الدول العربية تستورد أغذية بـ100 مليار دولار

19 يناير 2021
محل سوبر ماركت في مدينة الجزائر
+ الخط -

لم يكد يبدأ العام الجديد 2021 حتى طالعتنا منظمة الأغذية والزراعة، فاو، بخبر عن ارتفاع مؤشر أسعار الأغذية في السوق الدولية بوتيرة عالية بلغ 2.2 في المائة في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي عن مستواه في نوفمبر/ تشرين الثاني، مسجّلاً بذلك زيادةً للشهر السابع على التوالي. وعلى مستوى سنة 2020 المنقضية، سجل المؤشر أعلى مستوى له منذ ثلاث سنوات، بزيادة قدرها 3.1 في المائة عن مستواه في عام 2019.
ارتفاع مؤشر أسعار الأغذية في السوق الدولية يربك حسابات الحكومات العربية من الخليج إلى المحيط، فهي أكبر مستوردي الغذاء في العالم، وتعاني من ارتفاع فاتورة استيراد الأغذية من الخارج بالعملة الصعبة من سنة إلى أخرى، حيث وصلت قيمة فاتورة استيراد الدول العربية من الأغذية نحو 100 مليار دولار سنوياً، وفق تقرير قطاع الشؤون الاقتصادية بجامعة الدول العربية في مايو/ أيار من العام الماضي، بزيادة 10% عن قيمتها في سنة 2016، وكانت 90 ملياراً.

وستزيد معاناة الحكومات في ظل العجز المستمر في موازناتها العامة بسبب تداعيات جائحة كورونا على انكماش الاقتصاد العالمي وتراجع المتاح من الإنتاج الغذائي في السوق الدولية، وبسبب تراجع الموارد وعائدات النفط في المنطقة نتيجة انخفاض الأسعار.
ارتفاع أسعار الأغذية لا يسعد المواطن العربي أيضاً، لأنه في نهاية المطاف هو وحده من يتحمل نتائج فشل أداء الحكومات العربية في المجال الإقتصادي وغيره من المجالات.

وستشكل هذه الزيادات أعباءً إضافية على تكاليف معيشة الأسرة وسيتحملها المواطن العربي من جيبه الخاص مع فقدان الملايين لوظائفهم ومصادر دخلهم بسبب جائحة الكورونا. ذلك أن فاتورة شراء الأسلحة في المنطقة زادت بدرجة كبيرة في ظل انعدام الاستقرار السياسي وسخونة الصراعات المسلحة، ما أدى إلى تراجع قيمة الدعم الاجتماعي للسلع الغذائية في جميع الدول العربية بلا استثناء تقريباً، لكن التداعيات الأكبر ستكون في سورية والعراق واليمن والسودان ومصر والجزائر.


الأغذية الاستراتيجية
ورغم ارتفاع مؤشر أسعار الأغذية عامة، لكن أسعار مجموعة الحبوب، وأهمها القمح، المادة الأساسية في إنتاج الخبز الذي يعتبر عامل الاستقرار السياسي الأخطر للحكومات في المنطقة وأحد محركات ثورات الربيع العربي، والأرز والذرة والزيوت النباتية، هو ما يهم الحكومات والمستهلك العربي على السواء.

أما الخضروات والفاكهة، التي حققت فيها دول المنطقة الاكتفاء الذاتي فهي لا تحظى بالأهمية الاستراتيجية، وأسعارها مستقرة في أغلب أوقات السنة.

ذلك أن الدول العربية فشلت خلال نصف قرن في الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية، على أهميتها، في تحرير القرارات السياسة الخارجية للدولة من التبعية للدول المصدرة للأغذية، ولخطورتها على الاستقرار الاجتماعي والسياسي داخل الدولة. 

وتحقق دول المنطقة نسب اكتفاء ذاتي متواضعة للغاية في مجال الأغذية الاستراتيجية. وتعوض العجز بالاستيراد من السوق الدولية. فتستورد الدول العربية نحو 63.5% من احتياجاتها من القمح. والذرة، وهو المكون الأكبر للأعلاف اللازمة لإنتاج اللحوم الحمراء والدواجن، فتستورد منه نحو 75% من الاحتياجات.

ومن الأرز تستورد 55% من حاجتها، و65% من السكر، و55% من الزيوت النباتية، وذلك بحسب تقرير أوضاع الأمن الغذائي العربي، الصادر عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية. وهي المنظمة المكلفة من قبل جامعة الدول العربية متابعة البرنامج الطارئ للأمن الغذائي العربي وتنفيذ استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة 2005/2025. وكلها عناوين لبرامج ومشاريع كبيرة كان الهدف منها تحقيق الاكتفاء الذاتي أو تحسين مستواه بمفهوم الأمن الغذائي، ولكنها فشلت في الواقع أو تعثرت، وأضاعت فرصة الوفرة التمويلية الناتجة من فورة أسعار النفط لتحقيق هدفها.
وبحسب مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية، زادت أسعار هذه السلع جميعها إلى مستويات غير مسبوقة خلال السنوات الخمس الماضية. وسجلت أسعار مجموعة الحبوب ارتفاعاً للشهر السادس على التوالي. وارتفعت أسعار القمح بنسبة 5.6% عن العام الماضي، مسجلاً بذلك أعلى متوسط سنوي منذ عام 2014 بسبب شحّ الإمدادات من جانب المصدّرين الرئيسيين، والجفاف في أجزاء من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن انخفاض صادرات القمح من الاتحاد الروسي عقب إعلان فرض ضريبة على الصادرات، ما يؤشر على استمرار الزيادة في الأسعار في الشهور القادمة.
أما الذرة، التي تشارك بنسبة 70% من تكلفة صناعة الدواجن في المنطقة العربية، فقد ارتفعت أسعارها بنسبة 7.6% عن العام الماضي بسبب استحواذ الصين على كميات كبيرة من المبيعات، ومعظمها من الولايات المتحدة، المصدر الأول للذرة في العالم. وقد ارتفعت أسعار صادرات الذرة مدعومةً باستمرار المخاوف بشأن توقّعات المحاصيل في أميركا الجنوبية وفي دول الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، حيث أدى استمرار سوء الأحوال الجوية والإغلاق الداخلي وصعوبة وصول المزارعين إلى مزارعهم إلى تخفيض توقعات الإنتاج. 
كذلك ارتفعت الأسعار الدولية للأرزّ بنسبة 8.6 في المائة عن مستوياتها المسجّلة في عام 2019 لتبلغ أعلى مستوى لها منذ ستّ سنوات مدعومةً بانحسار الكميات المتوافرة في كل من تايلاند وفيتنام، وتنافس المشترين على الإمدادات المتاحة من الهند وباكستان، وبسبب فرض قيود على الصادرات خلال الفصل الثاني من السنة لتلبية حاجة السوق المحلي للدول المصدرة، بالإضافة إلى الاختناقات اللوجستية التي سببتها كورونا، وهي الجائحة التي قد تستمر خلال الموسم الحالي أيضاً.
أما أسعار الزيوت النباتية، فقد زادت بنسبة حادة بلغت 19.1 في المائة عن مستواها في عام 2019، مسجّلة بذلك أعلى مستوى لها منذ سبتمبر/ أيلول 2012.

وتقول المنظمة إن استمرار ارتفاع الأسعار في ديسمبر/ كانون الأول مدفوع بشكل أساسي بأسعار زيت النخيل والصويا ودوار الشمس. وارتفعت الأسعار الدولية لزيت النخيل للشهر السابع على التوالي، ما يبيّن بصورة رئيسية استمرار انحسار العرض في البلدان المنتجة الرئيسية.

وبالإضافة إلى ذلك، تأثّرت تدفقات الصادرات بزيادة حادة في الرسوم المفروضة على التصدير في إندونيسيا، وهي المورّد الرئيسي لزيت النخيل في العالم.

أما بالنسبة إلى زيت الصويا، فقد بلغت الأسعار الدولية أعلى مستويات لها منذ سبع سنوات، وذلك بشكل رئيسي بسبب انخفاض الكميات المتاحة للتصدير في الأرجنتين، بسبب الإضرابات والخدمات اللوجستية في الموانئ المتأثرة بإجراءات كورونا.

أسواق
التحديثات الحية

أما عن أسعار لحوم الدواجن، التي تستورد الدول العربية نحو 30% من استهلاكها من السوق الدولية، فتقول المنظمة إنها عادت إلى الارتفاع في ديسمبر/ كانون الأول مصحوبةً بالطلب المتزايد على الواردات، ولا سيما من دول الشرق الأوسط، وارتفاع المبيعات الداخلية في البلدان المنتجة الرئيسية، والأثر السلبي لأنفلونزا الطيور على الإنتاج في أوروبا. وارتفعت أيضاً أسعار لحوم الأبقار والأغنام، مدعومةً بمعظمها بانحسار الإمدادات من أستراليا بسبب ارتفاع الطلب على إعادة تكوين القطعان، وكذلك بسبب زيادة أسعار الأعلاف.


أسباب الأزمة
من الأسباب التي وضعت العديد من الدول العربية في مأزق ارتفاع أسعار الغذاء في السوق الدولية التي لا ترحم، الانصراف عن الاستثمار في قطاع الزراعة الحيوي، وإهمال دعم المزارعين والإنفاق على البحوث الزراعية. فكانت النتيجة اتساع الفجوة الغذائية في الدول العربية وزيادة استيراد الغذاء ومنتجاته من الخارج. فلا يزيد ما تنفقه الدول العربية مجتمعة على البحوث الزراعية على 1% من قيمة الإنتاج الزراعي، وكانت النتيجة تخلّف معدل الإنتاجية الزراعية.

وبلغ متوسط إنتاجية الحبوب الاستراتيجية، القمح والأرز والذرة، في المنطقة العربية نحو 1.6 طن للهكتار في مقابل 3.6 أطنان للهكتار في المعدل العالمي، بنسبة عجز 44%، وقس عليه الإنتاجية لغيرها من المحاصيل.
ورغم أن 50% من الزيادة في إنتاجية المحاصيل ترجع إلى استخدام البذور عالية الإنتاج، وهي تكنولوجيا غير مكلفة، فإن الدول العربية تعاني عجزاً في إنتاج البذور بنسبة 80% من الاحتياجات. المحزن في هذا الملف أن استثمار 5 مليارات دولار فقط في مجال تكنولوجيا البذور يمكن أن يزيد إنتاجية المحاصيل إلى الضعف ومن ثم تقترب من تحقيق الاكتفاء الذاتي أو تحسينه على أقل تقدير، ولكنها لا تفعل! في المقابل، هناك إنفاق ببذخ على شراء الأسلحة التي وصلت إلى 289 مليار دولار منذ سنة 2010.

وأكثر الدول العربية التي تعاني من العوز الغذائي، وهي مصر والسعودية والإمارات والجزائر والعراق، هي أكثر الدول إنفاقاً على شراء الأسلحة، فاشترت أكثر من ربع تجارة السلاح في العالم بنسبة 26%.
كشف ارتفاع مؤشر أسعار الغذاء المتكرر عن أن العودة إلى مفهوم الاكتفاء الذاتي الغذائي أصبحت تطرح نفسها بقوة كبديل لمفهوم الأمن الغذائي في ظل تكرار الأزمات التي تعوق التجارة الدولية للغذاء، وقد مرت المنطقة العربية بأزمة غذاء في سنة 2008 عندما ارتفعت أسعار السلع الغذائية كنتيجة لاستخدام الدول المصدرة للسلع الزراعية المنتجات الغذائية في إنتاج الوقود الحيوي، ما أدى إلى موجات غلاء كبيرة للخبز وزيوت الطعام واللحوم والدواجن، وكانت المحرك الأكبر لثورات الربيع العربي في المنطقة.

المساهمون