"إيفر غيفن"... جلطة في شريان التجارة العالمية

27 مارس 2021
الوسائل المستخدمة في تحرير الناقلة أثارت السخرية (Getty)
+ الخط -

منذ افتتاحها سنة 1869، أصبحت قناة السويس شرياناً رئيسياً للتجارة العالمية، فقد وفرت أكثر من 15 يوماً على السفن لو سلكت طريقها التقليدي حول أفريقيا (رأس الرجاء الصالح) في رحلتها بين أوروبا وآسيا. وهو ما يعني انخفاض التكلفة وزيادة حجم التبادل التجاري بين الشرق والغرب.

تمرّ عبر قناة السويس حوالى 12% من إجمالي التجارة العالمية، وتمثل مورداً رئيسياً لمصر، كذلك رفعت من أهمية الموانئ المشرفة على مضيقي باب المندب وجبل طارق. ويبلغ طول القناة 193 كم، تنقسم طولياً إلى قسمين: شمال البحيرات المرّة وجنوبها، وعرضياً إلى ممرين في أغلب أجزائها، لتسمح بعبور السفن في اتجاهين بالوقت نفسه.

يصح القول إن تعطل السفينة (إيفر غيفن) وجنوحها الثلاثاء الماضي عند علامة القناة (الكيلو 151) أديا إلى جلطة في شريان التجارة العالمية، إذ توقفت عشرات السفن على مدخلي قناة السويس فور وقوع الحادث. وعلى إثر ذلك، زادت أسعار الشحن لناقلات المنتجات النفطية إلى الضعفين تقريباً. 

وتشير التقارير إلى أن نحو ثلث السفن العالقة عبارة عن ناقلات تحمل سلعاً غير معبّأة مثل الحبوب وخام الحديد، وربع السفن تحمل حاويات و15% منها ناقلات نفط.

ووفقاً لتقديرات تتداولها وكالات الأنباء العالمية، فإن هذا العطل يكلف التجارة العالمية حوالى 400 مليون دولار في الساعة، بما يعادل 6.66 ملايين دولار في الدقيقة.

بدأت الأخبار تتحدث عن لجوء بعض الناقلات العملاقة إلى طريق رأس الرجاء الصالح الذي يزيد طوله بنحو 10 آلاف كيلومتر إضافية، تفادياً لتضاعف الخسائر، حيث يتردد أن إعادة تعويم الناقلة الجامحة وفتح المجرى الملاحي قد يستغرق أسابيع، ما يعني تأخير تسليم البضائع وتراكم السفن المعطلة التي تجاوزت حتى الآن 200 حاوية، حيث امتد طابور السفن المعطلة إلى الهند شرقاً وإلى ما وراء مضيق جبل طارق غرباً! 
أيضاً، لا تزال أعمال القرصنة في الطريق الموازي للساحل الأفريقي ماثلة في الأذهان وتمثل خطراً محدقاً، ما يعني تكلفة حراسة إضافية لكل سفينة بآلاف الدولارات، إذ إن إجمالي تكلفة العبور ستتضاعف إلى 300 ألف دولار للناقلة الواحدة.

ويشير تقرير روسي إلى ارتفاع سعر شحن الحاوية الواحدة من الصين إلى أوروبا إلى أربعة أضعاف مما كان عليه في العام الماضي، ليصل إلى 8000 دولار. 

" إيفر غيفن" هي شركة النقل البحرية التايوانية، لكن السفينة تحمل علم دولة بنما، وهي ناقلة حاويات عملاقة دُشِّنَت في 2018، ويبلغ طولها 400 متر، وعرضها 59 متراً، وعمق غاطس السفينة 15.7 متراً، وتصل سرعتها إلى 98 عقدة (نحو 181 كم/ الساعة) ، وتتجاوز حمولتها الحالية 224 ألف طن. 

الرحلة الأخيرة التي انطلقت منها السفينة بدأت في 22 فبراير/ شباط الماضي، وتشمل 5 دول، هي الصين وتايوان وسنغافورة ومصر، وكان من المقرر أن تصل إلى ميناء روتردام الهولندي في 31 مارس/ آذار الجاري.

منذ انحراف السفينة وتعطلها كصخرة صلبة بعرض قناة السويس، ظهرت جرافات ورافعات صغيرة الحجم مقارنة بحجم السفينة العملاقة، وهي تزيل الرمال والطين من حول السفينة من أجل تعويمها، إضافة إلى مجموعة من زوارق القطر من أجل تحريكها، وهو ما أثار موجات من السخرية حول الإمكانات المتواضعة للتغلب على مثل هذه المشكلات الكبرى، لدرجة أن رئيس وزراء السويد السابق "كارل بيلدت" ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس أوروبا المشارك لشؤون العلاقات الخارجية، نشر تغريدة بها صورة السفينة العالقة والجرافة الصغيرة المجاورة لها معلقاً: "هل توجد عند أي شخص حفارة إضافية متاحة؟!" 

وإذ تتعدد الاتصالات الدولية من أجل حل الأزمة، تلقت هيئة قناة السويس عدداً من العروض لتعويم السفينة الجانحة، أبرزها العرض الأميركي والعرض التركي، ولم يكن الرد المصري المبدئي واضحاً بشأن الاستعانة بهما، حيث اقتصر على الشكر وتثمين هذه المبادرات، مؤكداً حرص مصر على إعادة تشغيل الممر الملاحي في أسرع وقت. وتقدّم إحدى الشركات الهولندية الاستشارات الفنية الخاصة بإجراءات تعويم السفينة، على أن يكون التعامل من خلال الوحدات البحرية الخاصة بالهيئة.

وقد ذكرت الهيئة أن المعدات المستخدمة في عمليات التعويم، اثنتان منها من كراكات الهيئة، وأربع حفارات أرضية تقوم بإزالة الرمال المحتجزة عند مقدمة سفينة، وتسع قاطرات عملاقة بقوة شد 160 طناً لكل منهما من أجل أعمال الشد ودفع السفينة.

يذكر أن هذه هي المرة الأولى التي تتوقف فيها الملاحة في قناة السويس لأسباب فنية، بينما توقفت من قبل خمس مرات لأسباب سياسية ونزاعات عسكرية، فقد أغلقت أسبوعاً عقب الثورة العربية 1882، ويوماً واحداً في زمن الحرب العالمية الأولى 1915، و76 يوماً خلال الحرب العالمية الثانية، وخمسة أشهر عقب العدوان الثلاثي على مصر 1956، وثماني سنوات بعد حرب 1967. 

 
المساهمون