أوكازيونات سورية

13 فبراير 2022
سوريات يتجولن أمام المحلات التجارية التي تعرض حسومات في سوق الصالحية بدمشق (فرانس برس)
+ الخط -

لسنوات طويلة في الماضي، كان السوريون يترقبون مطلع شهر فبراير/شباط من كل عام، لكونه موعد عروض تخفيض الأسعار على ألبسة الربيع والصيف، حسب العرف والعادة في الأسواق السورية، لكن حرب نظام بشار الأسد على السوريين وأحلامهم، بدّلت جميع العادات، وفي مقدمتها الاستهلاكية.

فقد غيّرت الدخول المنخفضة والأسعار الكاوية، من عادات السوريين، ليؤثروا شراء الخضر والفواكه بالحبة للبقاء على قيد الحياة، واقتناء الألبسة من "البالة" للسترة.

ولم تلتزم هذا العام، كسابقه وسابق سابقه، موعد العروض والحسومات، سوى بعض المحال في الأحياء الراقية في المدن الكبرى، فيما اكتفى سائر أصحاب المحال، بعرض القديم والرخيص الذي يناسب القدرة الشرائية للمستهلكين، عله هو الآخر، يستمر على قيد العمل، بعد زيادة فاتورة الكهرباء اليومية، لتشغيل المولدات في ظل انقطاع التيار، وارتفاع الضرائب والرسوم، التي تبناها نظام الأسد لتدبير موارد مالية لخزائنه.

ثمة مشاهدات ذات دلائل، نقلها إلينا مَن بقي في دمشق، يمكن من خلالها زيادة فهم الواقع الاقتصادي لحكومة بشار الأسد والمواطن السوري في آن واحد.

أولى تلك المشاهدات أن جلّ المحال، بما فيها الكائنة في الأحياء الراقية، تؤثر الإغلاق عند الساعة الرابعة عصراً، لتختصر نفقات الإنارة والتدفئة وتخفّض قيمة الضرائب، لأنها تعمل بالحدود الدنيا.

كذلك هناك تباين في أسعار السلعة ذاتها لدرجة الضعف، بين سوق وآخر، فالضرائب ومصاريف التشغيل ونثريات المحال الراقية، تضاف إلى سعر السلعة، في الوقت الذي تتراجع فيه مصاريف الباعة الجائلين أو الأسواق الشعبية والبسطات المنتشرة على الأرصفة برضى ورشى الجهات الرقابية، وربما بذلك مشاهدة ثالثة.

أما المشاهدة الأكثر لفتاً للأنظار وفتكاً بجيوب السوريين، فهي مستوى الأسعار الذي بلغته الألبسة في الأسواق، التي لا ترتبط بالدخل، وكأن السلع مخصصة لمن هم خارج خط الفقر والذين لا تتجاوز نسبتهم 10% من المواطنين، أو تستهدف بعض الزوار من لبنان أو العراق وإيران، فالأسعار مرتفعة حسب دخل السوري الشحيح الذي لا يتجاوز 100 ألف ليرة، لكنها على الأرجح، مناسبة إن لم نقل منخفضة، بالنسبة إلى أسعار دول الجوار أو للسائحين إن وجدوا.

 فسعر القميص الرجالي يراوح بين 30 و35 ألف ليرة، والبنطال الجينز بين 35 و55 ألف ليرة، وتجاوز ثمن الحذاء الجلدي عن 100 ألف ليرة.

أما طقم الأطفال، فوصل سعره إلى 50 ألف ليرة بعد التخفيضات، فيما يزيد ثمن الثوب النسائي، خلال موسم العروض، على 200 ألف ليرة.

ولعل من المشاهدات الموجعة في الأسواق السورية، اكتفاء المستهلكين بالنظر للعروض، رغم تفنن أصحاب المحال في كتابة عبارات التشجيع والجذب، من قبيل: تنزيلات 20% و30% و50%، اشترِ قطعة والثانية مجاناً، اشترِ بنصف الثمن، حرقنا الأسعار، والأسعار عنّا غير (عندنا غير الآخرين).

فدخل الموظف الشهري في ظل حكم الأسد الابن لا يساوي حذاءً. نهاية القول: ربما على الحافة الأخرى من الأسواق السورية، تكتشف أكثر في ما يخص الوضع المعيشي، وإلى أين وصل السوريون، فبعض محال الخضر والفواكه، تضع بعض المنتجات الفاسدة، أو التي بطريقها للتلف جانباً، وبأسعار مخفّضة، ومحال اللحوم تعرض سلعاً مجهولة المصدر والمكونات بأسعار تشجيعية. وتلك التوالف والمجاهيل، هي التي تشهد الإقبال الأكثر من المستهلكين بحسب المشاهدات أيضاً.

المساهمون