أزمة الجزائر المالية تتصاعد... تآكل سريع للاحتياطي النقدي

08 نوفمبر 2020
الحكومة تستورد معظم الاحتياجات من الخارج (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

كشفت آخر الأرقام الصادرة عن الحكومة الجزائرية عن تآكل متسارع لاحتياطي الصرف، فاق توقعات الحكومة، فبالرغم من تقاطع أرقام الحكومة والبنك المركزي في العديد من المرات وفي مناسبات كثيرة، إلا أن جل البيانات تجتمع في واقعٍ واحد وهو تبخر سريع لاحتياطي الجزائر من العملة الصعبة.

ويتضح من خلال الأرقام الأخيرة التي كشف عنها الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أن تآكل احتياطي البلاد الذي يعد الممول الوحيد للتجارة الخارجية، خرج عن سيطرة السلطات، بسبب تواصل تهاوي عائدات النفط، ودخول جائحة كورونا على خط الأزمة، حيث أثرت على الاقتصاد، ودفعت بالحكومة للجوء إلى احتياطي الصرف لمواجهة ارتفاع الإنفاق العام.

وتراجع احتياطي النقد الأجنبي بنحو 15.6 مليار دولار في أقل من سنة ونصف السنة، حيث استقر بحلول أغسطس/آب الماضي عند 57 مليار دولار، بينما بلغ بنهاية إبريل/نيسان 2019 حوالي 72.6 مليار دولار، في حين سجل نهاية 2018 نحو 79.88 مليارا. وتتوقع الحكومة تراجع الاحتياطي إلى 51.6 مليار دولار بنهاية العام الجاري، وإلى ما دون 40 مليار دولار بنهاية العام المقبل.

ورغم هذه الأرقام "الحمراء"، تحرص الحكومة الجزائرية في كل مرة على إطالة عمر "التفاؤل"، حيث تتوقع أن يرفع احتياطي العملة بعد سنة 2022 بعد ارتفاع أسعار النفط، التي تشكل 96 في المائة من مداخيل البلاد والمصدر الأساسي لاحتياطي البلاد من النقد.

وإلى ذلك، يستغرب الخبير المالي، جمال نور الدين، على أي أساس تبني الحكومة الجزائرية توقعاتها وترفع في كل مرة من سقف طموحاتها في ما يتعلق باحتياطي البلاد من العملة الصعبة، حيث يقول في حديث لـ "العربي الجديد" إن "الاحتياطي يعيش ضغطا كبيرا خلفه ضعف نسبة مردودية الجزء الموظف كسندات في الخزينة الأميركية وسندات سيادية في أوروبا، تضاف إليها تقلبات أسعار الصرف بعد تدهور الدينار وكل هذا مقابل تواصل انهيار عائدات النفط التي تُشكل 96 في المائة من مداخيل البلاد".

من جانبه، يرى وزير المالية السابق (2015-2017)، عبدالرحمان بن خالفة، في حديثه مع "العربي الجديد" أن "تراجع احتياطي البلاد من العملة الصعبة تحت 50 مليار دولار بات أمرا قريبا ولا يجب استبعاده، وهو التراجع الذي يؤثر مباشرة على الاقتصاد".

وبدايةً، تضررت التجارة الخارجية التي اضطرت الجزائر لمراجعتها لتقليص فاتورة الواردات التي كانت تكلف خزينة الدولة 50 مليار دولار سنويا، وهو الأمر الذي يتطلب ضخ أموال سنويا في الخزينة العمومية لتغطية العجز التجاري الخارجي، كما ستتأثر سوق الصرف عاجلا أيضا بسبب نقص السيولة من العملة الأجنبية من جهة جراء شد الحكومة للحزام ومن جهة أخرى نقص الاحتياطي سيؤثر على قيمة العملة الوطنية الدينار التي ستخسر مزيدا من قيمتها، ما سيؤدي إلى ارتفاع وتيرة التضخم في البلاد الذي ارتفع من 3 في المائة حسب توقعات الحكومة إلى 4.5 في المائة أخيرا، حسب بن خالفة.

وبما أن "الجزائر لا تزال حبيسة عائدات النفط التي تشكل أساسا عصب الاقتصاد الداخلي، بدأت المخاوف ترتفع من عجز الجزائر عن تأمين حاجياتها المستوردة، في ظل عجزها عن الانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصادٍ منتج"، وفق الخبير الجزائري.

وفي السياق، يقول المحلل الاقتصادي، فارس مسدور، إن "احتياطي البلاد من العملة الصعبة بحجمه الآن لا يغطي سوى 16 شهراً من الواردات، فبعملية حسابية نجد أن الجزائر مضطرة الى سحب 20 مليار دولار لسد العجز الذي تسجله الخزينة العمومية، تضاف إليها 47 مليار دولار معدل ما تستورده الجزائر سنويا".

وأضاف الخبير الجزائري في حديث لـ "العربي الجديد" أن "تأمين الاحتياطي للواردات لمدة 16 شهرا يعد اقتصاديا أمرا مريحا مقارنة بدول أخرى في الجوار، لكن المشكل يطرح في أن الجزائر لا تتحكم في مصيرها حيث لا يمكنها رفع أسعار النفط ولا يمكنها التحكم في وارداتها".

التآكل السريع لاحتياطي الجزائري من العملة الصعبة أثر أيضا على التصنيف الائتماني للبلاد، لأن احتياطي النقد الأجنبي يبقى مقياسا مهما يمكن أن يعكس مستوى الجدارة الائتمانية للبلد وقدرته على سداد ديونه الخارجية.

وفي السياق، يقول الخبير المالي، سيد أحمد مقدم، إن "الجزائر تراجعت كثيرا في التصنيف الائتماني العالمي، بعد انهيار احتياطها من العملة الصعبة، إذ تراجعت الجزائر في تصنيف "وكالة ضمان تأمين الصادرات" الفرنسية "كوفاس"، من التصنيف الائتماني "أيه 4+" إلى "أيه 4-"، وقبلها خفّضت وكالة "يوليرهيرمس" الدولية، تصنيفها للجزائر إلى درجة "سي" على سلم من سبع درجات ينتهي بالفئة "دي"، معلّلة قرارها بـ"ضعف الإصلاحات الاقتصادية، وقلة تنويع مصادر الدخل والإنتاج".

ولن يكون تمويل الواردات وسد عجز الخزينة العمومية، الضغط الوحيد الذي يعاني منه احتياطي النقد، فدوامة "العجز المركب" التي دخلتها الجزائر في السنوات الأخيرة، جعلت من "احتياطي الأمان"، كما تسميه الحكومة، الملاذ كل مرة لمواجهة أي طارئ، وستزيده أزمة كورونا حدةً، من جراء تركها مخلفات ثقيلة على الاقتصاد.

ويقول الخبير المالي نبيل جمعة لـ"العربي الجديد" إن "احتياطي الصرف الجزائري يعيش ضغطاً غير مسبوق، جعل العجز المركب منه ملاذ الحكومة، في ظل وقف طباعة النقود مطلع السنة الحالية، بعد طبعها سنتي 2017 و2018 ما يعادل 60 مليار دولار، تم ضخها في الخزينة العمومية، وحاليا تتوقع الحكومة مثلا عجزا في الموازنة السنة القادمة قُدر بـ20 مليار دولار، يضاف إليها 14 مليار دولار أقرتها الحكومة لإحياء البرامج المعطلة بسبب جائحة كورونا، من دون أن ننسى أن الحكومة قررت في سبتمبر/أيلول الماضي سحب ما بين 25 و26 مليار دولار لتمويل خطة إنعاش الاقتصاد التي اعتمدها الرئيس عبد المجيد تبون".

ويضيف جمعة أن "الضغط ارتفع بأكثر من 200% على احتياطي الصرف، وينتظر أن يزداد مطلع السنة القادمة، مقابل تراجع عائدات النفط إلى النصف خلال العام الجاري، بسبب تهاوي الصادرات النفطية وتواصل انهيار أسعار الخام، ولا نرى أي بديل في يد الحكومة لمواجهة ارتفاع الإنفاق العام".

ويتوقع أن "تكون الاستدانة الخارجية ملاذ الجزائر على الأقل لتمويل المشاريع الحكومية الضخمة وتخفيف العبء عن الخزينة العمومية ومنها على احتياطي الصرف".

المساهمون