السودان: انهيار غير مسبوق للجنيه والتجار يحجبون السلع

09 فبراير 2021
صرافة في العاصمة السودانية الخرطوم (فرانس برس)
+ الخط -

دفعت المضاربات الحادة سعر صرف الدولار نحو صعود قياسي جديد أمام الجنيه السوداني المأزوم، منذ بداية الأسبوع الجاري، الأمر الذي انعكس سريعاً على أسعار مختلف السلع في الأسواق لتسجل بدورها قفزات جديدة، بعد أن حجب منتجون وتجار العديد من المنتجات لتحقيق مكاسب أكبر.

ولامس سعر الدولار في السوق الحرة مستوى 400 جنيه، أمس الاثنين، مقابل نحو 368 جنيهاً يوم الجمعة الماضي، فيما تتسع هوة الأسعار بين السوقين الرسمية والسوداء، حيث يُثبت بنك السودان المركزي سعر صرف العملة الأميركية عند نحو 55 جنيهاً.

وأضحت العملات الأجنبية ملاذ الكثيرين من أصحاب المدخرات للحفاظ على أموالهم من التآكل، فضلاً عن لجوء المستوردين إلى السوق السوداء لتوفير السيولة اللازمة لأنشطتهم، ما يعزز من المضاربات الجارية.

وقال متعاملون في سوق العملة لـ"العربي الجديد" إن الارتفاع الأخير لسعر الدولار يرجع إلى تزايد الطلب عليه، وخاصة في ظل شحّ المعروض، متوقعين مزيداً من الارتفاع خلال الأيام المقبلة، في ظل عدم الاستقرار الذي تشهده البلاد سياسياً واقتصادياً.

وانهار الجنيه السوداني بأكثر من 50% منذ بداية العام الجاري في السوق الحرة، وفق رصد لـ"العربي الجديد"، إذ استهل العام عند نحو 262 جنيهاً للدولار.

ويشكو مواطنون ندرة في العديد من السلع بالأسواق، وحجب تجار الكثير من المنتجات في الأيام الأخيرة لتحقيق مكاسب أكبر، فيما أكد مسؤول في إحدى شركات الأغذية فضل عدم ذكر اسمه، توقف الكثير من المصانع، ليس فقط في الأغذية، بل في قطاعات أخرى عن البيع لاستمرار تدني قيمة الجنيه مقابل الدولار، مشيراً إلى عدم قدرة المنتجين على تسعير منتجاتهم مع ارتفاع العملة الأميركية وزيادة أسعار السلع والخدمات كافة.

وحمّل مصرفيون السياسات الاقتصادية الحكومية مسؤولية تهاوي العملة واعتماد السلطات على بنك السودان في تمويل عجز الموازنة، بينما رفض مسؤولو البنك المركزي التعليق في اتصالات لـ"العربي الجديد".

وقال محمد عبد الرحمن أبو شورة، المدير السابق لأحد البنوك، إنّ "انهيار الجنيه لهذا المستوى أمر حتمي في ظل العجز الكبير في موازنة الدولة ولجوء الحكومة إلى تمويل العجز من خلال البنك المركزي، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة عرض النقود وارتفاع الأسعار وتراجع قيمة العملة، ولا سيما في ظل تدني الإنتاج".

وأضاف أبو شورة: "الحكومة الانتقالية في مقعد المتفرج لما يحدث للجنيه، ولا تتدخل لمنع انهياره"، مشيراً إلى ضرورة تشجيع الاستثمار في ما تسمى "شهادات شهامة" الادخارية وزيادة ربحيتها لجذب مدخرات المواطنين لإنعاش الجنيه، وزيادة الصادرات وإعادة حصيلة الصادرات للدولة ومراقبة الاستيراد وخفض الإنفاق الحكومي وإيقاف تمويل عجز الموازنة من بنك السودان.

ووفق المحلل المصرفي مصطفى عبد الله، فإن انهيار الجنيه حصل بفعل غياب الانضباط المالي، الذي ترتب عنه عجز تجاوز 184 مليار جنيه في موازنة العام الماضي 2020، مشيراً إلى أن من المتوقع زيادة العجز، ولا سيما أن الحكومة قدرت الإيرادات في موازنة العام الجاري بنحو 938 مليار جنيه، غالبيتها من المنح وإيرادات في خانة التوقعات.

واستبعد المدير العام لأحد المصارف الكبرى في العاصمة الخرطوم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، حدوث انتعاش قريب لقيمة العملة الوطنية، ما لم تتجه الحكومة الانتقالية إلى خفض الإنفاق العام لكونه من القطاعات الأكثر طلباً للدولار بالسوق، ما يرفع أسعاره إلى المستويات الحالية.

وتنذر الصعوبات المالية والمعيشية الحالية لأغلب السكان بتفجر موجة غضب جديدة، بينما كانت العديد من أحياء الخرطوم قد شهدت نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، احتجاجات متفرقة على غلاء السلع الضرورية وندرتها، حيث يعاني السودانيون، منذ أشهر من ندرة في الخبز والوقود والدواء وغاز الطهو، وزيادة شبه يومية في أسعار السلع الضرورية مثل السكر والألبان واللحوم، بسبب تدهور قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية.

وقفز معدل التضخم إلى مستويات قياسية جديدة على أساس سنوي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مسجلاً 269.33% مقابل 254% في نوفمبر/ تشرين الثاني، وفق بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء منتصف الشهر الماضي.

وأظهر رصد لـ"العربي الجديد" تسارع وتيرة ارتفاع التضخم السنوي منذ بداية العام الماضي، حيث بلغ في يناير/ كانون الثاني 2020 نحو 64.2% قبل أن يسجل قفزات متتالية دون توقف.

المساهمون