يواجه ملف النفط في ليبيا الانتقال إلى مستوى جديد من مستويات الصراع. فبعد أن فشلت محاولات وقف تدفق إنتاجه، خصوصا مع وجود ممانعة دولية في ذلك، اتجه المتصارعون في المشهد الليبي إلى إقحام المؤسسة القضائية في دائرة الصراع، بهدف الاستفادة من إيرادات النفط لدعم مواقفها وتنفيذ مصالحها السياسية.
وأعلن رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، برئاسة أسامة حماد، مساء أمس السبت، أنها استكملت إجراءات الحجز الإداري على الأموال المتعلقة في "باب التنمية فقط" من دون المساس ببند الرواتب التي تُصرف من الباب الأول في الموازنة العامة.
وأكد أنها "ستتخذ الإجراءات القانونية باللجوء إلى القضاء الليبي، لتعيين حارس قضائي على الأموال المحجوزة. وإذا استدعى الأمر فإنها سترفع الراية الحمراء، وتمنع تدفق النفط والغاز، وتوقف تصديرهما باللجوء إلى القضاء، واستصدار أمر بإعلان القوة القاهرة".
واتهم بيان الحكومة "المؤسسة الوطنية للنفط بتمكين حكومة الوحدة الوطنية التي وصفتها بـ"الحكومة منتهية الولاية" من "الاستحواذ على ما قيمته 16 مليار دولار، لتضاف إلى ما أهدرته من أموال ومليارات من دون وجه حق، خلافا للقانون واللوائح المعمول بها في ليبيا"، بحسب البيان.
وتلا بيان الحكومة، بيان للجنة الطاقة والموارد الطبيعية في مجلس النواب، أكدت فيه دعمها إجراءات وزارة التخطيط والمالية في الحكومة المكلفة من البرلمان بشأن الحجز الإداري على إيرادات النفط.
وفيما قدرت اللجنة وصول إيرادات النفط إلى أزيد من 130 مليار دينار ليبي (نحو 27 مليار دولار)، أكد أن الحجز الإداري على تلك الإيرادات "يمنع العبث بها، وصرفها في غير الاتجاه والأصول الصحيحة التي تعود بالنفط على شعبنا"، ودعت حكومة حماد إلى المضي قدما في تنفيذ إجراءاتها.
القضاء على خط الصراع
ودخل القضاء في ليبيا على خط الجدل بين الأطراف الليبية المصاحب لملف النفط، منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، إذ وجّه رئيس الحكومة الحالي للحكومة المكلفة من مجلس النواب، أسامة حماد، بصفته وزيرا للمالية والتخطيط وقتها، خطابا إلى النائب العام ورئيس هيئة الرقابة الإدارية ورئيس ديوان المحاسبة ورئيس هيئة مكافحة الفساد، اتهم فيه رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، بارتكاب ما وصفه بـ"جرائم ومخالفات مالية جسيمة".
كما رفع، في يناير/كانون الثاني الماضي، شكوى أمام القضاء ضد الحكومة في طرابلس، مطالبا بوقف قرارها بشأن تعلية مخصصات الباب الثالث (باب التنمية) ضمن الموازنة العامة، وقبلت محكمة في بنغازي شكوى حماد ووقف قرار الدبيبة.
والخميس الماضي، أعلنت دائرة القضاء الإداري في محكمة استئناف بنغازي، رفضها الطعن المرفوع من المؤسسة الوطنية للنفط الذي قدمته أمام المحكمة بشأن قبول شكوى حماد الخاصة بالحجز الإداري على إيرادات النفط وحسابات المؤسسة الوطنية للنفط.
وفور إعلان دائرة القضاء الإداري عن حكمها، أعلن حماد، الخميس الماضي، أن حكومته "ستشرع فورا في تعيين حارس قضائي على أمول النفط"، مشيرا إلى أن هدفها "حماية المال العام من النهب الممنهج والمستمر".
وكان رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، أصدر، منتصف الشهر الجاري، قراراً بتشكيل لجنة لوضع "تصور لإعادة هيكلية الميزانية العامة الدولة"، مؤكداً "ضمان حق الأجيال القادمة في ثروة وطنهم، بحيث تقسم المبالغ المخصصة للبابين الثاني والثالث في الميزانية العامة إلى نسبتين مئويتين".
وطالب القرار بأن "تودع النسبة الأولى في الحسابات المالية المفتوحة لدى مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، وتودع النسبة الثانية في الحسابات المالية المفتوحة لدى مصرف ليبيا المركزي في بنغازي، على أن تتم عملية الإيداع والتحويل باستقطاع هذه النسب مباشرة من إيرادات ومبيعات النفط والغاز ومشتقاته".
ويترأس اللجنة، وفقاً للقرار، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، بالإضافة إلى عضوية مندوبين اثنين من غرب وشرق البلاد عن فرعي المصرف المركزي وديوان المحاسبة والرقابة الإدارية.
وجاء القرار تجاوباً مع مطالب رئيس لجنة الطاقة بمجلس النواب، عيسى العريبي، الذي طالب، في أثناء جلسة مجلس النواب منتصف الشهر الجاري، بوقف تدفق النفط، متهماً حكومة الوحدة الوطنية بطرابلس بالتصرف في عائدات النفط، دون أن تستفيد مناطق البلاد الأخرى، ولا سيما شرق وجنوب ليبيا، على حد تعبيره.
وفي استشعار لخطورة القرار وتبعاته، عقد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، لقاءً برئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، بعد صدور قرار مجلس النواب بيومين، بمقر ديوان المحاسبة في طرابلس، ناقشا خلاله الاتفاق الحكومي عن النصف الأول من العام الحالي.
ووفقاً للمكتب الإعلامي للحكومة في طرابلس، فإن "حكومة الوحدة الوطنية تصرف مرتبات العاملين بالدولة الليبية كافة دون استثناء، ومخصصات الباب الثاني لمؤسسات الدولة كافة وفق المعتمد من وزارة المالية".
وأشار البيان إلى أن "79% من إجمالي الإنفاق خلال النصف الأول ذهب للمواطن مباشرة، في شكل مرتبات وعلاوة الزوجة والأبناء ومنح الشهداء وطلبة الجامعات ودعم المياه والكهرباء والخدمات العامة".
وأصدر الدبيبة قراراً بتشكيل لجنة برئاسة عدد من الوزراء وعضوية عدد من الجهات الحكومية والرقابية، تتولى بموجبه "إعداد مقترح توزيع ميزانية التنمية للعام" الحالي، مع مراعاة الأولوية للمشروعات الجاري تنفيذها بما يضمن استكمالها.
وأثناء لقائه بالمبعوث الأممي، عبد الله باتيلي، في 18 من الشهر الجاري، استعرض الدبيبة ملف الإنفاق الحكومي خلال النصف الأول من العام الجاري، منوهًا بـ"ضرورة استمرار التوزيع العادل للإنفاق على جميع المواطنين في مختلف المناطق"، موضحا أن "أكثر من 80% من الإنفاق يذهب بشكل مباشر ومتساوٍ إلى كل المواطنين من خلال المرتبات والعلاوات والدعم".
( الدولار = 4.8 دنانير ليبية)