لا تُغادر التفاصيل المتعدّدة في الشخصية السودانية أعمالَ نور الهادي، متتبّعاً الأزياء الملوّنة خاصة عند النساء وحركة الناس وسلوكياتهم في المكان، بحيث تحتوي اللوحة الواحدة على مشاهد متنوّعة لا صلة تربط في ما بينها، لكنها تقدّم موضوعاً واحداً يأخذ تكوينات لا حصر لها.
بدأ الفنان التشكيلي السوداني، المولود في جزيرة كرني وسط نهر النيل عام 1959، الرسم في فترة مبكّرة من حياته، وبحضور قويّ للطبيعة، كما رسم العديد من البورتريهات التي ربما شكّلت أساساً لشخصيات طوّرها بعد دراسته في كلية الفنون وصولاً إلى اليوم.
استكمالاً لتجاربه السابقة، يُفتتح عند الحادية عشرة من صباح الإثنين، الرابع من الشهر المقبل، في "المؤسسة العامة للحي الثقافي - كتارا" بالدوحة، معرض نور الهادي الذي يحمل عنوان "السودان أرض الألوان"، ويتواصل حتى السابع عشر من أيلول/ سبتمبر المُقبل.
يضمّ المعرض لوحات تصوِّر المشهد الاجتماعي والثقافي في السودان، في محاولة لتقديم بانوراما بصرية تمزج بين الواقع بمفرداته المُغرِقة في محاكاة البيئة المحلّية، وبين بُعد أسطوري تحضر علاماتُه ورموزُه وإشاراتُه في تكوين المناخ العام للعمل.
يمثّل اللون واحداً من أهمّ عناصر لوحة الهادي، المعروف بتقديمه عادة ألواناً قوية ومتراكمة كطبقات على السطح، ضمن تعبيرية تذهب إلى التجريد، وهي نزعة تغلب على معظم أعماله الأخيرة، بعد أن سادت الانطباعية في أعمالٍ سابقة ركّزت على صفاء اللون، وتحديد أكبر لملامح الشخوص والأبنية في الفضاءات التي يتناولها وظهرت فيها تلك المربّعات الصغيرة.
المربّعات كانت تعكس بدايةً تداخُل التكوين الإنساني مع محيطه الذي يبدو امتداداً له، لكنها ستتحوّل بعد ذلك لتحشد الشخصيات على نحو أكبر في اللوحة، حيث لم يعد كثير من ملامح وجوهها واضحة، كما قد تلتصق ببعضها بعضاً فتسير أزواجاً وجماعات، مع هيمنة نسائية غالباً.
يعتمد الهادي على الذاكرة الطفولية مصدراً رئيساً، تعكس في جانبٍ من جوانبها حنيناً إلى تلك الحياة البسيطة الوادعة في جوهرها، والصاخبة في تنوُّع ألوانها وطبيعتها. صورة واحدة لشخصيات تقترب من شكل أيقوني لكنها تُستَنسخ في كلّ مرّة بحسب اختلاف المسافة في النظر إليها.