الاقتصاد أداة حرب: غزو أوكرانيا يرسخ الاصطفافات الكبرى

27 فبراير 2022
تحرك في إسبانيا رفضاً للغزو (كارلوس غيل أندرو/ Getty)
+ الخط -

على مدى العقد الماضي، كانت المخاطر الجيوسياسية سمة ثابتة للسياسة العالمية، لكن الاقتصاد الدولي والأسواق المالية استطاعت التماسك والنهوض مجدداً.
إلّا أنّ الغزو الروسي لأوكرانيا قد يكسر هذا النمط، لأنّه يقود إلى عزل الاقتصاد الحادي عشر في العالم وأحد أكبر منتجي السلع الأساسية فيه، ما قد يتسبب بأزمة اقتصادية ونقدية في موسكو، فيما سيرتفع التضخم عالمياً مع انخفاض النمو مع بعض الاضطرابات في الأسواق المالية في ظل فرض عقوبات أشد.

فقد أشهرت الدول في وجه روسيا سلاح الاقتصاد لمعاقبتها على ما تقترفته في كييف. عقوبات على المصارف، وعلى التجارة والحركة الجوية وأصحاب رؤوس الأموال، مروراً بتجميد مشروع "نوردستريم2" الضخم لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، وصولاً إلى التلويح بعزل موسكو عن نظام "سويفت" لتبادل الأموال والمعلومات، والذي إن تم السير به سيؤدي إلى خنق الاقتصاد الروسي، رغم إمكانية اللجوء إلى بدائل أقل حظوة.

وبالنظر إلى الاصطفافات الدولية في الحرب الروسية على أوكرانيا، يبين التصويت في مجلس الأمن الدولي على القرار الذي يدين غزو روسيا لأوكرانيا ويطالب بانسحاب فوري لقواتها، أنّ 11 دولة من أصل 15 عضواً دائماً وغير دائم صوتت لصالح القرار، في حين اختارت الهند والصين والإمارات العربية المتحدة الامتناع عن التصويت، واستخدمت روسيا حق النقص "الفيتو".

وعملياً، يصل الناتج المحلي في كل من الصين وروسيا إلى 17.7 تريليون دولار، و1.7 تريليون دولار على التوالي. فيما سجل ناتج الهند 2.8 تريليون دولار وإيران 250 مليار دولار، وذلك وفق إحضاءات صندوق النقد الدولي و"ترايدنغ إيكونوميكس" في العام 2021، ما يعني أنّ الثقل الاقتصادي لهذه الدول يصل إلى 22.4 تريليون دولار.

في المقابل، وصل الناتج المحلي الإجمالي لدول الاتحاد الأوروبي في العام الماضي إلى 17.1 تريليون دولار، والولايات المتحدة الأميركية 22.9 تريليون دولار، وبريطانيا 2.7 تريليون دولار، واليابان 5.2 تريليونات دولار، وكندا 2 تريليون دولار والبرازيل 1.6 تريليون دولار.

ويصل مجموع الناتج المحلي لهذه الدول الكبرى، في المحور المعادي للغزو الروسي إلى 48.5 تريليون دولار. وتعكس هذه الأرقام قدرة الاقتصادات في الدول المتنازعة على التحكم بالاقتصاد الدولي، وكذا على الصمود في وجه الاهتزازات المالية والنقدية، ولي أذرع الدول التي تواجهها.

إلّا أنّ هذه البيانات لا تعني أنّ أطراف الصراع سيستخدمون مصالحهم الاقتصادية حتى النهاية على حساب نموهم وتوسعهم العالمي. فالصين وهي الصديق الوحيد الذي قد يساعد روسيا في تخفيف تأثير العقوبات الاقتصادية على غزوها لأوكرانيا، لكن حكومة الرئيس شي جين بينغ لا تعطي أي إشارة على استعدادها للمخاطرة بوصولها إلى الأسواق الأميركية والأوروبية.

وحتى لو أرادت بكين ذلك، فإن قدرتها على دعم الرئيس فلاديمير بوتين من خلال استيراد المزيد من الغاز الروسي والسلع الأخرى محدودة. وقال الخبراء إن حكومة شي قد تدعم بوتين ضمن تلك الحدود، وقد تستخدم الشركات الصينية الموقف لمتابعة صفقات أفضل، لكنها ستحجم عن انتهاك العقوبات علانية.

وشرح مارك ويليامز، كبير الاقتصاديين الآسيويين في كابيتال إيكونوميكس لـ"أسوشييتد برس": "لا تريد الصين أن تتدخل إلى هذا الحد بحيث ينتهي بها الأمر بالمعاناة نتيجة لدعمها لروسيا". وارتفعت التجارة الصينية مع روسيا إلى 146.9 مليار دولار العام الماضي، لكن هذا أقل من عُشر إجمالي التجارة الصينية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي البالغ 1.6 تريليون دولار.

وقال ويليامز: "كلّ هذا يتوقف على ما إذا كانوا على استعداد للمخاطرة بوصولهم إلى الأسواق الغربية لمساعدة روسيا، ولا أعتقد أنهم كذلك. إنها ليست سوقا كبيرة". كذا، ذكرت وكالة "بلومبيرغ" للأنباء السبت، أنّ اثنين على الأقل من أكبر البنوك المملوكة للدولة في الصين، قيّدا تمويل شراء السلع الروسية، خشية من فرض عقوبات من الولايات المتحدة وحلفائها.

إلّا أنّ عزل روسيا عن الاقتصاد العالمي لا يحتسب حصراً بالأرقام العامة. فموسكو هي المورد المهيمن للغاز إلى أوروبا، وتعد روسيا واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم ومورد رئيسي للمعادن الصناعية مثل النيكل والألمنيوم والبلاديوم. وتعد من أكبر مصدري القمح، في حين أنّ روسيا وبيلاروسيا تمتلكان كميات كبيرة من البوتاس، وهو مُدخل في إنتاج الأسمدة، وفق مجلة "إيكونوميست" الأميركية.

ما يعني أنّ تحييد روسيا سيضرب الكثير من القطاعات الكبرى في العالم، وضمناً في الدول التي تستهدف موسكو بالعقوبات، والتي لم تخرج اقتصاداتها بعد من خسائر فيروس كورونا.

أما التداعيات طويلة المدى فقد تكون، وفق المجلة الأميركية، فتتمثل في تسريع تقسيم العالم إلى تكتلات اقتصادية. ستضطر روسيا إلى الميل شرقاً، والاعتماد أكثر على الصين. في الغرب، سيسأل المزيد من السياسيين والشركات عما إذا كانت العولمة لا تزال صالحة أو أنّ التجارة يجب أن تتكثف حصراً مع الحلفاء.

المساهمون