الجزائر تتخوف من ضياع فرصة الاستفادة من قفزات أسعار الغاز

08 أكتوبر 2021
الاستهلاك المحلي للطاقة زاد بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة (بلال بنسالم/Getty)
+ الخط -

تتخوف الجزائر من أن تضيع فرصة ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في الأسواق العالمية، لإنعاش عائداتها من العملة الصعبة، وإنقاذ الاحتياطي الأجنبي المتبخر بسرعة فاقت توقعات الحكومة، إذ يواجه البلد المنتج للغاز والعضو في "أوبك" صعوبات كبيرة في الحفاظ على صادراته الغازية، في ظل ارتفاع الطلب الداخلي واستقرار الإنتاج، بل وانخفاضه في بعض الأشهر لأسباب تقنية.
وهو الأمر الذي بات يهدد عائدات البلاد الريعية من العملة الصعبة، التي تشكل 92 بالمائة من إجمالي إيرادات الجزائر من العملات الأجنبية، في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية حادة، زادتها تعقيدا الجائحة الصحية وركود الاقتصاد، وفقدان الدينار بريقه بعد تسجيله أرقاما غير مسبوقة أمام العملات الأجنبية.

مؤشرات مقلقة
حتى كونها عضوا في "أوبك" وما زالت تبني معظم عائداتها من النقد الأجنبي من صادرات الطاقات الباطنية، فإن وسائل الإعلام العالمية المتخصصة تعتبر الجزائر، على نحو متزايد، لم تعد دولة نفطية، أو على وشك التوقف عن إنتاجه.
ففي الواقع، الجزائر بلد مصدّر للغاز ولم يكن أبدًا مصدّرًا رئيسيًا للنفط، إلا أن المؤشرات باتت مقلقة حول صادرات الغاز نفسها.

ومما يؤكد هذه التحليلات والتوقعات، هي أرقام ومؤشرات غاز الجزائر، التي تهاوت بشكل مخيف في السنوات الأخيرة، بشكل بات يؤرق حكومة الرئيس عبد المجيد تبون التي بنت تمويل مخططها الخماسي 2020- 2024 المقدر بـ 260 مليار دولار، على عائدات الطاقة.
وبلغة الأرقام، يؤكد مدير مكتب "اينرجي" للطاقة بباريس ومدير مجمع "سوناطراك" النفطي سابقا، مراد برور، أنه "من المؤكد أن الأزمة الصحية أدت إلى انخفاض الطلب العالمي في الأشهر الماضية، لكن الانخفاض في أحجام الصادرات لا يمكن تفسيره إلا من خلال انخفاض الإنتاج، إلى 142 مليون طن في عام 2020، مقابل 157 مليون طن في عام 2019، بانخفاض قدره 30%، مع العلم أن الطلب الداخلي قد انخفض أيضًا بسبب الوباء بـ 13%، من 67 إلى 59 مليون طن من المكافئ النفطي، ومع ذلك، خلال العقد الماضي، زاد الاستهلاك المحلي للطاقة بشكل كبير".
ويضيف مراد برور، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "غاز الجزائر سيعيش ضغوطا كبيرة في عام 2022، وهو ما يقلق زبائنها، في مقدمتهم إسبانيا التي تتخوف صراحة من عدم قدرة الجزائر على ضمان الكميات التعاقدية بين البلدين، ليس فقط بسبب قدرة أنبوب ميدغاز، المنخفضة مقارنة مع الأنبوب العابر للمغرب، بل تدرك أيضا أن سوناطراك تواجه ضغطا داخليا كبيرا بارتفاع الاستهلاك، ما سيؤثر على صادرات البلاد".
وعاش غاز الجزائر ضغطاً كبيراً من الأوروبيين، سنة 2020، حين اعترض الزبائن على الأسعار، بعد سنة واحدة من تجديد الجزائر عقود إمدادات الغاز مع شركائها التاريخيين في القارة العجوز، في مقدمتهم إسبانيا وإيطاليا والبرتغال.
ودخلت الجزائر، سنة 2018، مرحلة تجديد عقود الغاز مع شركائها التقليديين، بعد وصول أغلب العقود إلى نهاية آجالها، مع انتهاء سنة 2019.
يتابع مدير مكتب "اينرجي" للطاقة بباريس ومدير مجمع "سوناطراك" النفطي سابقا أنه "في الخارج، يُراقب المختصون الوضع أيضًا، والعديد من المحللين والوكالات والمواقع المتخصصة يبدون نفس الملاحظة".

ويضيف: "ربما تعيش الجزائر سنواتها الأخيرة كدولة نفطية بسبب عدة عوامل، منها نفاد خزانات الآبار العاملة، وانخفاض الاستثمار، وعدم الاستقرار القانوني، والفساد البيروقراطي، وعدم الاستقرار الإداري لشركة النفط سوناطراك، والارتفاع الذي لا يرحم في الاستهلاك المحلي، لذلك على الجزائر أن تستغل طاقاتها الغازية لتحويلها إلى عملة صعبة، وليس استهلاكها داخليا من دون تحقيق أي أثر على الاقتصاد المتعثر، أي أن الغاز المستهلك في الداخل ليس موجهاً للاقتصاد والمصانع، بل 70 بالمائة موجه للاستهلاك العادي المنزلي والتجاري".

أزمة عميقة
دخلت إمدادات الغاز الجزائري إلى أوروبا والمنطقة العربية في معادلة صعبة، في ظل تخمة المعروض العالمي، لا سيما الغاز الروسي الرخيص، فضلا عن دخول منافسين جدد لتصدير الغاز، كالولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي يزيد من مأزق البلد الشمال أفريقي الباحث عن زيادة موارده المالية لمواجهة تراجع عائدات النفط.
يقول مدير الإحصاء في الوكالة الجزائرية لتثمين موارد المحروقات (سلطة ضبط إنتاج وبيع النفط والغاز في الجزائر)، نبيل جودار، إن "الأرقام الأولية تؤكد تحسن مبيعات الغاز، خصوصاً عبر عقود الأنابيب نحو إيطاليا وإسبانيا، بنسب متفاوتة عن العام الحالي، إلا أنها ليست عند المستويات المطلوبة، أو على الأقل المنتظرة".
يضيف مدير الإحصاء في الوكالة الجزائرية لتثمين موارد المحروقات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "استقرار الصادرات يعود لتراجع الطلب لأسباب عديدة، كما لا يمكن أن ننسى تراجع إنتاج الجزائر من الغاز بنسب فاقت 15 بالمائة عن سنة 2020، قابله ارتفاع الطلب الداخلي بنسبة 7 بالمائة".
وأمام تعقد الوضعية، تبدو الحكومة الجزائرية عاجزة عن توفير الحلول العاجلة، فمنذ سنوات والحكومة تعلن عن انتقال طاقوي قريب، يسمح بالتوجه نحو الطاقات المتجددة، لخفض الطلب الداخلي وحماية صادرات البلاد الغازية والنفطية، التي تشكل أكثر من 90 بالمائة من عائدات الجزائر من العملة الصعبة.

ويأتي ذلك، في وقت يبقى ملف الغاز الصخري مجمداً بقرار سياسي، كونه محل رفض شعبي، بسبب المخلفات التي تترتب على استغلاله، خصوصاً على البيئة والمياه الجوفية، وافتقار الجزائر لآليات التنقيب والاستغلال وكلفتها الباهظة.
وما يزيد جرح غاز الجزائر نزيفا، ليس فقط تراجع الإنتاج والصادرات، وجائحة "كورونا"، إذ إنّه حسب وكالة الأنباء المتخصصة في الإدارة العامة والاقتصاد الأفريقي "Ecofin" فإنّ "جرح الجزائر أعمق" فهي تشير في تحليلاتها إلى تزايد الطلب المحلي، ونقص الاستثمار في الاستكشاف و"تراكم سنوات من سوء الإدارة في القطاع".
وفي هذا السياق، يرى الخبير في شؤون الطاقة، بن عالية عثمان، أن "صادرات غاز الجزائر سترتفع منطقيا مع زيادة أسعار الغاز في العالم، لكن بحجم ضئيل، الهدف هو كيف يمكن الاستفادة من هذه الموجة بأكبر قدر ممكن، هنا مربط الفرس، أظن أننا ضيعنا الكثير من الوقت والغاز معا منذ سنة 2000".
يضيف الخبير الجزائري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "على الجزائر الاستثمار في رفع إنتاجها وتخزينها للغاز من جهة، والعمل أكثر على تقليص الاستهلاك المحلي بالأفعال وليس بالملتقيات والاجتماعات، وذلك لرفع الصادرات، وهنا يجب على الحكومة مراجعة أسعار الطاقة خصوصاً الغاز، إذا لزم الأمر نتجه للدعم الموجه للأسر المعوزة فقط، ونحرر الأسعار المطبقة على التجار والمصانع، هنا يمكن كبح الاستهلاك الداخلي".

المساهمون