المقاطعة تتمدّد في مصر بعد 116 يوماً من الحرب

31 يناير 2024
مواطنون غيروا أنماط استهلاكهم واتجهوا لشراء السلع المحلية (فرانس برس)
+ الخط -

في أحد المحال التجارية بالإسكندرية شمال مصر، يجلس صاحب متجر، يوسف خليفة، يراقب بحزن تراكم البضائع على الأرفف والأرض، والتي تكسوها الأتربة منذ أسابيع، وكأن الزبائن قد انقطعوا عن الزيارة والشراء، بسبب الاستجابة الكبيرة لدعوات مقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي.
حيث لم يكتف الزبائن بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية أو منتجات دول داعمة لها، وإنما امتدت لمقاطعة المحال التي تقوم بعرضها أيضا جنبًا إلى جنب مع البضائع المحلية البديلة لتلبية احتياجات الزبائن وهو ما بدا واضحا في ضعف الإقبال وتراجع المبيعات في تلك المتاجر التي تعتمد على تلك المنتجات.

وشهد عدد كبير من المحال التجارية في مصر، تراكمًا لبضائع المقاطعة على أبوابها وأرففها، بعدما تجنب الكثير من المواطنين الدخول لتلك المحال من الأساس بمجرد رؤية منتجات إسرائيل أو منتجات دول داعمة لها على أبوابها وعدم الاستجابة لمحاولات العديد من الماركات العالمية تقديم تخفيضات كبيرة في أسعار منتجاتها.

فمنذ اندلاع الحرب على غزة، في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي انطلقت في مصر دعوات لتنفيذ مقاطعة واسعة، لعدد من الشركات الأجنبية والماركات العالمية لمطاعم الوجبات السريعة والملابس والمقاهي لاتهامها بدعم إسرائيل امتدت إلى جميع منتجات تلك الشركات سواء المواد الغذائية أو المشروبات الغازية الشهيرة المعروضة في مراكز التسوق الكبيرة أو المحال التجارية.
وتنشط الحملات التي لاقت تجاوبا واسعا من قبل المواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي المجتمع المدني، ونشر نشطاؤها المعلومات والقوائم للمنتجات التجارية التي تدعم إسرائيل وغيرها من الدعوات التي تحث المستهلكين لمقاطعة المحال التي تروج لها وعدم شراء المنتجات حتى الوطنية منها عقابًا لها على عرضها البضائع الداعمة للاحتلال الإسرائيلي.

وعلى الرغم من معرفة أصحاب المحال التجارية بالتأثير القوي لحملات المقاطعة على السلوك الشرائي للزبائن في مصر، إلا أن الكثير منهم يقع ضحية لحيل وضغوط شركات بيع المنتجات الداعمة لإسرائيل، فيقول صاحب أحد المحال التجارية وسط المدينة شاكر أبو الفضل، لـ"العربي الجديد": أعرف أن الزبائن يمتنعون عن شراء المياه الغازية المقاطعة، لكن الشركة عرضت أسعارًا منخفضة للغاية وهو ما أغراني لشراء كميات كبيرة منها، إلا أنها لم تبع منذ عدة أسابيع.
وأضاف أبو الفضل: "الكثير من التجار وقعوا ضحية لإغراءات الشركات، حيث رفعوا هامش أرباح البائع إلى الضعف أو أكثر لأول مرة، مع وعود بزيادة تلك الأرباح في حالة التمكن من بيع كميات كبيرة من البضائع، وهو ما يطلق عليه نظام "البونص" أو الأرباح بنقاط البيع".
وتابع: "أعلنت شركات بيع المنتجات المقاطعة تأجيل تحصيل أسعار البضائع، وتمديد مدة السداد، وتقديم مزايا إضافية، مثل إمكانية سحبهم للبضائع المقاطعة التي لم تبع، ما أغرى الكثير من البائعين لشراء كميات كبيرة من تلك البضائع، ولكن بعد فترة أدركوا خطأ تفكيرهم، إذ ظلت البضائع على حالها بدون بيع.
أحوال يوسف وأبو الفضل لم تكن فردية، بل تعبر عن أحوال غالبية المحال التجارية التي تعمل في البضائع التي تشملها قوائم المقاطعة، إذ تشهد مصر حاليًا، حملة نشطة لدعوة المواطنين إلى مقاطعة المحال التجارية التي تبيع المنتجات الداعمة لإسرائيل لوقف العدوان على قطاع غزة وإظهار التضامن مع الشعب الفلسطيني وتأييدًا لحقوقه.

"الناس تفضل البدائل المحلية وعزفت عن دخول بعض المحلات بسبب عدم توافر البديل المصري أو تقوم بعرض منتجات المقاطعة، حسب الموظف في شركة قطاع خاص سعيد محمد، الذي أكد لـ"العربي الجديد" أن معظم المستهلكين أصبحوا يبحثون عن المنتجات المصرية، خاصة المنتجات الغذائية والمشروبات والمياه الغازية والقهوة، لافتا إلى أن الجميع سواء كان كبيراً أو صغيراً أصبحوا لديهم وعي كبير تجاه القضية الفلسطينية وباتت واضحة لهم أهمية الاستمرار في المقاطعة كوسيلة للتعبير عن رفضهم ما يحدث في غزة.

ويتفق معه عضو الحملة الشعبية لدعم فلسطين، أحمد فريد، الذي قال في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن المقاطعة المستدامة للمنتجات الداعمة لإسرائيل سيكون لها تأثير اقتصادي وتجاري، لزيادة الضغط على الاحتلال لتغيير سياساته تجاه الشعب الفلسطيني.
وأضاف فريد، أن بعض المحال التجارية تستجيب لهذه الحملة، وتعلن عن توقفها عن بيع المنتجات الداعمة لإسرائيل، وذلك تحت ضغط امتناع الزبائن عن الشراء منها، وهو ما يثبت أن الحملات الاقتصادية والمقاطعة تُعتبَر أدوات فعالة في التعبير عن الرأي والتأثير في القضايا السياسية والاجتماعية.
الخبير الاقتصادي أحمد فاروق، يقول لـ"العربي الجديد"، إن شركات المنتجات المقاطعة اضطرت إلى تخفيض الكميات التي توردها إلى السوق المصري، مؤكدًا أن المقاطعة توصل رسالة برفض هذا السوق لهذه الشركات.
وأضاف فاروق: "معاقبة المحال التي تبيع المنتجات الداعمة لإسرائيل حتى وإن كانت توفر بدائل وطنية، هي فكرة مهمة، وإذا نجحت فإنها تعلن عن قوة تأثير حقيقية للمستهلك المصري، بعدما ظل دائمًا مفعولاً به ومسلوب الإرادة أمام محركي السوق، سواء كانت الحكومة أو التجار".
بدورها، شددت الباحثة الاجتماعية نجلاء عبد المنعم على أهمية تعزيز ثقافة المقاطعة والاستغناء الكامل والمستمر عن منتجات الداعمين للاحتلال، واعتبارها بداية لزيادة الانتماء وتشكيل وعي جماعي لدى المواطنين في جميع القضايا الوطنية.
وأكدت نجاح حملات المقاطعة التي انطلقت استجابة للأحداث الأخيرة في قطاع غزة ولإظهار الرفض الشعبي للمجازر التي يقوم بها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني إلا أنها فرصة كبيرة أيضا لدعم المنتجات الوطنية البديلة.

المساهمون