الرئيس التركي يعلن رفع الحد الأدنى للأجور من 2826 إلى 4250 ليرة لتخفيف أثر انهيار العملة
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنفسه، على غير العادة المتبعة، رفع الحد الأدنى لأجور العاملين بنسبة أكثر من 50% لعام 2022، مؤكداً، خلال كلمة اليوم الخميس، بحضور وزير العمل وممثلين عن العمال وأرباب العمل، حرص تركيا على "تحسين مستوى معيشة المواطنين" بالنظر إلى ارتفاع الأسعار.
وقال أردوغان، خلال خطاب ألقاه بالمجمع الرئاسي في العاصمة أنقرة، برفقة وزير العمل وداد بيلغين، وممثلي نقابات العمال ومانحي العمل: "عاملنا يستحق أكثر من ذلك"، ملمّحاً إلى إلغاء بعض الضرائب، كضريبة الأجرة الصغرى وضريبة الدخل والطوابع، مؤكداً، في الوقت ذاته، عزم بلاده "على وضع حد في أقرب وقت للغموض السائد في الفترة الأخيرة جراء التقلبات في أسعار الصرف وغلاء الأسعار".
وشدد الرئيس التركي على عزم حكومته على "وضع حد في أقرب وقت للغموض السائد" في الفترة الأخيرة جراء التقلبات في أسعار الصرف وغلاء الأسعار، ملمحاً، بعد تدخل المصرف المركزي خمس مرات في السوق بشكل مباشر، لبيع الدولار، إلى "اتخاذ قرارات جديدة".
وأضاف: "أعتقد أننا سنقطع مسافة مهمة للغاية على طريق تعزيز أجواء الثقة والاستقرار من خلال إجراءات اقتصادية جديدة سننفذها".
وحول المضاربات وتراجع سعر صرف الليرة إلى نحو 15.5 مقابل الدولار اليوم الخميس، أضاف أردوغان: "لا المضاربون على أسعار الصرف والفائدة، ولا أعداء تركيا في الداخل والخارج، ولا الطامعون الجشعون، بمقدورهم تحديد مستقبل بلادنا وشعبنا".
وعن رفع سعر الحد الأدنى للأجور، أضاف: "ستُزاد رواتب العمال المتزوجين وأرباب الأسر بما يتجاوز الحد الأدنى للأجور".
ويبلغ الحد الأدنى للأجور في تركيا بعد رفع اليوم 4250 ليرة تركية، وستطبق التعرفة الجديدة للحد الأدنى لأجور العمال اعتباراً من يناير/ كانون الثاني 2022.
وشهدت لجنة تحديد الحد الأدنى، خلال الجلسة الرابعة والأخيرة للجنة المكونة من 15 عضواً يمثلون العمال وأصحاب العمل والحكومة بالتساوي، وبرئاسة وزير العمل والضمان الاجتماعي، فيدات بلغين، جدلاً خلال الاجتماعات السابقة، إذ يرى اتحاد النقابات العمالية أن الحد الأدنى لسبل عيش العامل هو 3900 ليرة، فيما يرى الاتحاد التركي لهيئة سوق العمل أن أجر 3100 ليرة مناسب، قبل التوافق اليوم على مبلغ 4250 ليرة كحد أدنى للرواتب والأجور.
وكانت لجنة تحديد الحد الأدنى للأجور قد اجتمعت في وزارة العمل اليوم الخميس، للمرة الرابعة خلال الشهر الجاري، بعد أن فشل الاجتماع الثالث، أول أمس الثلاثاء، بالوصول إلى توافق بين ممثلي العمال وأرباب العمل حول الحد الأدنى للأجور.
ويحصل أكثر من 40% من العمال في تركيا على الحد الأدنى للأجور، وفقاً لمؤسسة الضمان الاجتماعي في البلاد، ما يعني أن الزيادة ستنتشر على نطاق واسع في الاقتصاد، لأنه يطاول مباشرة نحو 7 ملايين عامل، مسجل وغير مسجل، وينعكس بشكل غير مباشر على نحو 30 مليون شخص بتركيا.
وفيما رفعت الحكومة التركية الحد الأدنى للأجور عام 2021 بنسبة 21.56%، ليبلغ صافي الحد الأدنى للأجور للعزاب 2826 ليرة تركية في الشهر، مرتفعاً عن عام 2020 البالغ 2324 ليرة تركية، جاء الرفع للعام المقبل بنسبة هي الأعلى على الإطلاق، نظراً لارتفاع نسبة التضخم وتراجع سعر صرف الليرة التركية وارتفاع الأسعار.
ويرى مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في إسطنبول، محمد كامل ديميريل، أن الحد الأدنى الذي وصلت إليه اللجنة "مناسب، لأنه يفوق كثيراً نسبة التضخم، وإذا ما أخذنا بالاعتبار الإضافات، وما يمكن أن تصدره الحكومة من دعم ضريبي، فسيكون المبلغ النهائي جيداً لحياة كريمة، رغم ارتفاع الأسعار".
ويضيف ديميريل، لـ"العربي الجديد"، أن "الحد الأدنى يطاول نحو 6 ملايين عامل رسمي في تركيا، وأكثر من مليون عامل غير مسجل، لكن الخشية اليوم بعد رفع الحد الأدنى أن يلجأ أرباب العمل لتشغيل عمال غير مسجلين "من الأخوة السوريين وغيرهم"، وقتها سترتفع نسبة البطالة بين الأتراك، وهذا ما أتوقع أن تلحظه الحكومة وتفرض غرامات وعقوبات على من لا يسجل عمالته".
وكان الرئيس التركي قد أكد أن الحد الأدنى للأجور "سيكون أعلى بكثير من المعتاد"، مضيفاً، خلال تصريحات، أن ثمة زيادة قادمة على رواتب الأطباء الاختصاصيين بقيمة 5 آلاف ليرة، والعاملين بقيمة ألفين و500 ليرة.
ويقول المحلل التركي، يوسف كاتب أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن "نسبة الزيادة مناسبة بالقياس إلى نسبة التضخم البالغة 21.3%، وقد صدرت بعد النظر إلى النفقات المتزايدة بواقع ارتفاع الأسعار وراتب البطالة وبدل العمل القصير، وحتى إعانة البطالة للعاطلين من العمل، فالحد الأدنى كان 2.825 ليرة خلال العام الجاري وسيرتفع إلى 4250 ليرة مطلع العام المقبل".
وحول ما يقال عن ارتفاع الحد الأدنى لتكاليف الأسرة التركية إلى 8 آلاف ليرة، يضيف كاتب أوغلو لـ"العربي الجديد" أن اللجنة درست بدقة تكاليف المعيشة ووضعت نسبة رفاهية أيضاً بنحو 5%، مشيراً إلى أن "الهدف تحسين مستوى المعيشة وامتصاص العاطلين بسوق العمل، عبر تأمين 1.2 مليون عمل العام المقبل، لأن تخفيض نسبة البطالة المرتفعة اليوم إلى 13.2% من أولويات الحكومة، لإعادتها إلى 12%، ومن ثم 10% عام 2023 كحد أعلى".
وفيما يرى كاتب أوغلو أن ارتفاع نسبة التضخم، الذي أحدثه تراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار، من 7.4 مطلع العام الجاري إلى أكثر من 15 ليرة اليوم، "أمر طارئ وتجري معالجته"، أكد أن حكومة بلاده "لن تبقى مكتوفة الأيدي تجاه ارتفاع الأسعار والاحتكار"، ملمّحاً إلى "محاسبة وقرارات جديدة ستصدر بالقريب العاجل".
وتشهد تركيا ارتفاعاً مستمراً لمؤشر أسعار المستهلك "التضخم" بعد تراجع سعر صرف الليرة، ما زاد من نسبة الفقراء، بعد ارتفاع حد الجوع وحد الفقر، لترتفع نسبة الفقراء، بحسب مصادر غير رسمية، من 10.2% عام 2019 إلى 12.2% العام الماضي، وتقترب من 20% نهاية العام الجاري.
وارتفعت الأسعار، بحسب رصد ومشاهدة "العربي الجديد"، خلال العام الجاري، بين 40 و150%، منها أسعار حوامل الطاقة جميعها، والخبز خلال الشهر الجاري، فضلاً عن ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية المنتجة محلياً، ولا يدخل بإنتاجها مستوردات أو دولار.
وارتفع سعر صحن البيض (30 بيضة) من 18 إلى 30 ليرة، وارتفع سعر عبوة الحليب من 6 إلى 12 ليرة وسعر كيس السكر (50 كلغ) بنحو 25 ليرة، وارتفع سعر كيلو السمنة 5 ليرات، كذلك زادت أسعار الزيوت والحبوب، وانتشرت حالات تقييد الشراء وتحديد الكمية للمستهلكين لبعض المواد الغذائية، فضلاً عن تراجع نسبة عرض السلع وتفشي الاحتكار.
كذلط ارتفعت أسعار الخضر والفواكه بين 40 و60%، والأسماك بأكثر من 120%، وزادت أسعار اللحوم والدجاج بنسبة تزيد على 70% خلال عامين.
في السياق ذاته، قفز حجم مبيعات التجزئة في تركيا، وهو مؤشر على نمو الإنفاق الاستهلاكي، بنسبة 15.2% على أساس سنوي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بحسب بيانات معهد الإحصاء التركي.
وأشارت البيانات إلى أن المبيعات غير الغذائية، باستثناء وقود السيارات، قفزت بنسبة 24.5%، بينما ارتفعت مبيعات وقود السيارات بنسبة 6% على أساس سنوي في أكتوبر/تشرين الأول، وارتفعت مبيعات المواد الغذائية والمشروبات والتبغ بنسبة 4.8% في الفترة نفسها.
وطاول ارتفاع المبيعات السلع غير الغذائية، حيث قفزت مبيعات المنسوجات والملابس والأحذية بنسبة 43.5% عن أكتوبر/تشرين الأول 2020، تليها أجهزة الكمبيوتر والكتب ومعدات الاتصالات السلكية واللاسلكية 16.7%، والسلع الطبية ومستحضرات التجميل 15.7%، لتزيد المبيعات من طريق الطلبات البريدية والإنترنت بنسبة 52.7% على أساس سنوي في أكتوبر/تشرين الأول.
وكانت دراسة سابقة عن حدَّي الجوع والفقر في تركيا، التي أجراها اتحاد نقابات العمال التركي، قد أشارت إلى تأثير الأزمة الاقتصادية التي فاقمها وباء كورونا بشكل بالغ على الأسر منخفضة الدخل، مقدرة حجم النفقات الغذائية الشهرية اللازمة لأسرة مكونة من 4 أفراد للحصول على التغذية السليمة والمتوازنة بنحو 2719 ليرة، وبلوغ حجم النفقات الشهرية الضرورية الأخرى، التي تتضمن الملابس والمسكن والمواصلات والتعليم والصحة والاحتياجات المشابهة، نحو 8856 ليرة تركية.
خفض إضافي للفائدة التركية إلى 14%
واليوم الخميس أيضاً، أعلن البنك المركزي خفض سعر الفائدة 100 نقطة أساس على عمليات إعادة الشراء "الريبو" لأجل أسبوع، ليصبح 14%، وذلك في بيان عقب اجتماع عقدته لجنة السياسة النقدية، الخميس، برئاسة المحافظ شهاب قاوجي أوغلو.
وأوضح البيان أن اللجنة قررت خفض سعر الفائدة من 15% إلى 14%، بعد تقييم العوامل التي تؤثر بالسياسة النقدية، مثل الطلب والتضخم الأساسي والعرض، مشيراً إلى أن "استمرار التحسن في ميزان الحساب الجاري، المدفوع بالطلب الأجنبي، يساهم في هدف تحقيق استقرار الأسعار".
وأكد أن البنك المركزي "سيواصل بحزم استخدام جميع الأدوات المتاحة له حتى تظهر مؤشرات قوية تشير إلى انخفاض دائم في التضخم، ويتحقق هدف 5% على المدى المتوسط، بما يتماشى مع الهدف الرئيسي المتمثل باستقرار الأسعار".
يُشار إلى أن البنك المركزي خفض سعر الفائدة في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي 100 نقطة أساس على عمليات إعادة الشراء "الريبو" لأجل أسبوع، ليصبح 15%.