أسعار الغاز الطبيعي تتخذ اتجاهاً تصاعدياً مفاجئاً... وهذه الأسباب

18 يونيو 2021
5 عوامل رئيسية وراء هبوط سعر الغاز بـ2019 قبل أن يتجه للصعود بـ2021 (Getty)
+ الخط -

ألقت أزمة تفشي جائحة كورونا بظلالها الكثيفة على أسواق الطاقة مع تعطل الأنشطة الإنتاجية وما تبعه من تراجع الطلب، ما فاقم من أزمة هبوط أسعار الغاز الطبيعي خاصة في عام 2020، إلا أن العام الجاري شهد ارتفاعاً غير مسبوق وغير متوقع في الأسعار.

وحول خلفية وأسباب حالات الهبوط والصعود التي شهدتها أسعار الغاز الطبيعي في عامي 2019 و2020 وصولاً إلى الربع الأول من العام الجاري 2021، ذكرت الخبيرة الإيطالية أغاتا غوليوتَا، محللة الشؤون الجيوسياسية المتعلقة بالدول المنتجة للمحروقات، أن أسعار الغاز الطبيعي الفورية في أوروبا وآسيا لامست مستوياتها الدنيا في النصف الأول من عام 2020، وبلغت مستويات كان لا يمكن تصورها قبل هذه الفترة. وقد أدت الأزمة المنبثقة عن تفشي جائحة كورونا، علاوة على تراجع الناتج المحلي الإجمالي على المستوى العالمي بنسبة 3.3%، إلى اتساع نطاق السياق الذي اتسم، اعتباراً من 2019، بسلسلة من العوامل المساعدة على هبوط الأسعار.

واستدركت غوليوتَا، في دراسة حملت عنوان "الاتجاه التصاعدي غير المتوقع لأسعار الغاز" تضمنها ملف "أمن الطاقة" الربع سنوي في دورية "مرصد السياسة الدولية" التي يصدرها البرلمان الإيطالي بالتعاون مع وزارة الخارجية والتعاون الدولي، أنه على الرغم مما سبق، فقد شهدت بداية النصف الثاني من العام المنصرم مقاربات أولى لتخفيف إجراءات الاحتواء التي فرضتها معظم حكومات العالم، ما أسهم في إحداث انتعاش عام لأسعار جميع سلع الطاقة الرئيسية، بما فيها الغاز الطبيعي، ترسخ في الربع الأول من العام الجاري.

2019: زيادة العرض وضعف الطلب يهبطان بالأسعار

وتابعت أنه بعد الارتفاع الملحوظ في الأسعار خلال عام 2018، شهد 2019 مساراً اتسم بهبوط في أسواق المال بالنسبة لأسعار الغاز، ما يمكن إرجاعه على وجه الخصوص إلى زيادة العرض مقابل ضعف الطلب الذي طبع السوق على مدار العام. هذا الاتجاه لم يقتصر فقط على إيطاليا وأوروبا، وإنما سُجل أيضاً في مناطق إقليمية كبيرة أخرى (أميركا الشمالية وشمال شرق آسيا) نتيجة لتعاظم الربط بين الأسواق، بفضل زيادة تدفقات الغاز الطبيعي المسال، التي ربطت عن طريق البحر بين مناطق الإنتاج والاستهلاك عبر مسافات طويلة.

 

وأوضحت أن تلك الحالة من زيادة العرض مقابل ضعف الطلب ترجع إلى العوامل الآتية:

1 - الزيادة الملحوظة في الإنتاج، حيث ارتفع الإنتاج العالمي من الغاز الطبيعي في عام 2019، مقتفياً أثر الاتجاه التصاعدي في العقد الأخير، بنسبة 2.5% مقارنة بعام 2018 وبمعدل فاق للمرة الأولى في تاريخ الغاز عتبة الـ4000 مليار متر مكعب.

2 - نمو أكثر احتواء للطلب، حيث صاحبت ارتفاع الإنتاج بنسبة 3% زيادة عالمية على الطلب بنسبة 1.7%. ولم يكن الاستخدام المتعاظم للغاز بدلاً من الكربون، خاصة في توليد الكهرباء، كافياً لتعويض الآثار السلبية على معدلات الاستهلاك لتباطؤ النمو الاقتصادي ولدرجات الحرارة المثالية في معظم أنحاء العالم.

3 - تراكم المخزون، حيث أدت توليفة العاملين السابقين إلى ندرة اللجوء إلى مواقع تخزين الغاز. هذه الأخيرة امتلأت في أوروبا في أول أكتوبر/ تشرين الأول 2019 بنسبة 96.1% وهو أعلى مستوى وصلت إليه منذ 8 سنوات.

4 - الوفرة الزائدة عن الحد للغاز الطبيعي المسال، حيث شهد عام 2019 زيادة ملحوظة في المعروض من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 13%، وهو المعدل الأعلى منذ 2010 بحجم 450 مليار متر مكعب على المستوى العالمي، ما يعادل 49% من الغاز المتبادل على الصعيد الدولي.

وقد كانت آسيا هي المستوعب الأكبر لمعدلات الإنتاج الجديدة، وعلى الرغم من استمرارها في كونها المنطقة الأكثر استيراداً للغاز الطبيعي المسال، فقد تراجع ثقلها من 76% إلى 69% ارتباطاً بانخفاض الطلب من قبل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان ومن الصين ذاتها التي شهدت تحجيماً لسياسات التحول من الكربون إلى الغاز وزيادة في الإنتاج الداخلي في ظل منافسة مصادر الطاقة المتجددة.

 

وفيما يتعلق بأوروبا، فقد لعبت دور رمانة الميزان في السوق الدولي الذي وقع تحت مطرقة زيادة العرض وسندان ضعف الطلب، وذلك بفضل توافر طيف واسع من محطات تحويل الغاز الطبيعي المسال إلى الحالة الغازية وموقعها الجغرافي بالنسبة لأسواق الإنتاج علاوة على قدراتها التخزينية الكبيرة.

ووصل حجم واردات القارة العجوز من الغاز الطبيعي المسال في عام 2019 إلى 120 مليار متر مكعب، ما يعادل 34% من إجمالي الغاز المستورد، مقابل 22% في عام 2018. وكانت أهم الدول المصدرة لأوروبا هي قطر وروسيا ونيجيريا والولايات المتحدة، وهذه الأخيرة احتلت المركز الأول في الربع الأخير من عام 2019 بنسبة 25% من إجمالي واردات أوروبا من الغاز المسال. 

5 - اتساع رقعة واردات الغاز الطبيعي المنقول عبر خطوط أنابيب الغاز. وقد سرعت روسيا، على وجه الخصوص، في هذا السياق من وتيرة صادراتها من الغاز بهدف تشجيع تراكم الاحتياطي، خاصة في ظل المخاطر المتوقعة من توقف صادراتها عند محطة أوكرانيا، التي تتفاوض معها حالياً من أجل تمديد العقد الموقع بين البلدين عام 2009 والخاص بمرور الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي الأوكرانية.

الشاهد أن الوفرة المفرطة في صادرات الغاز سواء في حالته السائلة أو الغازية عن طريق الأنابيب، شكلت ضغوطاً قوية على الأسعار هبوطاً، وحتى التراجع القياسي لواردات النرويج نحو أوروبا وخفض الإنتاج الداخلي بنسبة 6.1% لم يساعدا على تحويل مسار الاتجاه الهابط للأسعار.

2020: عام الجائحة الرهيب

وتابعت المحللة الإيطالية أن اتجاه أسعار الغاز نحو الهبوط استمر في الشهرين الأولين من عام 2020، في حين أن جائحة كورونا التي اجتاحت العالم وما تبعها من توقف أو تقليص الأنشطة الإنتاجية في شهر مارس/ آذار وجدت سوقاً متراجعاً بقوة. وقد أدت توليفة من العوامل التي ألمَت بالقطاع؛ انهيار معدلات الاستهلاك ونمو إنتاج مصادر الطاقة المتجددة والوفرة المفرطة للعرض والمخزون، إلى حدوث انهيار حقيقي وملموس للأسعار.

 

وأشارت إلى أن أوروبا، السوق الأكثر تضرراً من جائحة كورونا، شهدت في الربع الأول من عام 2020 تراجعاً في معدلات الاستهلاك بنسبة 7% مقارنة بالفترة ذاتها في عام 2019، مع أداء سلبي خاصة في مجال توليد الكهرباء الذي سجل انخفاضاً بنسبة 15%. وعلاوة على الإغلاق، فقد ألقى الاختراق القوي لمصادر الطاقة المتجددة (وخاصة الرياح) بثقله على الأسعار هبوطاً في ظل تراجع حاد في الطلب على الكهرباء، مقتنصاً أرضية من الغاز.

إلى ذلك، كان ثمة عاملان أدّيا إلى تعقيد ذلك الوضع المأساوي: الوفرة المفرطة في العرض، على الأقل خلال الربع الأول من عام 2020، ووصول المخزون إلى مستويات قياسية في أوروبا.

وقد كان لهبوط الأسعار إلى هذه المستويات، في إطار سوق غاز أكثر انتشاراً وارتباطاً على المستوى الدولي، والتراجع الملحوظ على الطلب أثرهما السلبي الأكبر على صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال، خاصة لأوروبا بأسعارها الأرخص من مثيلتها الأميركية.

وعلى ضوء المعطيات السابقة، المرتبطة بتطورات الجائحة والأجواء الثقيلة لزيادة العرض وضعف الطلب، علاوة على عدم وجود مؤشرات على اتجاه تصاعدي للأسعار، لم يتوقع أحد أن يشهد النصف الثاني من 2020 تعديلاً إيجابياً في مسار الأسعار، إلا أن ما حدث هو أن الأسعار بدأت اعتباراً من يوليو/ تموز في العودة بشكل تدريجي إلى مستويات نهاية عام 2019، حتى وإن حدث ذلك مع وجود نقاط ضعف وتوترات أساسية. ويمكن إرجاع هذا الانتعاش إلى نمو معدلات الاستهلاك بالتزامن مع تراجع العرض، ما أدى إلى زيادة اللجوء إلى الواردات عن طريق خطوط الأنابيب والسحب من المخزون.

2021: الارتفاع الفجائي والملحوظ للأسعار

وأوضحت أن بداية عام 2021 سجلت ارتفاعاً سريعاً حقيقياً وملموساً لأسعار الغاز، حيث تُرجم الطقس قارس البرودة مع انخفاض درجات الحرارة إلى مستويات قياسية لم تشهدها أوروبا منذ عقود، إلى زيادة الطلب على الغاز (سواء للمنازل أو المصانع) بنسبة 6.3% مقارنة بشهر يناير/ كانون الثاني 2020، مع لجوء غير عادي للسحب من المخزون.

 

وقد كان للسباق على الزيادة غير المسبوقة للأسعار الفورية للغاز الطبيعي المسال في آسيا أثره القوي على ذلك الارتفاع الفجائي والملحوظ في الأسعار، ما يمكن تبريره على أساس: انخفاض قياسي غير مسبوق منذ عقود في درجات الحرارة وزيادة الطلب (في يناير/ كانون الثاني بنسبة 17% في شمال آسيا) علاوة على بروز صعوبات في توافر العرض بسبب تعطل أو تباطؤ عمليات النقل وارتفاع تكاليف النولون إلى مستويات قياسية.

وتابعت أن كل تلك العوامل التي أدت إلى ارتفاع الأسعار تواصلت أيضاً حتى شهر أبريل/نيسان، بل وأُضيفت إليها عناصر أخرى تمثلت في: ارتفاع أسعار ثاني أكسيد الكربون إلى مستويات قياسية (تجاوزت 47 يورو للطن مع نهاية الشهر) والسحب المطرد من المخزون إلى جانب تراجع إسهام الطاقة النووية نتيجة لتأخر إعادة تشغيل 3 مفاعلات في فرنسا متوقفة للصيانة، ما أدى مع تراجع معدلات إنتاج طاقة الرياح إلى دعم الطلب على الغاز في توليد الكهرباء.

وقالت إن مؤشرات وكالة الطاقة الفرنسية تشير إلى تواصل ارتفاع أسعار الغاز على مدار العام الجاري بالكامل، ما يعكس نمواً في الطلب يدور حول 3% في السنة، مع زيادة على وجه الخصوص في الربع الثاني من 2021 حيث ستبلغ الأنشطة الشرائية من قبل الشركات ذروتها على كميات الغاز المسحوب من مواقع التخزين.

وأعربت عن توقعاتها بأنه مع مضي أنشطة التطعيم ضد فيروس كورونا قدماً، من الممكن أن يكون الخروج من أزمة أسعار الغاز قريباً ومصحوباً بتحسن في الأوضاع الاقتصادية. ومن المفترض أن تجد الأسعار دعماً لها في الاتجاه التصاعدي الذي يطبع حالياً سوق تصاريح الانبعاثات والذي من شأنه أيضاً تشجيع استخدام الغاز مقابل مصادر أخرى أكثر تلويثاً للبيئة.

وختمت غوليوتَا بقولها إن كل شيء يبدو أنه يصب في هذا الاتجاه، إلا أنه بالنظر أيضاً إلى ما حدث في الأشهر الماضية فإن استعمال الأسلوب الاحترازي في هذا السياق أمراً وجوبياً. وكما قال الأمير الشاعر لورينتسو العظيم "ليس ثمة شيء مضمون غداً". 

المساهمون