ربما يدخل الاقتصاد العالمي خلال الأشهر المقبلة المنعطف الخطر، إذ بات يتأرجح بين التباطؤ والركود الاقتصادي، أو حتى احتمال "الركود التضخمي" كما تقول المؤشرات الأميركية، حيث تضخم مرتفع ومتواصل ورفع مستمر في سعر الفائدة على الدولار.
ويبدو أن هنالك شبه إجماع وسط المحليين وبنوك الاستثمار الكبرى وخبراء الاقتصاد والاستثمار ورجال الأسواق أن الاقتصاد الأميركي والعالمي يتجه نحو الركود الاقتصادي أو حتى الكساد الكبير خلال العام المقبل.
ويستبعد العديد من رجالات المصارف والاستثمار أن يتمكن الاقتصاد العالمي من تفادي دورة الركود الخطر أو الكساد وسط المؤشرات الحمراء والاضطراب في أسواق المال.
في هذا الصدد حذّر الرئيس التنفيذي لمصرف "جي بي مورغان تشيس " جيمي ديمون، يوم الإثنين الماضي من أن الاقتصاد الأميركي سيدخل مرحلة الركود الاقتصادي خلال فترة تتراوح بين 6 إلى 9 أشهر من الآن.
رئيس "جي بي مورغان": الاقتصاد الأميركي سيدخل مرحلة الركود الاقتصادي خلال فترة تتراوح بين 6 إلى 9 أشهر من الآن
وفي بداية يونيو الماضي قال ديمون، إنه يهيّئ أكبر بنك في الولايات المتحدة لمواجهة إعصار اقتصادي يلوح في الأفق، ناصحا المستثمرين بفعل الشيء نفسه.
وفي الصدد ذاته، حذّر الاقتصادي الأميركي بجامعة ييل الأميركية، ستيفن روش في تعليقات نقلتها نشرة "كابيتاليست" الأميركية من أن الاقتصاد الأميركي يتجه نحو الركود الاقتصادي، وسيتسبب ذلك في مشاكل عديدة للأعمال التجارية وخسائر الوظائف ومخاطر الإفلاسات للشركات.
من جانبه تساءل البنك الدولي عما إذا كان الركود الاقتصادي بات أمراً حتمياً على المستوى العالمي. وقال على موقعه، على الرغم من تشديد السياسة النقدية عبر رفع أسعار الفائدة، فإن التضخم يواصل الارتفاع إلى أعلى مستوياته منذ عدة عقود في العديد من البلدان.
ولاحظ اقتصاديون أن هنالك خمسة عوامل رئيسية تهدد العالم في الوقت الحالي. الأول، استعار نار الحرب الروسية على أوكرانيا وتهديدات الروسي فلاديمير بوتين باستخدام أسلحة نوعية، وتداعيات العقوبات الغربية على سلاسل الإمدادات من السلع الرئيسية، وهذه العوامل تزيد من الحذر الاستثماري في أسواق المال وتدفع تلقائياً مؤشرات البورصات إلى اللون الأحمر.
والثاني هو غلاء أسعار الطاقة والغذاء وبعض المعادن وفشل سياسات التشديد النقدي التي اتخذها البنك المركزي الأميركي والبنوك المركزية العالمية الكبرى في خفض معدل التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا والعديد من الدول الناشئة عبر ألية رفع سعر الفائدة.
وثالث الأسباب وفق محللين: التداعيات السالبة لقوة الدولار مقابل العملات العالمية وما نتج عن ذلك من هروب الاستثمارات من أسواق العالم إلى الأصول الدولارية والأسواق الأميركية.
أما رابع الأسباب فيكمن في ندرة الأموال المتاحة لتحريك القوة الشرائية والاستثمارية في العديد من أسواق العالم. أما العامل الخامس فهو التباطؤ الاقتصادي في الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بسبب السياسات القاسية لمكافحة جائحة كورونا.
5 عوامل رئيسية تهدد العالم في الوقت الحالي. الأول، حرب أوكرانيا وتهديدات بوتين باستخدام أسلحة نوعية
وكانت الصين واقتصادات النمور الآسيوية في الغالب تنتشل العالم من هاوية الركود الاقتصادي والكوارث المالية مثل تلك التي حدثت في عام 2008 إبان الأزمة المالية العالمية.
على الصعيد الأميركي هنالك مجموعة مؤشرات يذكرها الاقتصاديون على أن الاقتصاد الأميركي دخل مرحلة الركود الاقتصادي ولم يعد السؤال المتداول في أوساط خبراء المال والاقتصاد: هل سيدخل أكبر اقتصاد في العالم دورة الركود أم لا، ولكن متى سيحدث الركود الاقتصادي وهل سيكون قاسياً أم لا؟
في ذات الشأن ترى شركة "نيد ديفيز" الأميركية للأبحاث المشهورة بصحة تنبؤاتها بحدوث أزمة أسواق المال العالمية في عام 2008، أن هنالك فرصة 98% لدخول الاقتصاد الأميركي مرحلة الركود الاقتصادي.
ومن بين المؤشرات الخطرة التي تناولتها الشركة التراجع الكبير في القوة الشرائية أو الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة. ويعد الإنفاق الاستهلاكي من أهم مؤشرات النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، إذ تمثل القوة الشرائية ثلثي الناتج المحلي الإجمالي أو ما يعادل نحو 18 تريليون دولار.
من جانبها حذرت شركة فيدكس الأميركية من تراجع الطلب على خدماتها وبطاقاتها المالية وأن أرباحها ربما تتراجع بأكثر من 40% خلال الربع الأخير من العام الجاري.
وفي واشنطن حذّر صندوق النقد الدولي من أن إعادة التسعير الجارية للأصول في الأسواق ترفع من إشارات المخاطر، قائلاً إن أخطار الاستقرار المالي العالمي قد زادت في العالم.
وقال كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي في بيان إن "الاقتصادات الثلاثة الأكبر وهي الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو، ستستمر في التعثر".
المنتدى الاقتصادي العالمي في تحليل واستطلاع بين خبراء الاقتصاد يرى أن المشهد الجيوسياسي العالمي المعقد يزيد من هشاشة الاقتصاد
وقال الصندوق إن الضغوط المتصاعدة من التضخم وأزمات الطاقة والغذاء التي سببتها الحرب وارتفاع أسعار الفائدة تدفع العالم إلى حافة الركود.
ويرى المنتدى الاقتصادي العالمي في تحليل واستطلاع بين خبراء الاقتصاد أن المشهد الجيوسياسي العالمي المعقد يزيد من هشاشة الاقتصاد العالمي.
وحسب استطلاع لآراء مجموعة من الاقتصاديين أجراه المنتدى فإن التطورات الجيوسياسية باتت تلعب دورا متزايد الأهمية في تشكيل الاقتصاد العالمي.
وقال إن الحرب في أوكرانيا باتت تهدد أمن الغذاء والطاقة في العالم. وحسب المسح يرى أكثر من 85% من المشاركين في الاستطلاع أن المخاطر الجيوسياسية تواصل تهديد تهدد النشاط الاقتصادي العالمي.
بينما يقول ثلثا الذين شملهم الاستطلاع أن سلاسل التوريد تواجه مرحلة رمادية وربما تتراجع العولمة تدريجياً ويحل محلها الاستقطاب الحاد في توزيع الموارد الرئيسية وفقاً لما تفضي إليه الحرب الروسية على أوكرانيا.
وفي بريطانيا التي شهدت أكبر اضطراب في أسواقها خلال شهر سبتمبر/ أيلول الماضي كادت أن تنهي دور الجنيه الإسترليني في أسواق الصرف العالمية، تقول شركة "أرنست آند يونغ" لتدقيق الحسابات في تقرير عن الاقتصاد البريطاني إنه سيتراجع خلال الأشهر المقبلة.
وتوقعت في بحثها أن يواصل الاقتصاد البريطاني الانكماش حتى شهر يونيو/ حزيران من العام المقبل. وتوقع أن ينمو الاقتصاد البريطاني بنسبة 0.3% خلال العام المقبل 2023.
لكن يبدو رغم هذه النظرة المغرقة في التشاؤم، فإن هنالك نقاطا مضيئة في الاقتصاد العالمي، خاصة النمو الاقتصادي في دول المنطقة العربية المنتجة للطاقة، وكذا الحال بالنسبة للاقتصاد الهندي واقتصاديات أميركا الجنوبية التي تمكنت من الحفاظ على قوة عملاتها مقابل الدولار.