يموتُ كلُّ شيء قبلَ الصباح،
قبل الليل الذي أشرفَ على وِلادتِه الدامية.
قبل أن يُطلَّ من أماكن مَطويّة،
تحت الأرض وفوق السماء.
قبل أن تنبثق فراشاتٌ بيضاء من رحم العاصفة.
قبل أنْ يَخرُجَ واحِدٌ مِن الأموات،
لِيُلقيَ بصرْخاتٍ مُجوَّفةٍ تَسقُط في الوادي،
مثلَ طيور شَقَّ كبدَها طائرٌ ضارٍ
لا أحد يَعرف كيف هَوى من الغيمِ الأسود،
مثلما يَهوي القدَر مع الرعد والبرق.
قبل أن يَعرف الماءُ طريقَه إلى الطوفان.
قبل أن يرتدي الرُّهبانُ أَردِية الله.
قبل أن تجرسَ الأفعى
وتقرأ حركة الظلال.
قبل أن يحبُوَ الطفل والذئب على العشب.
قبل أن يَرفَع الغريقُ سبَّابتَه،
لِيَطلبَ العودة إلى البيت.
قبل أن تخورَ البقرة،
ويكتبَ المعلِّم رسالة بالطبشور الأبيض.
قبل أن يُغَيِّر العصفور ريشة الربيع
بمِعطَف الخريف الداكن.
قبل أن تُحرّكَ الفزّاعة رأسَها وذراعَيْها باتجاه الريح.
قبل أن تَدمعَ العين،
ويَنتشرَ في مينائها صفاءٌ مُخيفٌ لَمْ يُرَ مِثلُه
فوق أيِّ جَبين أو مدينة.
قبل أن تُغلقَ البِركةُ جَفنَها الأبيض.
قبل أن يَقِفَ غرباء على أرضٍ غريبة،
يتزوّدون بالمياه المالحة،
ويَحملون أيْدٍ ميّتة إلى القدور.
قبل أن يأتيَ الصباح على ظهر دابّة
في خُرجها تُرحَّل أسفارٌ قديمة
يموتُ كلّ شيء
فلا أحد يَفتحُ الباب
لا أحد يَرتمي على الكَنبة
لا أحد يَسعل في الركن
لا أحد يُخرِس صندوق الأخبار
لا أحد يفتح الكتاب
لا أحد يَقرأ ما بين السطور
لا أحد يَحلُم، مُتكوِّماً مثل بومة
تحت ريش الكلمات.
البيضاء 10/03/2022
* شاعر من المغرب