تسيطر حالة من الركود والتراجع على سوق إيجار المحال التجارية في قطاع غزة على مستوى الأسواق الشعبية والعامة، أو حتى المحال الواقعة في المخيمات المكتظة بالسكان والحركة والأحياء المعروفة بنشاطها الاقتصادي، في ضوء تراجع الحركة الشرائية بشكل لافت في العامين الماضيين.
وأوصدت الكثير من المحال التجارية أبوابها، حتى تلك الواقعة في قلب الأسواق الشعبية والعامة، التي كان من الصعب سابقاً العثور على محال فارغة فيها، فيما يرفع أصحابها لافتات أو يخطون عليها عبارات بأنّها معروضة للإيجار ومتاحة أمام الراغبين في استئجارها.
وبالتوازي مع ذلك، أغلقت البلديات المشرفة على بعض الأسواق العامة جانباً من هذه المحال نظراً لتراكم الإيجارات على أصحابها وعدم مقدرتهم على تسديدها، في الوقت الذي أصبح فيه بعض أصحاب هذه المحال والتجار ملاحقين على قضايا ذمم مالية، نظراً لتردي الأوضاع الاقتصادية.
أغلقت البلديات المشرفة على بعض الأسواق العامة جانباً من هذه المحال نظراً لتراكم الإيجارات على أصحابها وعدم مقدرتهم على تسديدها
ويقول الوسيط في مجال العقارات، محمود صلاح، إنّ سوق العقارات يشهد ركوداً غير مسبوق ومتزايداً في العامين الأخيرين، بفعل تردي التجارة وحالة الكساد غير المسبوقة التي أصابت الأسواق، في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وندرة السيولة النقدية المتوافرة بين السكان.
ويوضح صلاح لـ "العربي الجديد" أنّ حالة الركود والإغلاق للكثير من المحال التجارية جعلت أصحابها يتنازلون عن بعض القيمة التأجيرية المرتفعة التي كانت تطلب في بعض المناطق الحيوية، فانخفضت بعض المناطق من 10 آلاف دولار أميركي في العام لتصبح 8 آلاف دولار وربما أقل، وانخفض البعض الآخر من 7 آلاف دولار ليصبح 5 آلاف دولار.
ويشير إلى أنّ بعض أصحاب المحال التجارية الذين كانوا يستأجرونها لسنوات طويلة، فضّل بعضهم الخروج من السوق، والبحث عن مهن أخرى نتيجة لارتفاع أسعار الإيجارات وعدم مواءمتها لظروف الحركة الاقتصادية في العامين الماضيين وتراجع السيولة النقدية المتوافرة.
ويرجّح صلاح أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من الركود في سوق عقارات المحال التجارية مع انخفاض أسعار إيجار المحلات، وخصوصاً أمام تراجع الحركة الشرائية في مختلف القطاعات وعدم رفع الحصار الإسرائيلي المفروض، وقلة فرص العمل المتوافرة أمام سكان القطاع.
وتفاقمت نسبة البطالة لتتجاوز حاجز 60% في صفوف الشباب و80% في صفوف السيدات، في الوقت الذي ارتفع فيه معدلات الفقر بنسبة 80%، فيما يقدَّر متوسط دخل الفرد اليومي بمبلغ دولار أميركي، عدا عن ارتفاع معدل الاعتماد على المساعدات الإنسانية الخارجية.
وتتفاوت أسعار إيجار المحال التجارية وفقاً لعدة عوامل، أبرزها المنطقة الواقعة فيها، وطبيعة النشاط الاقتصادي، إذ لا تقلّ في بعض الأحيان عن مبلغ 500 دولار سنوياً، فيما تتجاوز في بعض الأحيان حاجز الـ 10 آلاف دولار في مناطق حيوية مثل حيّ الرمال، أحد أشهر أحياء مدينة غزة التجارية.
تتفاوت أسعار إيجار المحال التجارية وفقاً لعدة عوامل، أبرزها المنطقة الواقعة فيها، وطبيعة النشاط الاقتصادي، إذ لا تقلّ في بعض الأحيان عن مبلغ 500 دولار سنوياً
ورغم التفاوت في أسعار الإيجار، إلّا أنّها لا تعكس الحالة الاقتصادية والتجارية التي يعيشها القطاع، الذي خرج قبل أشهر من حرب إسرائيلية أسهمت في تدمير كبير في البنية التحتية طاولت القطاع الاقتصادي، بما في ذلك بعض المحال التجارية.
من جانبه، يقول الباحث في الشأن الاقتصادي، أسامة نوفل، إنّ هناك تراجعاً واضحاً في قدرة أصحاب المحلات التجارية على دفع إيجاراتهم، وهو ما انعكس بالسلب على سوق العقارات الخاص بالمحال التجارية، وأدخله في حالة ركود غير مسبوقة مقارنة بسنوات سابقة.
ويضيف نوفل لـ"العربي الجديد" أنّ هناك ظاهرة أصبحت واضحة في العامين الماضيين، تمثلت بعدم قدرة مستأجري هذه المحال من مختلف القطاعات التجارية على دفع ثمن إيجارات محالهم، وتعرض جزء كبير منهم للمساءلة القانونية، وأصبحوا ملاحقين في قضايا ذمم مالية.
ويرجع الباحث في الشأن الاقتصادي، أسباب التراجع في استئجار المحال التجارية إلى انخفاض هامش الربح بالقطاع الاقتصادي إلى ما دون التكلفة، وبالتالي زيادة الأعباء المالية وعدم القدرة على سداد الالتزامات، خصوصاً في ضوء تبعات جائحة كورونا على المشهد التجاري.
ووفقاً لنوفل، فإن التقديرات تشير إلى أنّ ما بين 40% إلى 50% من المستأجرين أوقفوا العمل في محالهم التجارية، وهو ما يتضح من حالة الارتفاع في إغلاق السجلات التجارية الخاصة بهم، الأمر الذي يعكس عدم قدرتهم على الصمود في السوق، تزامناً مع عدم قدرة المواطنين على شراء السلع بفعل شحّ السيولة النقدية المتوافرة.
وفقاً لنوفل، فإن التقديرات تشير إلى أنّ ما بين 40% إلى 50% من المستأجرين أوقفوا العمل في محالهم، وهو ما يتضح من حالة الارتفاع في إغلاق السجلات التجارية الخاصة بهم
وبحسب مؤشر دورة الأعمال الصادر عن سلطة النقد الفلسطينية (البنك المركزي) الذي يقيس حركة المبيعات والإنتاج، فإن واقع المؤشر في غزة يشير إلى سالب 36 نقطة، وهو يعكس حالة الركود التي يعيشها القطاع الخاص والقطاع التجاري في غزة في الفترة الأخيرة.
وعمّ الركود أرجاء أسواق القطاع، بفعل تأثر الحركة التجارية، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية وبعض السلع الأساسية والمهمة، إذ باتت تلك السلع خارج قدرة المواطن واستطاعته، الذي يعاني بالأساس من حالة اقتصادية صعبة بفعل تردي الأوضاع المعيشية، وانعدام فرص العمل، وغياب الأفق الاقتصادي.