ننشر على حلقات رواية "نصّ اللاجئ"، والتي لم تُنشَر في كتاب، وهي من أهم أعمال الشاعر والروائي والناقد الراحل محمد الأسعد الذي غادر عالمنا في أيلول/ سبتمبر 2021، وكان من طليعة كتّاب القِسم الثقافي في "العربي الجديد"، وأحد أبرز كتاب فلسطين والعالم العربي.
ثلجُ صوفيا الجميل، وهذه التماثيل المُعتِمة، نصف المقلوبة ونصف العالقة على قواعدها، كلّ هذا ذكّرني بأحلامنا التي مضينا وراءها، والأسماء التي كنّا نُصادفها على صفحات الكتب والخرائط، فكنّا نرحل دامعين على صفحاتها.
كان محمد الماغوط يغفو في الخمسينيات على خرائط العالم في مكتبة عامة، "ودموعه تجري من قارّة إلى قارّة"، وكنّا صغاراً آنذاك نصحو على ضجيج القومية العربية، فكانت دموعُنا أقلَّ طموحاً؛ كانت تجري من عاصمة عربية إلى أُخرى.
وها هو ثلجُ صوفيا أخيراً، وهذا هو الصباح الأوّل الذي يُوحي بالأمان، فقط لأن شرطيّ المطار لم يهتمّ كثيراً بوثيقةِ اللّاجئ التي أحملُها، وإن حرص على أن يُسجّل بدقّة في مكان الجنسيةِ لفظة "بلا جنسية"، أي "بدون" بالمصطلح العربي الشائع.
وسيجعل ضبّاطُ الهجرة في دفتر الإقامة مكان ميلادي "إسرائيل" بدل فلسطين؛ شيء تقتضيه "المعاصرة والحداثة" ربّما! كنتُ أُفضّل بالطبع أن يظلّ مكانُ ميلادي كما كان بالفعل فلسطين، إلاّ أنني تذكّرت أن هذا الاسم لم يعد موجوداً إلّا في عددٍ يتناقص من المطبوعات العربية، وفي وثائق الاحتلال البريطاني، و"التوراة"، بالإضافة إلى مسكننا الشهير في البصرة.
أفضّل أن أذهب إلى الجحيم على أن أربط شريطاً في سياج ملِك
كان الطفلان مَرِحين وهُما يتراكضان تحت الثلج الهابط خفيفاً أبيضَ شبيه القطـن والريش، يحمل كلّ واحد منهما الاسم الذي منحتُه له: غسان الذي قيل لي منذ البداية إنه اسم علماني، أي إنه لا يشير إلى دينٍ محدّد، مع أن اختياري جاء لسبب دلالي؛ فالغسان هو حبّة القلب، وهو الجدّ القديم لغساسنة الشام، إذن هو اسم يولّد معناه باختلافه عن أسماء بضعة قبائل خشنة ومتوحّشة ضمن حقله الدلالي، وباختلافه عن أصوات بضعة ألفاظ مجاوِرة مثل قحطان وعدنان، وكلّ الألفاظ التي تحمل معاني الجفاف والنأي. وأناهيد تلك المعبودة الوثنية الأرمنية مرّة والفارسية مرّة، ثم العربية، وأخيراً هذه الطفلة الجديرة بثقل كل هذه الحضارات.
وفكّرتُ أنهما وجدا أخيراً بلداً لا يصمُهما بوصمة اللاجىء، بل باللفظـــة البسيطة الغامضة: "بلا جنسيـــة"، أو بمعنى آخر، اللفظة التي تحكمُ عليك بالحرية دفعةً واحدة. وعليكَ، تماماً مثلما أراد العم سارتر الذي كان حَوَلُ عينه اليسار يبدو لي غيــر ملائم لفيلسوف، أن تجد ماهيتك.
قبل يومين من هـذا اللقاء بحُرّيةِ كونكَ لا شيء، أو إنكَ لم تعد شيئاً، وقفتُ مع هذين الطفلين وأمّهما الأردنية الجنسية في مطارِ عمّان ذات فجرٍ غائم، والمطرُ يتساقط فيزيد الفجرَ سواداً، مُتّجهين إلى صوفيا، وبي شكُّ أن أستطيع الدخول أو العودة.
قال الصديقُ خيري منصور ونحن نسير في أحد شوارع عمان على غير هدىً:
- "هذه حالة غير معقولة... ألّا تعرفَ أين تذهب".
وفكّرَ قليلاً، ثم فكّرَ، وعاد ليقول بثقة:
- "لا تقلق... سأروي هذه القصة على مسامع الملك، ولن يمضي شهرٌ حتى يكون الجوازُ في جيبك".
كان خيري يحتفظ بصورةٍ على مكتبه التُقطت في مناسبةٍ يظهر فيها مُبتسِماً، وهو يُصافح الملك، ولعلّه اعتبر هذه المصافحة العابرة ضماناً كافياً يؤمّن الفوزَ بالرضا الملكي.
كانت زيارة عمان قد انتهت. هي ستّة أشهرٍ غير قابلة للتجديد، وعليكَ أن تغادر، أنتَ وزوجتك وأطفالك، وتمرّ في طريقكَ إلى المطارِ بصُور الملك المبتسم دائماً على ناصية هذا الشارع أو وسط تلك الساحة، ولكن بلا ذلك الجواز الموعود.
تساءل وزيرُ الداخلية الأردني جودت سبول حين طلب منه أحدهم إذنَ إقامةٍ لفلسطيني:
- "هل تريدني أن أسمح بإقامةٍ لمن يأتي ليشاركني كوبَ الماء الذي أشربه".
وقال موظّفٌ في وزارته لزوجتي حين طلبت إقامةً لأطفالها على الأقل:
- "أتريدون أن تُحدِثوا مجاعة في البلد؟".
أما مدير مكتب رئيس الوزراء، فكتبَ على هامش طلبِ الإقامةِ الذي قدّمتُه: "المطلوب سيرة ذاتية... وإعلان ولاء... و...". ولم أُكمِل القراءة.
لا أدري إن كان هذا الشخص الذي يلبس لباسَ رجل الحضارة، يعرف أنّ مواطناً في بوتسوانا يُدعى يونيتي دو رفع دعوىً ضدّ القانون الذي يُميّز بين الرجل والمرأة في بلدِه، ويحرم المرأة المتزوّجة من أجنبي من حقّ منح جنسيتها لأطفالها، أو أن يقيموا معها في بلدها، فتقرّر المحكمةُ في حزيران/ يونيو 1992عدم دستورية هذا القانون لأنه يُميّز بين المواطنين بسبب الجنس، أو يدري رجل الحضارة هذا أنّ لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، تحظر التمييز العنصري بسبب الجنس حتى لو لم تنصّ على حظره الدساتير الوطنية؟
كان لابدّ من الخروج من عمان ومن أساطير البسطاء فيها
ثم هل يمكن أن يُصاب بالكآبة، لو علم أنّ سلطات الأحوال المدنية ووزارة الخارجية في بلده أعطتني، وهي مُبتهجة كتاباً رسميّاً يقول إنّ حكومة جلالةِ المَلك لا تمنح أطفال الأردنية المتزوّجة من أجنبي لا الجنسية ولا الإقامة حتى؟
كان مبنى "المفوّضية العُليا للاجئين" يقع في مكان ما من الشميساني، والتي يبعث اسمُها الانشراحَ في النفس، بعكس النزهة والجوفة اللّذين يبعثُ اسمهما الانقباض، رغم أن الفرق بين سكّان هذه التلال الصخرية التي يسمُّونها بمعاييرهم الصغيرة جبالاً، هو الفرق بين حلزون شتوي تجده لزجاً متشبّثاً بالصخور لا يجرؤ على الحركة إلّا من وراء ظهركَ وبحذر، وبين حلزون صيفي تجده مُبتهجاً ولامعاً في الشوارع أو يتناول طعامه في مطعم "جبري"، أو يشرب القهوة في مقهى "الفاروقي".
ومع ذلك، هناك أمرٌ مشترك، وهو أنكَ لا تستطيع مخاطبة كلا النوعين من الحلزون، سواء أكان لزجاً أم مصقولاً لامعاً، فالعداءُ الموجّه إلى الآخر لمجرد أنه "آخر" يبدو هنا امتيازاً تعتزُّ به هذه الكائنات.
وفكّرتُ أنني سأجدُ من أخاطبه في المفوضية العليا، وهي قابعة في مُنحدَرٍ تعلن عن نفسها بعلمها الأزرق المريح. وهناك ومن وراء سورها الحديدي المرتفع شرحتُ لموظّفٍ ما باختصار كيف أنني لا أملكُ مكاناً أقف عليه، فلا الأردن يسمح لي بالإقامة، ولا أيّ بلد مستعدٌّ لمنحي حتى تأشيرة زيارة أو مرور، وأي طائرة لا تستطيع أن تقلّ لاجئاً بلا جنسية.
قال الصديق إبراهيم زعرور، وهو يجمع حوله أطراف عباءته متربّعاً فبدا شبيهاً بحلزون حقاً:
- "إذن أنا بجوازي الأردني أعيشُ في نعمةٍ من دون أن أدري".
وتطلّعتُ إلى المُنحدرات الثلجية التي يطلُّ عليها بيته الدافئ، ولم أجد جواباً.
واقترح عليّ الموظّفُ كتابة تقريرٍ مُفصّل وتقديمه لينظر فيه المدير، ففعلتُ في اليوم التالي، وجلستُ أكتبُ تقريري عن ما يقارب الأربعين عاماً من العُزلةِ في زاويةٍ سمح لي الموظف باحتلالها، ثم تناول أوراقي ووعدَ بأن يتصل بي بعد يومين... أو ثلاثة... أو أسبوع.
يقول كاتب فلسطيني:
"يُفترض نظرياً، أن المنظومة الحقوقية المقرّرة للاجئين عموماً تنطبق على الحالة الفلسطينية، غير أنّ الممارسة والواقع الفعلي أبرزا أن لهذه الحالة وضعاً خاصاً. فاللّاجئون الفلسطينيون مُستثنَون مثلاً من حماية 'المفوّضية العليا للّاجئين' التابعة للأُمم المتّحدة التي تأسّست في العام 1950، بسبب ما وُصف بالطابع السياسي لقضيّتهم، والذي لا ينسجم مع المهمّات غير السياسية لهذه المفوضية طبقاً لميثاقها، كما أن هذه المفوضية تتذرّع بإمكان نشوء ازدواجٍ مع أعمـال هيئة الأونروا التابعة للأُمم المتّحدة، مع أن الأخيرة لا تشمل اللاجئين بحمايتها، على اعتبار أنها وكالة إعانة وغوث، بل ولا تُفرد جناح إغاثتها على كلّ اللاجئين".
وكان عليّ - أنا الوحيد ربما - التحقّقُ من صحّة هذا الكلام قبل نشره بأربع سنوات. فبعد انتظارٍ امتدَّ طوال أسبوعين، لم تتصل بي "المفوّضية العليا"، بل اتصل موظفٌ إيطالي من "الأونروا" قدم نفسه على أنه أنطونيو بروسا، فعجبت للأمر لأنني أعرف أننا نحن أفراد القبيلة التي ضاعت في العراق، وزجّوا بها في "التوراة" وسحقوا لسانها، غير مسجّلين في سجلات "الأونروا".
قال لي بروسا:
- "آسفون... لا نستطيع أن نفعل شيئاً من أجلك أو من أجل عائلتك".
قلت: "ولكنني قدّمتُ أوراقي إلى المفوّضية العليا وليس لكم".
فوافق: "هذا صحيح، ولكنهم حوّلوا الأوراق إلينا... وبما أنك غيرُ مسجّل لدينا لا نستطيع شيئاً، على أيّ حال، أعددتُ لكَ كتاباً بتوقيع مدير 'الأونروا' الإقليمي السيد براون، وسيساعدك هذا الكتاب".
في حالة اللاشيء لا يستطيع أحدٌ نبذكَ لأنّه لا يوجد فيك ما ينبذ
وقرأتُ بالإنكليزية الكتاب الذي وجّهته "الأونروا" إلى من يهمه الأمرُ: "سنثمّن عالياً كلّ مساعدة تقدّمونها إلى السيد الفلاني وعائلته، إنه لا يستطيع الإقامة في عمان، ولا يستطيع السفر إلى أي بلد، فنرجو مساعدته".
وسألتُ الإيطالي:
- "أتعتقد أنّ لهذا الكتاب جدوى، ولمن تقترح أن أقدّمه؟".
قال:
- "تستطيع أن تُقدّمه إلى السفارات الغربية، وسيساعدونك لأنهم يحترمون السيد براون".
كان عليَّ إذن أن أستكشف "من يهمّه الأمرُ" في السفارات الغربية؛ من يهمّه أمرُ أنني لاجئٌ لا يستطيع العودة إلى العراق لأنه أحرق سُفنه معه منذ أن شرّده من الكويت، ولا يستطيع البقاء في عمّان لأن وزير داخليتها يخشى أن يقاسمه كوب الماء، ولا يستطيع العودة إلى الكويت لأنها أغلقت أبوابها دون الفلسطيني، ولا يستطيع السفر إلى أي بلد... لأنه بلا جنسية!
كان الإيطالي لطيفاً، ولم ينسَ أن يرثي لحالي قليلاً، وكذلك كان موظّف السفارة السويدية، والكندية، والأميركية، إلخ. كلّهم لا ينسون الابتسام وقول "آسف" على الأقلّ.
وهكذا كان لا بدّ من الخروج من عمان التي تروي أساطيرُ البسطاء من أهلها أن ملكها لا يرفض طلبَ من يستطيع أن يصل إلى بوابة القصر ويربط شريط قماش أخضر. أما أنا، اللاجئ الفلسطيني، فأفضّل أن أذهب إلى الجحيم بالطبع على أن أربط شريطاً في سياج قصرٍ كما يريد منّا هذا التاريخ وتقاليده السفيهة.
ظلّت فكرة الوطن ثقيلة ثقلَ الرصاص في أعماقهم
ها أنا في صوفيا إذن بعد ليلةٍ من الهواجس التي كنتُ فيها كأنني على طرف العالم ضائعاً لا أدري أين سأقف، تراودني صورة ذلك اللاجئ الذي ظلّ معلّقاً بين المطاراتِ طوال ستة أشهر من دون أن تسمح له دولةٌ بالدخول إثرَ اجتياح لبنان وحلول الغضبِ على الفلسطينيين حاملي الوثيقة اللبنانية.
وخطر ببالي ذلك السنغالي المُقيم كما يقال في مطار "أورلي" في باريس، فلا هو قادر على الدخول، ولا هو قادر على الرجوع، إلى أن تحوّلَ إلى إحدى علاماتِ المطار الطريفة التي يحرص الذين يعرفون طرفاً من حكايته على المرور بها ولمس السنغالي للتأكُّد من أنّ ثمّة إنساناً نادراً على سطح الكرة الأرضية، يعيش مثل هذه الوضعية العجيبة، وليتنهّد العابرون شاكرين أنهم آمنون في جوازات سفرهم.
منذ أن أُبعدتُ عن قبرص، كنتُ أتوقّع مصيراً مثل هذا، ولهذا كنتُ دائماً أحرصُ على أن أحمل معي كمّيةً كافيةً من الأوراق وبضعةَ كتب وأغطية لطفليَّ وزوجتي ومعطفاً ثقيلاً جاءنا بالبريد ذات يوم من ألمانيا بالصدفة. كلّ هذا كان يكفـي في اعتقادي لتأثيث الوجود في "ترانزيت" أيّ مطارٍ نضطّر للبقاء فيه أشهراً وربما سنوات.
وكنتُ أشعر بالاطمئنان بفضلِ تطوّر التقنية، لأنني أستطيع الاتصالَ بالعالم من أي "ترانزيت"، بل وإرسال مقالاتي، وممارسة حياتي اليومية، من دون إخلالٍ بأمن المطار، ومن دون أن أسبِّب قلقاً لمطاراتٍ أُخرى مُغلقة، فلا أحد مستعِدٌّ لحمل لاجئ لا يملك جواز سفر، أو يحمل "جنسية غير مؤكّدة " على حد تعبير ضابط الهجرة القبرصي الذي خطر له أنني قد أنتهز غفلة منه وأهرب فظلّ يُلازمني وأطفالي حتى باب الطائرة.
مهما يكن الأمر، فإنّ التنقّل من مطار إلى مطار، أي على هوامش العالم، ورؤية عيون المسافرين السعيدين التي تحدّق بكَ وأنتَ محاط برجال البوليس، غير مبالين أو فضوليين أو مندهشين، سيكون أمراً طريفاً.
أن تكون لا شيء أفضَلُ، أحياناً، من أن تكون شيئاً مُقرّراً سلفاً. في حالة اللاشيء لا يستطيع أحدٌ نبذكَ لأنّه لا يوجد فيك ما ينبذ، أو لا يستطيع أحد جرحكَ، تماماً مثل ذلك القديس الهندي برابهو الذي شفّ وشفَّ حتى أصبح من المحال أن يُضرب بالسيف، لأن السيف كان يهسُّ، ويخترقه كأنما يخترق فضاء خاوياً.
هذه الدقّة البلغارية اللطيفة في وضع إشارة "بلا جنسية"، تشبه إدخالكَ في حالة وجودية تكون فيها سيدَّ ما ستكون عليه.
وسأجدُ في صوفيا بعد ذلك كم هو مملٌّ وثقيلٌ أن تكون شيئاً في شخصياتِ عددٍ ممّن عرفتُ هناك، وبعضهم أصدقاء قدماء جاءت بهم الطائرات. ما يُثقل هؤلاء الناس هو أنهم عاجزون عن لمس الثلج الأبيض، أو رؤية التماثيل القديمة، أو السير تحت المطر، بسبب فكرة الوطن الثقيلة ثقلَ الرصاص في أعماقهم.
كنّا ونحن صغاراً نعجب لتلك الدمية البلاستيكية التي كيفما وضعتها ما تلبث أن تقف، وكنا نسميها "شيخ ما ينام"، ولكن العجب سرعان ما ينتهي حين نكتشف قطعة الرصاص الملتصقة بقاع الدمية من الداخل.
الثقيلُ هو من لم يمرّ بالخلاص الذي مررتُ به حين أصبحتُ الوحيدَ الذي لا مكان له. الوحيد الذي عليه أن لا ينتظر شيئاً من هذا العالم.
أحد قرّائي من قرية باقة الغربية أرسلَ لي رسالةً ذات يوم، وكنتُ يومها في السجن البريطاني القبرصي القديم، بدأها بقوله: "أيها المقيم بلا إقامة". لم يكن يعلم بالطبع أنني سأقرأ كلماته هذه في زنزانة تمتلئُ جدرانها بتمنيات من سبقوني إليها، بعضهم يكتب "ها أنا عائد يا بلدي الحبيب"، وبعضهم يكتب بأخطاء إملائية "لن يبقى فلسطيني واحد في لبنان"، وبعضهم يكتب عنوانه في بنغلادش طالباً مراسلته، وآخرون وآخرون. رغم كلّ تعاستهم في تلك اللحظات، كان لهم مكانٌ محدّدٌ على سطح الكرة الأرضية يعودون إليه على الأقل، ولم يكن لي أيّ مكان.