المتقاعدون السوريون.. عمر كامل في العمل مقابل 12 دولاراً في الشهر

01 اغسطس 2023
الغلاء الفاحش يضرب مرتبات المتقاعدين (Getty)
+ الخط -

أصدرت بعض النقابات السورية خلال الأشهر القليلة الماضية قرارات تتعلق برفع الرواتب التقاعدية لموظفيها، بحيث يحصل المتقاعد على راتب شهري كامل بعد قضاء الفترة الزمنية للتعاقد مع النقابة والتي تزيد عن 30 عاماً أو بلوغ السن القانوني للتقاعد والبالغ 60 عاماً.

وفي حال قدم استقالته قبل نهاية فترة التعاقد أو بلوغ السن القانوني للتسريح من الوظيفة، يحصل على راتب تقاعدي نسبي أو تعويض عن سنوات الخدمة بما يعادل حالياً 75 ألف ليرة وسطياً عن كل عام خدمة.

في هذا الصدد، توقع نقيب الأطباء السوري غسان فندي رفع الراتب التقاعدي للأطباء عن الحد المقرر وهو 40 ألف ليرة سورية.

وقال في تصريح لصحيفة الوطن المقربة من النظام: "ليس جديداً على سورية تصدير العقول ومنها الأطباء السوريون الموجودون في أوروبا وكل البلاد العربية قبل سنوات الحرب، لكن خلال السنوات الأخيرة كانت هناك حرب معلنة لتهجير العقول السورية".

وكانت نقابة المهندسين قد رفعت السقف التقاعدي في نهاية شهر مايو/أيار الماضي ليصل إلى 125 ألف ليرة، في حين استطاعت نقابة المحامين رفع الراتب التقاعدي لمنتسبيها ليصل إلى 200 ألف ليرة كحد أدنى بعدما كان يقل عن 70 ألف ليرة.

من جانبه، يقول عدنان حمزة، الموظف السابق في وزارة الزراعة، لـ"العربي الجديد"، إنه بعد خدمة تجاوزت 36 عاماً يقبض راتبا تقاعديا قدره 102 ألف ليرة شهرياً، وهو ما يعادل مصروف يوم واحد في ظل الغلاء الفاحش للأسعار، ويذهب من مرتبه مبلغ 60 ألف ليرة ثمن دواء لمرض مزمن، وما تبقى يكفي لشراء 30 بيضة وأجور النقل من بلدته إلى الصراف لاستلام الراتب.

ويضيف حمزة: "كنّا نستقبل قبل الأحداث السورية عددا من السياح المسنين القادمين من دول أوروبا وغيرها لقضاء رحلات نهاية الخدمة أو التقاعد، فيما تكافئنا حكومتنا بسحب البطاقة الصحية وتحرمنا من حق العلاج المجاني".

وتسحب الحكومة السورية بطاقة التأمين الصحي من جميع الموظفين المدنيين والعسكريين عند التقاعد أو التسريح من الخدمة، باستثناء العاملين في وزارة التربية، حيث يحتفظ المعلم ببطاقة صحية تسمح له بعلاج نسبي يصل إلى 70 بالمائة من مصاريف العلاج والأدوية، وهذه أيضا مشروطة بحسب توفر الدواء السوري وفي المراكز والصيدليات التي تحددها مديرية التربية.

في حين تؤكّد مدرّسة متقاعدة، فضلت عدم الكشف عن هويتها، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المدرس يحصل على تأمين صحي سنوي يعادل 70 ألف ليرة أدوية، وأقل من 200 ألف للتنظير والتصوير الشعاعي والعمل الجراحي في المشافي الخاصة، وهذه الأرقام لا تشكل 10 بالمائة من علاج أي متقاعد يزيد عمره عن 60 عاماً.

أما الراتب التقاعدي للمدرس أو موظف التربية فيراوح بين 65 و90 ألف ليرة بحسب الفئات أو الدرجات.

وذكر موقع "أخبار الاقتصاد السوري"، بتاريخ 7 مايو/أيار، أن الراتب التقاعدي للصحافيين السوريين لا يتجاوز 20 ألف ليرة سورية، وهو ما يعادل دولارين بسعر الصرف الحالي، وقد كان قبل الأزمة السورية 7.5 آلاف ليرة، أي ما يعادل 150 دولارا حينها.

وأضاف الموقع أن هذا التدني يعود لضعف المردود المادي لصندوق متقاعدي النقابة.

فيما رفعت نقابة أطباء الأسنان الراتب التقاعدي خلال السنوات الماضية من 30 ألفاً إلى 60 ثم 100 ألف ليرة سورية، وهذا يعود لقوة المردود الذي تحققه النقابة.

من جانبه، يقول طبيب فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إن معظم الأطباء الذين لم يجدوا فرصة مناسبة للعمل والربح الجيد خارج مؤسسات الدولة هاجروا، وبالتالي تنازلوا عن مستحقاتهم في التعويض أو التقاعد، ومن بقي في البلد لا يعنيه الراتب التقاعدي ولا حتى يفكر به، فهو لا يعادل مردود ساعات لأي طبيب بأي اختصاص إذا كان ما زال على رأس عمله، والمشكلة في الرواتب التقاعدية لكل من عمل في مؤسسات الدولة وتقاعد قبل الأزمة السورية أو في السنوات الأولى منها، فهؤلاء لا يمكنهم العودة للعمل لأسباب التقدم بالعمر والعجز والأمراض، وفي الوقت نفسه الراتب التقاعدي لا يكفي حاجات عائلة لثلاثة أيام في أحسن الأحوال.

ويرى عقيد متقاعد من جيش النظام، فضّل أيضاً عدم الكشف عن هويته، وكان قد استقال من الخدمة عام 2006 براتب تقاعدي 15 ألف ليرة، أي ما يعادل 300 دولار حينها، أن راتبه التقاعدي كان يكفي مصاريف عائلته الصغيرة، ويخصص جزءا منه لشراء الكتب الثقافية والعلمية حتى أصبحت لديه مكتبة كبيرة تحتوي على العشرات من الكتب وبكلفة إجمالية لا تقل عن 120 ألف ليرة، مايعادل 2400 دولارا.

أما اليوم وبعد الزيادات خلال السنوات الماضية فقد بلغ راتبه 123 ألف ليرة، أي 13 دولارا بالسعر الحالي، وقد باع مكتبته كاملة قبل أشهر نتيجة الحاجة للطعام بمبلغ 1.5 مليون ليرة، وهو ما يعادل 200 دولار.

المتقاعدون من المؤسسات الحكومية ينقسمون كما الشعب السوري إلى شريحتين، إحداهما أقلية استطاعت أن تؤمن مستقبل تقاعدها بعيداً عن الحاجة للراتب التقاعدي، وأخرى مسحوقة كما معظم الشعب السوري، تحاول بشتى الوسائل والطرق المتاحة لأعمارها تأمين دخل شهري إلى جانب الراتب التقاعدي للوصول للحد الأدنى من البقاء على قيد الحياة.

موقف
التحديثات الحية

ويقول أحد العاملين في مديرية التموين بدمشق لـ"العربي الجديد": "بلغتُ السن القانوني للتقاعد منذ عامين، ولم أقدم طلب استقالة، فراتبي التقاعدي لا يعادل جزءا بسيطا من الفائدة التي أجنيها بطريقة أو بأخرى في العمل، وهذا ليس سرا، وجميع الموظفين بكل المؤسسات يتدبرون أمورهم بطريقة أو بأخرى". ويضيف الموظف أنه يجهد لتأمين رأسمال وعمل خاص قبل خروجه من الوظيفة، وإلا فإنه سوف يصبح من المتسولين.

وتشير بعض الدراسات الاقتصادية التي تظهر كل شهر إلى حاجة الأسرة السورية المؤلفة من أربعة أشخاص إلى مبلغ لا يقل عن 3 ملايين ليرة سورية شهرياً كحد أدنى للمعيشة، وتتغير هذه الدراسات بحسب تغير سعر الصرف اليومي للدولار وما يرافقه من ارتفاع بأسعار المواد الغذائية وأجور السكن والنقل والاتصال وغيره.

المساهمون