الحرب على غزة تشعل الدولار في مصر... وقلق من اتساع المخاطر

24 أكتوبر 2023
ضغوط متزايدة على الجنيه وسط توقعات بتأثر موارد الدولة بحرب غزة (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

شهد سعر الدولار قفزات جديدة مقابل الجنيه المصري، ليصل إلى 45 جنيهاً في السوق الموازية (السوداء)، متخطيا لأول مرة قيمة تداوله في سوق الذهب البالغة 43 جنيها، في ظاهرة يصفها خبراء بأنها تعكس الضغوط الشديدة على قيمة الجنيه، والمضاربة على شراء الدولار، واضطراب حركة الأسواق.

واكب زيادة الدولار ارتفاع مماثل في أسعار باقي العملات الرئيسية، حيث ارتفع الريال السعودي إلى 11.5 جنيها، والجنيه الإسترليني إلى 53.20 جنيها، والدينار الكويتي إلى 140.9 جنيها، والريال القطري إلى 11.8 جنيها، والدرهم الإماراتي 11.7 جنيها.

وتتسع الفجوة بين سعر الصرف في السوقين الرسمية والموازية، إذ يبلغ وفق البنك المركزي نحو 30.95 جنيها، منذ إبريل/نيسان الماضي.

تأتي الضغوط الجديدة على الجنيه في السوق السوداء وسط تحولات جيوسياسية ناجمة عن استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، مع توقعات بتراجع قدرة الاقتصاد على توليد الدولار، في ظل انخفاض متوقع في عوائد تحويلات المصريين من الخارج، والسياحة والخدمات وصادرات الغاز، وتفاقم الأزمة المالية المستمرة منذ سنوات.

تأتي الضغوط الجديدة على الجنيه في السوق السوداء وسط تحولات جيوسياسية ناجمة عن استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة

ويتوقع خبراء أن يؤدي توجه البنك الفيدرالي الأميركي إلى رفع أسعار الفائدة على الدولار، خلال الأيام المقبلة، إلى المزيد من الضغط على الجنيه، وذلك بالتوازي مع لجوء البنوك المركزية، ولاسيما الأوروبية، إلى الاستمرار في سياسة رفع أسعار الفائدة أيضا، لمواجهة موجة جديدة محتملة من التضخم عالمياً، بفعل تداعيات الحرب في منطقة الشرق الأوسط على أسواق السلع الأساسية.

يشير خبراء إلى أن صعود الفائدة على الدولار، سيضع صعوبات جديدة أمام الحكومة المصرية، التي لن تتمكن من تدبير العجز الدائم في الدولار بسهولة وبدون تكلفة مرتفعة.

في السياق، يتوقع وائل النحاس، خبير التمويل والاستثمار، أن يتصاعد سعر الدولار إلى ما بين 50 إلى 55 جنيها في السوق الموازية، خلال الربع الأول من العام المقبل 2024، رافضا تحميل المسؤولين التداعيات المترتبة على الجنيه بفعل آثار الحرب على غزة.

يقول النحاس لـ"العربي الجديد": "ربما سرعت الحرب بتصعيد المشهد الذي نتجه إليه منذ أشهر، والمتوقع أن يظهر أثرها السيئ بوضوح في 2024، فإذ بالحرب تقذف بنا إلى تلك المرحلة الخطرة في بداية الربع الأخير من العام الجاري، وسط معاناة الدولة من صعوبة تدبير الأموال اللازمة للوفاء بديونها، وعدم التزامها باتفاق الدعم المالي المقرر من صندوق النقد الدولي، والقدرة على تدبير عملات صعبة، من عوائد بيع الأصول العامة".

لكن الخبير الاقتصادي المصري يحمّل الحكومة جزءاً من المسؤولية عن تدهور الجنيه، لاسيما أن ظهور المزيد من التقارير السلبية عن الأداء الاقتصادي، من مؤسسات التصنيف والتمويل الدولية، يرجع بالأساس إلى أداء المجموعة الاقتصادية في الحكومة وبقائهم في أماكنهم.

خفض تقرير "ستاندرد آند بورز" تصنيف مصر، بسبب نقص العملة وتزايد عدم اليقين في قدرة الدولة على تحمّل أعباء الدين

ينوه النحاس إلى أن المخاطر التي أثارها تقرير وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني العالمية، يوم الجمعة الماضي، بتخفيض تصنيف مصر الائتماني السيادي طويل الأجل من "B" إلى "B-"، لا تتوقف عند تماثله مع تخفيضات مماثلة أظهرتها تقارير وكالتي "موديز" و"فيتش"، وإنما في توقع ستاندرد آند بورز أن يتخطى سعر الدولار 40 جنيهاً لأول مرة رسميا، وتأكيد على أن المخاطر التي يواجهها الاقتصاد المصري ستظل مستمرة لفترة ما بين 12 و16 شهراً.

يوضح أن هذه المخاطر تبيّن أن الأزمة الاقتصادية سيطول أمدها طوال عام 2024، وتستمر في التصاعد عام 2025، على عكس التوقعات السابقة، التي كانت تتنبأ بأن يبدأ المستوى الصاعد في سعر الدولار والتضخم وزيادة الأسعار في الهبوط نحو معدلات أكثر قبولا، مع زيادة النمو.

وخفض تقرير "ستاندرد آند بورز" تصنيف مصر الائتماني، بسبب نقص العملة وتزايد عدم اليقين في قدرة الدولة على تحمّل أعباء الدين، متوافقا مع تحذير أصدرته الوكالة في إبريل/نيسان الماضي، بأن السياسات التي تنفذها الحكومة غير كافية لتحقيق استقرار سعر الصرف وجذب تدفقات العملات الأجنبية.

وجاء تقرير وكالة التصنيف الائتماني العالمية بعد 3 أسابيع من تخفيض وكالة "موديز" التصنيف الائتماني لمصر من "B3" إلى "CAA1"، مع تحذيرات مماثلة من وكالة "فيتش" التي ستصدر تقريرها النهائي في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وأشارت "ستاندرد آند بورز" إلى وجود مشكلة كبيرة لدى الحكومة للوفاء بالتزاماتها المالية، في ظل حاجتها العاجلة إلى 29.2 مليار دولار، للوفاء بديونها المستحقة خلال عام 2024.

وأشار خبراء إلى أن هذه الديون تمثل ضعف الاحتياطي النقدي الذي تملكه الدولة في البنك المركزي، وتعادل نحو 18% من إجمالي الدين الخارجي الذي يقدر بنحو 165 مليار دولار في يوليو/تموز الماضي.

تشترط الوكالة تراجعها عن تصنيفها الذي يحد من قدرة الحكومة على اللجوء إلى سوق السندات والحصول على التمويل متعدد الأطراف والثنائي

تشترط الوكالة تراجعها عن تصنيفها الذي يحد من قدرة الحكومة على اللجوء إلى سوق السندات الدولية والحصول على التمويل متعدد الأطراف والثنائي، أن تعمل الحكومة على تنفيذ إصلاحات هيكلية للحد من الاختلالات الاقتصادية، والعمل على خفض العجز في الموازنة، ومواجهة تباطؤ النمو الذي سينخفض من 4% حالياً إلى 3.5% عام 2024، قبل أن يزيد قليلا إلى 3.8% في 2025.

ووفق النحاس، فإن تراجع التصنيف الائتماني يواكب انخفاضا متوقعا في عوائد السياحة التي تأثرت بالعدوان على غزة، وقناة السويس التي يمكن أن تشهد تراجعا في الدخل، نتيجة ارتفاع التأمين على سفن الشحن وزيادة رسوم العبور المقررة من إدارة القناة، مع مخاوف من المزيد من تراجع عوائد المصريين في الخارج، والتي شهدت انخفاضا كبيرا خلال العام الجاري.

ويشير إلى الضغوط التي مارستها الحكومة على العملة المحلية، التي ظهرت في زيادة الدين الداخلي، مع تزايد المخاطر من عدم قدرتها على الوفاء بسداد الدين المحلي، ومنها التأمينات الاجتماعية وشركات المقاولات والجهات المنفذة لمشروعات البنية التحتية الضخمة، محذراً من أن تدفع الديون الحكومة إلى ممارسة الضغوط على الشركات والتجار لخفض الأسعار، بينما لا تتمكن من خفض الضرائب أو الرسوم، التي تحتاجها للوفاء بأقساط الديون المتراكمة لصالح الدائنين.

ويرى أن تصرفات الحكومة تدفع الاقتصاد إلى مزيد من الغموض، وحالة الاضطراب، التي تدفع نحو المزيد من الركود، في وقت تتجه الأسواق الدولية إلى حالة أكثر اضطراباً، بسبب قوة الدولار المتصاعدة، وزيادة أسعار الفائدة، والتوترات الجيوسياسية، وانهيار الأنشطة المحركة للاقتصادات الكبرى، وعلى رأسها أسواق العقارات، ومواجهة انهيارات مصرفية في الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم.

المساهمون