غيّرت الأزمة الاقتصادية نظرة اللبنانيين تجاه النفايات، فبعدما كانت مجرد قمامة ترمى في المستوعبات، أصبحت مصدر رزق لكثير من المواطنين.
هذا الواقع يعكسه تزايد أعداد المواطنين الذين يقومون بجمع المواد البلاستيكية والكرتون والمعادن من الشوارع، بهدف بيعها لشركات تُعنى بإعادة تدوير تلك المواد.
كما أنّ العديد من المواطنين يجمعون تلك المواد الناتجة عن استهلاكهم المنزلي، وبدلاً من رميها مع باقي النفايات، يُقدمونها إلى مراكز مخصصة بجمع تلك المواد مقابل بدل مادي.
ويبلغ سعر طن البلاستيك 350 دولاراً، أما طن المعادن (ألمنيوم، تنك، حديد) فيصل لنحو 450 دولاراً، بينما طن الكرتون نحو 100 دولار.
تلك المواد يتم بيعها في نهاية المطاف إلى تجار كبار يقومون بدورهم إما بتصديرها إلى الخارج، أو يبيعونها إلى معامل تقوم بإعادة تدويرها وإدخالها في الصناعات المحلية.
وكشف وزير البيئة ناصر ياسين، أنّ كمية النفايات تراجعت في ظل الأزمة الاقتصادية خلال العامين الماضيين، بنسبة تتراوح ما بين 20 و25%.
وأوضح ياسين، في حديث لـ"الأناضول"، أنّ المفروزات (المواد التي تجمع من النفايات) أصبح لها قيمة أكبر، مثل البلاستيك والكرتون والمعادن.
وتبرز هذه القيمة بسبب هبوط قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار، حيث إنّ تلك المواد تسعّر وتباع بالدولار، وبالتالي تشكل مورداً مالياً هاماً يسعى إليه كثيرون.
وأضاف: "نعمل حالياً ضمن الاستراتيجية الجديدة لإدارة النفايات على تفعيل وتنظيم عملية الفرز واستخراج المواد القابلة للتدوير، بدلاً من رميها، سواء من خلال المواطنين في منازلهم أو من خلال البلديات".
واعتبر ياسين أنّ "هذه الإستراتيجية تشكل أساساً في المرحلة القادمة لمعالجة أزمة النفايات، من خلال الفرز وإعادة تدوير هذه المواد".
يجر أبو خليل عربته يومياً في شوارع العاصمة بيروت وضواحيها، بحثاً عن تلك المواد التي تشكل له مصدر رزقه الوحيد، فيجني يومياً بين 20 و100 ألف ليرة لبنانية (الدولار = نحو 31 ألف ليرة).
وقال أبو خليل، لـ"الأناضول" "أبحث عن البلاستيك والكرتون والحديد في الشوارع بواسطة العربة ومن ثم أبيعها إلى مراكز الجمع المخصصة لشراء تلك المواد".
ولفت إلى أنه في السابق كانت أعداد أمثاله الذين يعملون في هذا المجال ضئيلة جداً، أما اليوم وبسبب تردي الأوضاع المعيشية للسكان، بات كثيرون يعتمدون على جمع المواد القابلة لإعادة التدوير بهدف بيعها وكسب الرزق.
وتراجعت بشكل كبير القدرة الشرائية للبنانيين على إثر انهيار قيمة عملتهم المحلية على نحو قياسي مقابل الدولار، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة تعصف بالبلاد منذ أكثر من عامين.
أما الشابة العشرينية مونيا، فتفضّل أن لا ترمي في سلة المهملات العبوات البلاستيكية والمعدنية التي تستهلكها في منزلها، إنما تعمل على تجميعها وتسليمها إلى أحد مراكز إعادة التدوير.
وقالت مونيا، لـ"الأناضول"، إنها تعرفت على شركة تُعنى بإعادة التدوير في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وبدأت على إثر ذلك في جمع كل أنواع البلاستيك والمعادن التي تستهلكها في منزلها.
وأضافت: "أقدم تلك المواد إلى الشركة، فأحصل بالمقابل على قسائم شرائية تخولني شراء سلع من متاجر عدة في العاصمة، كما أني بذلك أحافظ على البيئة".
وفي السياق ذاته، برزت مؤخراً مشاريع في مناطق مختلفة، تشجع المواطنين على الاستفادة المادية من المواد القابلة للتدوير، بدلاً من رميها بين النفايات المنزلية.
لين سراج، مديرة مشروع "يلا ريتورن"، الذي يضم عدة مراكز في بيروت وضواحيها، لاستقبال تلك المواد الناتجة عن الاستهلاك المنزلي للمواطنين، في مقابل منحهم قسائم شرائية من المتاجر الغذائية.
وقالت سراج، لـ"الأناضول"، إنّ "المركز يستقبل كل أنواع البلاستيك والمعادن، كعبوات المياه وعلب الأطعمة المحفوظة، وتنك المشروبات الغازية وغيرها".
وأضافت أنّ "الشخص الذي يُقدم لنا تلك المواد يحصل مقابلها على قسائم شرائية، تخوله شراء السلع من بعض المتاجر".
ولفتت إلى أنه "في ظل هذه الأزمة هناك الكثير من الأشخاص يلجؤون إلى هذه الطريقة لتكون مصدرا أساسيا في تأمين حاجياتهم".
فضلاً عن الحاجة، فإنّ العديد من العائلات الميسورة تقوم أيضاً باستبدال المواد القابلة للتدوير بقسائم شرائية بهدف الحفاظ على البيئة.
كما أنّ بعضهم يتبرع بالقسائم التي يحصل عليها إلى جمعيات خيرية لمساعدة المحتاجين، بحسب سراج.
وتزايد أعمال فرز النفايات وفصل المواد القابلة للتدوير منها قد يشكّل حلاً لأزمة النفايات التي تعاني منها البلاد منذ 2015، حيث يساعد ذلك في تقليل كميات النفايات التي تُرمى في المطامر والمكبات العشوائية.
ويوجد في البلاد نحو 1000 مكب عشوائي، موزعة على مناطق مختلفة، حيث يتم رمي النفايات فيها دون معالجة، وينتج عن ذلك أضرار بيئية وصحية جسيمة، وفق تقارير رسمية.
(الأناضول، العربي الجديد)