مهرجانات المغرب الثقافية: مناسبة للتنفيس

17 فبراير 2019
(من مهرجان تراثي في المغرب/ غيتي)
+ الخط -

يشهد المغرب، في السنوات الأخيرة، حراكاً لافتاً على مستوى التظاهرات الثقافية والفنية؛ حيث أضحت العديد من مدنه تحتضن مهرجاناتٍ وفعاليات وطنيةً وعربية ودولية مختلفة؛ يندرج بعضها ضمن ما يُعرف بالسياحة الثقافية، ويخرج الآخر من الفضاءات المغلقة إلى الشارع. كما ظهرت مؤسّسات جديدة ألقت بثقلها في المشهد الثقافي المحلّي، بما باتت تنظّمه من فعالياتٍ أدبية وفكرية ومسرحية وسينمائية.

لكن، إلى أيّ حدٍّ تؤثّر هذه التظاهرات في المشهد الثقافي؟ وهل يصل هذا التأثير، إن وُجد، إلى الجمهور؟ وهل تُسهم في التوعية بدور الثقافة بمختلف أشكالها في المجتمع؟ وأخيراً، هل تمتلك التظاهرات الثقافية هويةً خاصة وإستراتيجيةً واضحة تمكّنانها من الاستمرار وتحقيق أهدافها؟
في حديثها إلى "العربي الجديد"، تُشير الأكاديمية والناقدة المغربية، خديجة توفيق، إلى تزايد التظاهرات الثقافية في المغرب لتشمل مجالات مختلفة، بدءاً بالأدب والسينما والموسيقى، وصولاً إلى التراث والفنون الشعبية وفنون الطبخ، مع وجود أبعادٍ مختلفةٍ بين محلّي وأفريقي وعربي ودولي.

بحسب توفيق، التي تُشرف على تظاهراتٍ أدبية وفنّية في "كلية الآداب" بجامعة خريبكة، فإن "من شأن هذا التعدّد أن يُحدث دينامية في المشهد الثقافي المغربي، وتأثيراً في الأنساق والأذواق. غير أن الدينامية تتثاقل والتأثير يتقلّص، بسبب ما يشوب تلك الفعاليات من أعطاب".

تُلخّص المتحدّثة ملاحظاتها على التظاهرات الثقافية المغربية في نقطتَين؛ تتمثّل أولاهما في "انحسار الفعاليات زمانياً ومكانياً؛ حيثُ أنَّ معظمها يتقيّد بزمنٍ ومكان محدّدَين، وهو ما يجعل منها فعالياتٍ موسمية واستعجالية وغير دائمة، وأيضاً منكفئة على فضاءاتٍ بعينها، بينما تفتقد معظم المدن المغربية إلى الفضاءات والممارسات الثقافية".

وتتمثّل النقطة الثانية في "قلّة الوعي بقيمة الثقافة وما يُمكن أن تُحدثه من آثار عميقةٍ في المواطن؛ إذ من شأنها أن تحثّه على الإبداع والابتكار وتحول بينه وبين الانغلاق والتعصّب والعنف. وذلك ما يعكسه ضمور الثقافي في سياسات الدولة، وضآلة الميزانيات المرصودة له، إلى جانب إهمال المؤسّسات العمومية والخاصّة للجانب الثقافي".

من جهته، يصف الباحث محمد أبو العلا كثرة التظاهرات الثقافية بـ"الزحمة"؛ في إشارةٍ إلى وجود تراكمٍ غير منتِج، معتبراً، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أن "كثرة المهرجانات، وإن كانت تبدو ظاهرةً صحية تُسهم في انخراط الجمهور في الفعل الثقافي، إلا أنها تطرح تساؤلاتٍ حول تراجع المثقّفين الحقيقيّين لصالح دخلاء تربطهم علاقات مع من هم في موقع المسؤولية، ما يُسهّل عليهم تنظيم فعالياتٍ ثقافية ضمن سياقٍ يحكمه تبادل المنافع".

ويعتقد مدير "مهرجان خنيفرة للمسرح التجريبي" أنَّ الرابح الأكبر من ظاهرة المهرجانات، إضافة إلى الجمعيات الثقافية، هي الدولة التي تدعم هذه الفعاليات من خلال مؤسّساتها المانحة: "رغم الكلفة الباهظة التي تدفعها إلى الجمعيات المنتشرة بكثرة، فإن المؤسّسة الرسمية تنتشي بما تحقّقه بعض النشاطات من فكٍّ للعزلة عن بعض المداشر والمدن، وتنفيسٍ معنوي ومادي للشباب"، لافتاً، في السياق نفسه، إلى أن ثمّة جمعياتٍ لا تزال تعتمد على رأسمالها الثقافي الذي راكمته على امتداد عقود، دون أن ترهن وجودها بدعم الدولة.

وتذهب مديرة نشر مجلّة "روافد ثقافية" المغربية، فاطمة الميموني، إلى أن كثرة الأنشطة الثقافية والفنية لم تُسهم في تحقيق تداولية أوسع للثقافة داخل المجتمع، ولا في رفع نسب القراءة، بسبب "عدم ربط المشاريع الثقافية بمشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وغياب سياسة ثقافية وبنية تحتية ملائمة لإنجاح المشروع الثقافي".

وتضيف رئيسة "منتدى روافد للثقافة والفنون"، التي تُنظّم العديد من التظاهرات الثقافية شمال البلاد، أن المهرجانات الثقافية والفنية تأخذ، على كثرتها وتنوّعها، طابعاً فرجوياً وسياحياً في الغالب، ولا تُعبّر عن الوجه الحقيقي للثقافة والفن المغربيَّين.

وتختم المتحدّثة بالقول: "لا يمكن الحديث عن تنمية ثقافية من دون إشراك الإعلام ومكوّنات المجتمع المدني في وضع البرامج والسياسات الثقافية، وتفعيل دور المدرسة والجامعة باعتبارهما طرفاً رئيسياً في تشكيل الواقع الثقافي".

من جانبه، يتطرّق الشاعر والمترجم سعيد الباز إلى ما يصفه بصعوبة تلقّي الشعر الحديث في الفعاليات الثقافية المغربية، كما هو الحال في باقي البلدان العربية؛ معتبراً أن لذلك علاقة بارتباط الشعر العربي، تاريخياً، بالشفاهة والمنبرية، و"هكذا، وجدت قصيدة النثر نفسها في مواجهة مع هذا الحاجز المنيع المتمثّل في كيفية إلقاء القصيدة أمام الجمهور بنفس التأثير الذي حظيت به قصيدة التفعيلة وسابقتها العمودية".

ويعتبر الباز أن "موضوع قراءة الشعر أمام الجمهور لم ينل اهتماماً كافياً من قِبل المهتمّين، وحتى الشعراء أنفسهم؛ إذ كثيراً ما يغفل هؤلاء عن طرائق الإلقاء من نبرٍ وتشكيل صوتي زيادة، إضافةً إلى لغة الجسد التي تُعبّر عن روح النص ومدلولاته".

ويدعو الباز إلى إعادة النظر في الملتقيات والتظاهرات الشعرية، لتكون أكثر إبداعاً على مستوى الإخراج، ولتتجاوز أساليب التقديم التقليدية المتّسمة بالرتابة، موضّحا: "نحن أمام عرضٍ أدائي متكامل العناصر، يقتضي إخراجاً وسينوغرافيا متقنَين. علينا، هنا، أن نستفيد من تجارب ناجحة في هذا المجال، بالاعتماد على المختصّين وأصحاب الخبرة".

وترى الشاعرة حليمة حريري أن المشهد الثقافي بات يُغيّب الإبداع الحقيقي ولا يربط صلاتٍ بين الأدب والفنون الأخرى، في ظلّ زخمٍ غير صحّي تعرفه الساحة الأدبية في المغرب، معتبرةً ذلك "نتيجةً طبيعية لافتقاد حلقات التواصل والتفاعل مع النخب المثقّفة".

تضيف حريري: "أمام هذا الوضع، يُصبح المبدع الحقيقي في مواجهة حصارٍ مفروض عليه بالقوّة، وتطفو على الساحة أقلامٌ دخيلة يجري تكريس وجودها من طرف فاعلين في تنشيط الحركة الثقافية".

وتذهب المتحدّثة إلى أبعد من ذلك؛ حين تُشير إلى وجود من تسمّيهم بالدخلاء على الساحة الأدبية، والذين تقول إنهم يتوارون خلف ستار جمعيات وهيئات غير معروفة، في محاولةٍ للاستفادة من الدعم العمومي، لتختم بالقول: "أمام هذا الوضع، تزداد الهوّة بين المثقّف والمجتمع المدني، ليبقى تداول الأدب بعيداً عن أيّ حراك ثقافي".

المساهمون