كانت رواية "كوخ العم توم" لـ هارييت بيتشر ستاو واحدةً من الكتب الأكثر تداولاً بيننا أيام الشباب، فحين يسأل أحدُنا صديقاً له ممن ساروا على درب القراءة من قبل، عن كتاب يبدأ به رحلة المطالعة، فإن أول ما يخطر بباله هو رواية "كوخ العم توم"، وقد انتشرت منذ بداية الخمسينيات تلك الترجمة الجميلة التي أنجزها منير البعلبكي، مع غيرها من أمّهات الروايات في العالم.
اللافت أن هذه الرواية التي حازت على شهرة عالمية، ربما لم تشاركها فيها غير القليل من الروايات في التاريخ، لا توضع في أي كتاب يؤرخ للرواية الأميركية بين الروايات التي تركت أثراً فنياً، أي أن نقّاد الأدب الأميركيّين، وقد تابعهم نقّاد آخرون في العالم، لا يعتبرون أن لهذه الرواية أي مساهمة فنية أو أدبية في تطوّر الرواية المحلية أي الأميركية، أو العالمية.
بينما يقول تاريخ هذه الرواية غير ذلك، ومنها ما كتبه البعلبكي في مقدّمة الترجمة العربية إذ قال: "وإنما نُشرت قصة "كوخ العم توم" أول ما نشرت في آذار سنة 1852، فبيع منها يوم إنزالها ثلاثة آلاف نسخة، وما استدار الحول حتى كان الكتاب قد طبع مئة وعشرين طبعة، مجموع النسخ المبيعة منها ثلاثمائة ألف نسخة".
هذا هو حال الرواية من حيث الطبعات، ويقدّم البعلبكي تفاصيل أخرى عن شهرة الرواية، تتعلّق بالقرّاء العاديّين الذين قرؤوها في اللغة الإنكليزية، وهذا من ناحية القراءة، غير أن أثر الرواية الآخر، أي أثرها في التاريخ الأميركي، يثير كثيراً من الأسئلة المتعلّقة بحضور الأدب في المجتمع، وربما يكون مثالاً ساطعاً عن مثل هذا الأثر، ومنها ما يقوله التاريخ الأميركي نفسه، من أنها قد ساهمت في إشعال "الحرب العظيمة" (كما سمّاها الرئيس الأميركي أبرهام لينكولن حين استقبل الكاتبة) التي أفضت في النهاية إلى تحرير العبيد في الولايات الجنوبية من أميركا.
هل يمكن أن نعزو هذا التجاهل، على الرغم من التأثير الحاسم الذي حقّقته الرواية في التاريخ العام لبلادها، إلى هذا التدخّل بالذات، أم إلى قيمتها الفنية من حيث قلّة انشغالها بتقنيات القص؟ خاصة أن معظم النقّاد الذين أشاروا إليها، أطلقوا عليها اسم الكتاب الدعائي، دون أن ينكروا تأثيرها في زمنها، أي حين صدورها في موضوع الرق والاستعباد.
ما الحل؟ أين يمكن أن توضع مثل هذه الأعمال؟ لدينا الآن حقيقتان تتعلّقان بالرواية: الأولى هي مشاركتها الفعّالة في سياق التاريخ، وتقديمها المساعدة الوجدانية كما في حالة "كوخ العم توم" للملايين من البشر من أجل مناهضة العبودية والتحرّر منها، بحيث تتحوّل الرواية من وثيقة إلى ضمير ووجدان يمثل مشاعر الملايين من البشر، دون أن يكون لها، كحقيقة ثانية، أثر مماثل في سجل النوع الأدبي نفسه، أو في السياق الخاص لتاريخ الرواية.
ما قد يحسم النقاش أننا لا نزال نقرأ الرواية، دون أن تكون قد فقدت بريقها القديم بعد أكثر من مئة وخمسين عاماً.