تاريخ زينب

15 سبتمبر 2017
خالد البوشي/ سورية
+ الخط -

لم تكن ريادة رواية "زينب" لـ محمد حسين هيكل، هي التي تثير انتباهنا فقط، أثناء دراستنا الجامعية، بل تلك الموضوعة التي تحدثت عن أن الكاتب لم يجرؤ على وضع اسمه الصريح على غلاف الرواية، ووضع بدل ذلك اسماً مستعاراً هو "مصري فلاح". وقد قيل إنه كان يخشى من أن يكون للنص الجديد تأثير سلبي على حياته الخاصة.

وعلى امتداد القرن الماضي شدّد النقاد العرب على موضوعة الخوف والخشية الاجتماعية من الشكل السردي الجديد الذي تجرّأ هيكل على إدخاله إلى الثقافة العربية، وكانوا يستندون في هذا إلى ريادة رواية "زينب"، وإلى كونها جديدة كنوع أدبي يخالف الأشكال العربية في التعبير، ما يستلزم اعتراضاً من حماة التراث، ودعاة التمسك بالهوية.

لم تقدّم في وجهة النظر التي ترى الخوف في التنكر، أسباب ذلك الخوف، ولماذا كان الكاتب حريصاً على عدم ذكر اسمه. بينما يكشف عبد الله إبراهيم في كتابه "موسوعة السرد العربي" أن لدى الكاتب أسباباً أخرى، لم يكن من بينها الخوف، كي يتنكر في اسم آخر، وأن مجلة مصرية معاصرة لزمن صدور الرواية، قد أشارت في عرضها لها إلى هوية الكاتب، وذكرت اسمه الصريح.

تخلخل هذه المعلومة ركناً من أركان نظرية الخوف، وتعيد وضع الرواية في السياق الصحيح، من تاريخ الكتابة الروائية العربية، بعيداً عن اجتراح البطولة، وتجشّم المصاعب في سبيل الريادة، لتضع بديلاً لها نظريةً أكثر خطورة، وهي أن الاحتفاء برواية "زينب"، كان ناجماً عن ميل النخب العربية، إلى القطيعة مع التراث العربي السردي، أو عدم القدرة على تطويره وتجديده، واستعارة الأشكال الغربية في الرواية والقصة، وفي المسرح لاحقاً، وأن الاهتمام العربي بـ"زينب" كان يتمركز حول نجاحها في استعارة الشكل، لا في ابتكاره، أو في التحرّر من الكتابة التراثية، التي وُضعت دائماً في قفص الاتهام بالعجز عن التعبير المناسب عن الهموم والمشاغل المستجدة على الإنسان العربي. وقد كشف التأريخ الأدبي اللاحق وجود عشرات الأعمال السردية التي سبقت زينب.

وبالنسبة للشكل المستعار من الغرب، فقد اقتصر الأمر على الاستعارة وحدها، وهو ما سوف يحدث في معظم العلوم الإنسانية، كما في النظريات السياسية، كالقومية والماركسية أيضاً. إذ سوف تظل الثقافة في نطاق المادة المستعارة، دون أن تعمل على تطويرها وإغنائها في التطبيق أو النظرية.

وحتى هذا اليوم، لا تتوفر لدينا دراسات نقدية تحاول أن تقدّم لنا، وللعالم، حجم المساهمة العربية في تطوير النوع الروائي، أي في تجديد الشكل، وإضافة التقنيات على المستورد الأدبي.

وقد يكون التقريظ الذي حظيت به رواية "زينب" ومؤلفها هيكل، سبباً في أن الأجيال اللاحقة من الروائيين العرب وجدوا في المرجعية الغربية الجهة الوحيدة التي تستطيع المساعدة في حضور النوع الروائي. وقد سبق السيف العذل، ولا نعرف متى يستطيع كتاب بحجم وأهمية "موسوعة السرد العربي" أن يترك تأثيراً نوعياً في إعادة خلق الروابط النصية والأسلوبية والبنائية بين الكتابة الروائية العربية، وأشكال الكتابة السردية العربية التراثية.

المساهمون