الأطراف المحلية والدولية والأممية، وشبه الاستسلام في التصدي لهذه الأزمات الإنسانية الحادة، التي يرزح تحت وطأتها أكثر من ثلثي سكان البلاد. وشرح الباحث الاقتصادي عصام مقبل لـ"العربي الجديد"، أن الرئيس الراحل علي عبدالله صالح بشر اليمنيين انتقاماً منهم عقب ثورة 11 فبراير/ شباط "بالصوملة" في إشارة إلى وضعية الصومال آنذاك، والتي كانت تشهد حرباً أهلية طاحنة وصراعات تسببت في تدميرها وتجزئتها.

وتابع: "ترافقت الحرب اليمنية مع التشتت الجغرافي والتجزئة وتعدد سلطات النفوذ في أكثر من منطقة". وأضاف: "أيضا وصل هذا الصراع إلى مستوى الانقسام المالي والاقتصادي ونهب ثروات وموارد البلاد، ودخوله مرحلة خطيرة منذ نحو ثلاثة أشهر بانفلات السوق النقدية والمصرفية ووصول العملة والاقتصاد الوطني إلى حافة الهاوية".

وقال مقبل: "هذا سيناريو يشبه ما عاشه لبنان في ثمانينيات القرن الماضي على إثر حرب أهلية طاحنة لا يزال يعاني من تبعاتها حتى الآن، والشبه لا يتوقف حصراً على نظام الحكم والانقسام السياسي والجغرافي والسكاني، بل يتركز كذلك في الانكشاف الاقتصادي وانهيار الليرة وبروز الدولار كعملة تداول شبه رسمية في البلاد عبر اعتماد الدولرة للاقتصاد، وهو نفس المنزلق الذي بدأ اليمن ملامسته بصورة واضحة منذ مطلع العام الحالي".

قرارات وتوقعات

وسارعت الحكومة اليمنية إلى الإعلان عن مجموعة قرارات صادرة عن البنك المركزي في عدن قالت إنها تهدف إلى معالجة حالة الانقسام في السوق الاقتصادية، والتشوه الذي أحدثه اختلاف سعر صرف العملة المحلية من الفئة الواحدة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا والمناطق الاّخرى الواقعة تحت نفوذ الحوثيين.

تضمنت القرارات ضخ العملة المحلية من فئة الألف ريال إلى السوق لتشمل مناطق البلاد كافة، وتكثيف التداول بها ومعاودة تعزيز استخدامها في معاملات البيع والشراء النقدي، وبحجم تعامل أكبر.

إضافة إلى اتخاذ إجراءات منظمة لخفض حجم المعروض النقدي وإبقاءه في المستويات المقبولة والمتوافقة كمياً مع حاجة السوق لها، وذلك بناءً على الدراسات التي أعدها الخبراء المختصون في البنك، للحد من أية آثار تضخمية، وانعكاسه سلباً على قيمة عملتنا المحلية في عموم السوق اليمنية ومختلف المناطق. كما تضمنت القرارات إلزام البنوك ومؤسسات التحويل والصرافة وخلال فترة قريبة قادمة بوقف فرض عمولات جزافية وغير واقعية للتحويلات الداخلية بين مختلف مناطق اليمن، بدواعي التمييز السعري بين فئات العملة المحلية الواحدة، وتهديد المخالفين بعقوبات مشددة يقررها البنك المركزي اليمني بهذا الشأن.

وشدد الخبير المالي والاقتصادي البارز في اليمن أحمد شماخ في تصريح لـ"العربي الجديد"، على أهمية اتخاذ قرارات صحيحة ومناسبة غير عبثية كما كان يحصل سابقا لوقف تهاوي العملة والاقتصاد الوطني، "فقد حان الوقت للتنفيذ ولإصدار القرارات التي تساهم في ضبط إيقاع العملة على أسس علمية مدروسة تبدأ بتحييد واستقلالية البنك المركزي اليمني" على حد تعبيره.

ودعا شماخ إلى ضرورة وضع حد لعملية ضخ النقد الجديد والحد من انتشار محال وشركات الصرافة التي تساهم بشكل رئيس في تأجيج أزمة الصرف وتدهور العملة.

في المقابل، قلل الخبير المصرفي حافظ طربوش من قيمة هذه القرارات والإجراءات، إذ رأى أن عملية الضخ من الفئة النقدية الكبيرة إلى الأسواق سيزيد من العرض النقدي للعملة الوطنية وبالتالي المزيد من التدهور في قيمتها.

واقترح في حديثه مع "العربي الجديد"، إيقاف ضخ العملة المطبوعة إلى السوق المحلية والعمل على تفعيل الأنشطة الاقتصادية وإعادة تصدير النفط والغاز وتوريد عائداتها إلى البنك المركزي، إلى جانب جميع إيرادات الدولة من دون استثناء من ضرائب بجميع أنواعها والرسوم الجمركية وإيرادات المنافذ البرية والبحرية.

المساهمون