المساعدات الأميركية والتهجير… أداة لليّ الذراع

19 ديسمبر 2023
حرب إبادة جماعية يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بحق سكان قطاع غزة (Getty)
+ الخط -

أزاحت صحيفة "إسرائيل هيوم" الإسرائيلية، قبل أيام، الستار عن خطّة جديدة قالت إنها تدور في أروقة الكونغرس الأميركي، وتأتي في ظل حرب الإبادة الجماعية التي يمارسها الكيان الصهيوني بحق سكان قطاع غزّة.

وتشترط هذه الخطّة، التي عُرِضت على شخصيات بارزة في مجلسي النواب والشيوخ من كلا الحزبين، على بعض الدول العربية، استقبال اللاجئين من غزّة لقاء استمرار حصولها على المساعدات الأميركية.

كما شدَّد مصمِّمو الخطّة، بشكل لا يمتّ للأخلاق بصلة، على أنّ الحلّ الأخلاقي الوحيد هو قيام مصر بفتح حدودها أمام اللاجئين من غزّة، وتخصيص أموال المساعدات التي تحصل عليها سنوياً من الولايات المتَّحدة لأولئك اللاجئين.

وفي إطار المنّ المتجرِّد من الحياء، أكَّد واضعو هذه الخطّة عدم إلقاء العبء بأكمله على كاهل مصر، ودعوا دولاً أخرى إلى المشاركة في توطين فلسطينيي غزّة مثل العراق واليمن وتركيا، وتنبع جرأتهم أساساً من واقع الاستفادة السنوية لهذه الدول من المساعدات الخارجية الأميركية.

ونهاية أكتوبر الماضي، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن خطة جديدة تدرسها تل أبيب لإقناع مصر باستقبال جميع سكان غزة وتوطينهم في أراضيها، مقابل شطب كل ديون مصر أمام صندوق النقد الدولي. كما كشفت صحف أميركية عن خطط تهجير مماثلة لأهالي غزة، وهي الخطط التي أعلنت القاهرة عن رفضها وبقوة.

وبشكل أكثر تفصيلاً، رصدت صحيفة "إسرائيل هيوم" صورة وصفية تبيِّن بوضوح الحسابات التي أجراها مصمِّمو هذه الخطّة بغية جذب اهتمام الكونغرس الأميركي، من خلال اتِّباع أسلوب الإقناع والبرهنة بالأرقام على قدرة تلك الدول على استيعاب اللاجئين من غزّة.

وأشار عرَّابو الخطّة إلى أنّ مصر التي يصل عدد سكانها إلى 110 ملايين نسمة وتحصل سنوياً على مساعدات أميركية بقيمة 1.3 مليار دولار، قادرة على استقبال مليون لاجئ فلسطيني من غزّة، أي ما يعادل 0.9% من تعدادها السكاني.

وبحسب الخطة التي تم تسريبها قبل أيام، فإنّ تركيا التي يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة وتستلم 150 مليون دولار سنوياً من الولايات المتَّحدة لها القدرة على استيعاب 500 ألف لاجئ فلسطيني من غزّة، أي ما يعادل 0.6% من تعدادها السكاني.

كما شملت الخطّة الإسرائيلية - الأميركية العراق أيضاً الذي يحصل سنوياً على مساعدات من البيت الأبيض بقيمة مليار دولار، والقادر على استقبال 250 ألف لاجئ فلسطيني، أي ما يعادل 0.6% من تعداده السكاني البالغ 43.5 مليون نسمة.

والأمر سيان بالنسبة لليمن الذي تُخصِّص له الولايات المتَّحدة سنوياً مساعدات مالية بقيمة مليار دولار، الأمر الذي يؤهِّله للانضمام إلى قائمة الدول المستضيفة للاجئين الفلسطينيين، وتحديداً 250 ألف لاجئ، أي ما يقارب 0.75% من تعداده السكاني البالغ 33 مليون نسمة.

تدعو هذه الخطّة الولايات المتَّحدة إلى ربط مساعداتها الخارجية، الممنوحة أصلاً لأسباب سياسية، وأمنية، واستراتيجية أخرى تخدم المصالح الأميركية، بشرط إضافي جديد يهدف أساساً إلى إخلاء الساحة لإسرائيل وتمكينها من تنفيذ أجندتها وضمّ غزّة والاستيلاء على ثرواتها.

ويرى مقترحو هذه الخطّة أنّ المساعدات الأميركية لا ينبغي أن تُمنَح دون انتزاع المزيد من التنازلات وتحقيق إنجازات فعلية تخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية، متحجِّجين في ذلك بوجود متَّسع كافٍ في تلك الدول التي تتلقَّى سنوياً مساعدات أميركية لاستيعاب لاجئين إضافيين يمثِّلون أقل من 1% من سكانها.

دعَّم مصمِّمو هذه الخطّة اقتراحهم أيضاً بحجّة أنّ استضافة الدول الأربعة المرشَّحة للاجئين الفلسطينيين لن تكون المرّة الأولى التي تستقبل فيها دول أخرى لاجئين فارِّين من ويلات الحروب.

واستعانوا في ذلك بالإحصائيات التي نشرتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حول أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء السوريين والأوكرانيين الذين فرّوا من بلدانهم إلى دول أخرى.

فقد فرَّ 6.7 ملايين سوري من سورية إلى تركيا، لبنان، الأردن، مصر، ودول أوروبية منذ بداية الحرب السورية في عام 2011، كما فرَّ أكثر من 6 ملايين أوكراني من بلادهم جرّاء الغزو الروسي، حيث استقبلت بولندا وحدها حوالي 1.2 مليون لاجئ أوكراني، بينما استقبلت ألمانيا وجمهورية التشيك معاً ما يقرب من 1.5 مليون لاجئ.

يحاول واضعو هذه الخطّة المتعلقة بتهجير أهالي غزة إقناع أعضاء الكونغرس الأميركي بإعادة تطبيق نموذجي اللجوء السوري والأوكراني على اللاجئين الفلسطينيين من غزّة، مؤكِّدين نجاح النماذج والتجارب سالفة الذكر.

كما أشاد عرَّابو هذا الاقتراح بالدور الكبير الذي تلعبه المفوضية السامية للأمم المتَّحدة لشؤون اللاجئين "UNHCR" في إعادة توطين اللاجئين في جميع أنحاء العالم.

وندَّدوا في الوقت ذاته بدور وكالة الأمم المتَّحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "UNRWA" التي تُعدّ من وجهة نظرهم مجرد وسيلة لاستدامة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وحثُّوا على إغلاقها نظراً لعدم تقاطع خدماتها مع المصالح الإسرائيلية الحالية.

جدير بالذكر أنّ وكالة "الأونروا" قد اُسِّست خصِّيصاً لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين حصراً وإيجاد فرص عمل لهم، ويتمّ تمويلها من قبل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتَّحدة والاتِّحاد الأوروبي وبعض الحكومات الإقليمية.

وسبق للحكومة الأميركية، التي تُعدّ أكبر متبرِع للأونروا بمبلغ 350 مليون دولار سنوياً، أن حجبت 65 مليون دولار عن هذه الوكالة في يناير/كانون الثاني 2018، بعد أن قوبل قرار الرئيس السابق دونالد ترامب المتعلِّق بإعلان القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل بالرفض من قبل الفلسطينيين.

وأفاد ترامب آنذاك في تغريدة له على تويتر بأنّ الولايات المتَّحدة دفعت للفلسطينيين مئات الملايين من الدولارات سنوياً ولم تحصل على تقدير أو احترام.

موقف
التحديثات الحية

وجاء ذلك القرار التعسُّفي بحق أكثر من 5.9 ملايين لاجئ فلسطيني يستفيد من خدمات الوكالة، بهدف إجبار الفلسطينيين على العودة إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل من ناحية، وإعادة تقييم الطريقة التي تعمل بها وتُموَّل بها الوكالة بشكل جذري يتماشى مع مصالح إسرائيل وحليفتها أميركا من ناحية أخرى.

كما سبق أيضاً لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن نادى بضرورة تفكيك وكالة الأونروا ودمج أجزائها وتحويل تمويلها إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الأجدر بالتمويل من وجهة نظره.

خلاصة القول، يسعى الكيان الصهيوني إلى إقناع الولايات المتَّحدة بوصوله إلى نقطة اللاعودة التي تتطلَّب إفراغ قطاع غزّة من الفلسطينيين وضمِّه والاستحواذ على ثرواته.

وتستمرّ الجهود الأميركية بدورها في إقناع الدول المحيطة بمحور الصراع الإسرائيلي الفلسطيني باستقبال اللاجئين الفلسطينيين، الذين يتمّ تهجيرهم من ديارهم قسراً لا طوعاً، بالاعتماد على جزرة المساعدات وعصا العقوبات. وبين المساعي الصهيونية الخبيثة والمباركة الأميركية الثابتة، ستبقى القضية الفلسطينية عصيَّة على التصفية.

المساهمون