حسن المودن.. ضدّ حتميّة "موت المؤلّف" و"نهاية الأدب"

13 يوليو 2024
بحاجة إلى "نقد تدخُّلي" على طريقة بيير بيار في كتابه "من قتل روجيه أكرويد؟"
+ الخط -

منذ آخر عقد في القرن الماضي، هيمن خطاب النهايات على الأدب وساد نقدياً؛ نهاية التاريخ، نهاية الأدب، موت المؤلّف، إلخ، وعلى العكس من خطاب النهايات هذا، يأتي كتاب الباحث المغربي حسن المودن "من قال إنّ الناقد قد مات؟: ضدّ بارت، ماكدونالد، مانغينو"، الصادر حديثاً عن "منشورات المتوسّط" في مئة وعشرين صفحة، ليقول إنّ "النهاية" لا بدّ أن تستبطن بدايةً جديدة، والأجدر بنا أن نتحدّث عن خطاب البدايات، مُستعيناً في ذلك بمنهجيّة الناقد والمُحلّل النفسي الفرنسي بيير بيار (1954) وأعماله النقدية العديدة.

تُحيل مقولة "موت المؤلّف" (عنوان مقال شهير لرولان بارت، صدر بالإنكليزية عام 1967)، إلى أنّ قيماً وأحكاماً نقدية قد ماتت، وفقاً لأنطوان كومبانيون، وأوّل هذه القِيم التي أُعلن موتُها هي "النقد البيوغرافي"، الذي يشترط وجود علاقة سببية مباشرة بين المؤلّف ومضمون مؤلّفاته، وبالتالي كان "موت المؤلّف" من أجل فكرة أو قيمة جديدة، تتمثّل في الاقتراب أكثر من النصّ، وتحقيق استقلالية أكبر للدراسات الأدبية بالنظر إلى التاريخ أو المجتمع أو التحليل النفسي.

يُمثّل بكتابات بيير بيار وعبد الفتاح كيليطو على نظريّته النقدية

لكنّ المودن، بالعكس من هذه المقولة وما يترتّب عليها، يدعو في الفصل الأوّل من كتابه إلى "نقد بيوغرافي جديد"؛ يتأسّس على ضدّ ما كان يتوهّمه النقد البيوغرافي التقليدي، بأنّنا نعرف "الكثير" عن حيوات المُؤلِّفين من ميلادهم إلى مماتهم. يتساءل: ماذا نعرف حقّاً عن التوحيدي أو حتى المتنبّي؟ و"ماذا لو غيّرت الأعمال الأدبية مؤلّفها؟" (عنوان كتاب لبيير بيار، صدر عام 2010)، ألا يجد هذا السؤال الأخير بالذات الكثير من الأمثلة في تراثنا الشعري العربي؟

هذا عن المؤلِّف، فماذا عن الناقد الذي أعلن رونان ماكدونالد موته في "موت الناقد" (2007)؟ هنا يدعو الناقد المغربي إلى تطبيق الأدب على التحليل النفسي، وفي إعادة الترتيب هذه "يُصبح المُحلّل النفساني صيرورة مُحلّل لا بُدّ من بنائها باستمرار... وهو الذي يجعل من القراءة منطلقاً لا منتهى". ويُحيل المودن، هُنا، إلى ضرورة الانفتاح على القصّة القصيرة بالذات بعيداً عن تراجيديات المسرح والرواية المكرّسة، كما صنع جاك لاكان تماماً، على عكس اشتغالات الفرويديّين.

هناك بدايات جديدة، هذا ما يُدافع عنه حسن المُودن في كتابه الموجَز، من دون أن نفهم هذه الـ"ضدّ" التي يُثبتُها في عنوان كتابه الفرعي على أنّها النقيض المُطلَق، بقدر ما تبدو عودةً إلى توسعة المفاهيم، وزحزحةً لأحكام النهايات حتى لا تكون ذات صبغة حتميّة، بل استبدال "ضدّ بروست: نهاية الأدب" (2006) لـ دومينيك مانغينو بـ"حاجة إلى تخييل نظري" على طريقة عبد الفتاح كيليطو في "أنبؤني بالرؤيا" (2010)، يتساءل المودن: "ألا يستحقّ حمّاد الراوية أن يكون موضوع رواية نقدية؟" على غرار التوحيدي في "والله إنّ هذه الحكاية لحكايتي" (2021)؛ وبحاجة إلى "نقد تدخُّلي"، كما فعل بيير بيار حين غيّر في كتابه "من قتل روجيه أكرويد؟" الجاني الحقيقي في رواية أغاثا كريستي، أي السارد، واستبدله بإحدى شخصيات الرواية.

المساهمون