الجائحة تخنق معيشة نصف فلسطينيي الداخل

12 فبراير 2021
كورونا فاقمت غلاء السلع (فرانس برس)
+ الخط -

47 بالمائة من فلسطينيي الداخل لا يملكون المال الكافي وسيولة نقدية لتدبّر أمور معيشتهم، وهم المجموعة الأكثر تضررا اقتصاديا من الإغلاقات المتكررة في إسرائيل وفق استطلاع أجراه أخيرا المعهد الإسرائيلي للديمقراطية ونشرت نتائجه في صحيفة "كالكاليست" الإسرائيلية.

وأكدت نتائج الاستطلاع، عمق الضربة التي تلقاها المجتمع الفلسطيني في الداخل جراء تفشي فيروس كورونا، والقيود التي فرضتها الحكومة لمواجهة الجائحة، لا سيما الإغلاق الأخير الذي استمر أكثر من 40 يوما، وتم رفعه جزئيا مطلع هذا الأسبوع.

الباحثة والمحاضرة في جامعة بن غوريون في قسم علوم الاجتماع ومديرة وحدة الأبحاث في المنتدى الاقتصادي العربي، مها كركبي صباح، قالت لـ"العربي الجديد": هناك عدة أسباب تفسر عدم وجود السيولة بالمجتمع العربي منها الفقر والبطالة.

وأضافت صباح أن جائحة كورونا كشفت عمق التهميش للمجموعات الضعيفة، مثلما كشفت التهميش طويل الأمد والممنهج للاقتصاد العربي على مدى سنين طويلة.

وقد ظهر أثر الإهمال للمجتمع العربي في فلسطين من قبل الدولة في هذه الفترة، فقد داهمت جائحة كورونا الشارع بوجود ثلاثة معطيات اقتصادية مقلقة كانت موجودة قبل الجائحة ولكنها تفاقمت بعدها، حسب صباح.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وأضافت: "مع بداية أزمة كورونا كانت 47 بالمائة من العائلات العربية تحت خط الفقر، في الأشهر الأولى لكورونا ارتفعت هذه النسبة إلى ما يقارب 49 بالمائة. أتوقع أنها وصلت إلى 50 بالمائة. هذا الكم الكبير من العائلات التي تُعرّف على أنها فقيرة هو الفئة التي سوف تعاني اقتصاديا من الإغلاقات المستمرة، بالإضافة إلى المهن التي خرجت من سوق العمل. وهؤلاء الأشخاص يمكن ألا يعودوا لمهنتهم مرة أخرى".

وحسب الأكاديمية الفلسطينية، فإن "عاملاً آخر مقلقاً اقتصادياً هو نسبة تشغيل النساء العربيات التي لم تتعد قبل كورونا 46 بالمائة مع كل المحاولات والبرامج الحكومية. وهي تعتبر نسبة متدنية جدا في إسرائيل وأيضا على مستوى الدول المتحضرة. هذا يعني أن غالبية العائلات العربية تعتمد على معيل واحد، وبحال خرج هذا المعيل من سوق العمل بشكل مؤقت فإن هذه العائلات ستعتمد فقط على مخصصات الحكومة".

ولفتت إلى الخصائص المتعلقة بطبيعة السوق المحلية في المجتمع العربي بالداخل وضعف مركباته ومحدودية تطوره خلافا لما يحدث في المجتمع الإسرائيلي.

ووفقا لصباح، فإن "مركبات سوق العمل المحلي بالمجتمع العربي لا تتطور مثل تطور سوق العمل الإسرائيلي العام. الأخير هو سوق تكنولوجي علمي متطور يعتمد على التكنولوجيا والهاي تيك. ولكن في المقابل فإن السوق العربي المحلي استهدف توفير الخدمات للمجتمع، ولم تكن هناك برامج حكومية لتحويله إلى سوق عمل متطور كي يتلاءم مع سوق المواصفات الموجودة في الدول المتحضرة".

وعن المهن والفئات الأكثر تضررا قالت: "من الفئات والمهن التي تضررت بالإغلاقات المستمرة، ليس الهاي تك والتكنولوجيا والمصانع والمختبرات العلمية، إنما كل من يوفر خدمات التجارة والمبيعات. هذه المجالات الخدماتية كانت الأكثر تضرراً مثل المطاعم التي أصبحت أماكن تجارية منتشرة في المجتمع العربي".

وترصد فئة الشباب باعتبارها أكثر الفئات العمرية تضررا في المجتمع العربي، وترى وفقا لتحليل المعطيات أن شريحة الشباب هي الأكثر تضررا.

وقالت: "جيل الشباب من بين الرجال والنساء، الذين يعملون كأجراء بالمحلات التجارية والمطاعم، خرج من سوق العمل وعودته إلى سوق العمل غير مضمونة. هناك ادعاء بعدة دول وأيضا المعطيات داخل إسرائيل، تقول إن نسبة النساء الباحثات عن العمل اليوم هي أعلى من نسبة الرجال. المعطيات الأخيرة التي حصلنا عليها في المنتدى الاقتصادي العربي تشير إلى أن الضرر عند الرجال أكثر منه عند النساء.

وحسب الأكاديمية الفلسطينية: "لدينا تفسير لذلك بأن النساء يعملن في المجالات المهنية مثل التربية والتعليم والمهن العلاجية، أكثر من الرجال. وهذه المهن لم تخرج من سوق العمل، وفي المقابل 60 بالمائة من الرجال العرب يعملون في مهن من الشق الأسفل من سوق العمل وهي مهن يدوية. وهي مهن، الضمانات الاجتماعية بها ضعيفة، قسم من هذه المهن تأذى وقسم كبير خرج من سوق العمل".

وعن تأثير الإغلاق على النساء العاملات قالت: "في معطى آخر مهم مع كل المواصفات الشخصية للنساء العربيات مع دخولهن إلى سوق العمل مع مقومات أقوى، ولكن فترة الإغلاق المستمرة تسببت بخروج النساء من سوق العمل لوجود الأبناء في البيت، والخيار كان أن يخرجن هن من سوق العمل حتى يقمن هن بالاهتمام بأبنائهن، وليس الرجال وذلك بفعل الخصائص الثقافية والاجتماعية التي تتوقع من المرأة أن تتنازل عن عملها لصالح الأسرة، وأن تكون هي من تتنازل عن عملها في حالة الأزمات.

وتوقعت كركبي أن يكون لهذه الإغلاقات ثمن باهظ سيدفعه المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل.

تجدر الإشارة إلى أن غالبية المصالح التجارية داخل المجتمع العربي تعتبر مشروعات صغيرة، أي أن قاعدتها الاقتصادية، لا تسمح لصاحب العمل بأن يتخطى هذا الكم من الإغلاقات، بدون أن يتكبد أضراراً قد تسبب خروجه من سوق العمل.

المساهمون