مع فلسطين: مساحة تخصّصها "العربي الجديد" ليوميات كتّاب ومبدعين عرب وهم يتابعون العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، وما يودّون مشاركته مع القرّاء.
يكاد يتعطّل كلّ شيء. لا أعرف لماذا هجرتُ ــ فجأةً ــ الكتبَ التي خطّطتُ لقراءتها، ولا أعرف لماذا توقّفت عن إعداد كتابي الجديد، المهتمّ بالشأن المسرحي، ولا أعرف لماذا لم أعد أفكّر في الشغل وضجري الدّائم منه. كلّ ما أعرفه الآن أنّ كلّ شيء قد توقّف بما في ذلك بعض التفاصيل اليومية.
لقد عادت القضية الفلسطينيّة إلى السّطح وعادت معها صيحة الفينيق إذا هو مات انتفض من محرقته مجدّداً، عادت لتطعن في سرديةِ نهايتها.
نعم، لقد تعطّل كلّ شيء، إلّا انتظار المستحيل الذي يجب أن يكسر مستحيله. المستحيل هو أن تتحرّر هذه الأرض وأن تقوّض المقاومة سرديّةَ سيزيف التي وقعت في نسيجها. أمّا الانتظار، فهو ما يعطي للممكن إمكانية اختراق هذه المستحيلات جميعها، هذا الممكن الذي لا نصنعه نحن لأنّنا لا نعيش على تلك الأرض، ولأنّنا نحيا أيضاً تحت وطأة قمعٍ آخر هو قمع الأصوليّات المعاصرة التي شهدت عملية تخصيبها بعد خصْي الثورات.
كلّ ما أعرفه أنّ كلّ شيء قد توقّف بما في ذلك إعداد كتابي القادم
ما يصنع الممكنَ هو الفلسطينيُّ الآن، بجسده المصلوب أمام هزيع الرصاص والصواريخ والدبّابات وأشلاء الشهداء، وبإرادته الخارقة، التي حوّلتهُ من هنديٍّ أحمر ــ تمّ شطبه من الوجود ــ إلى طاقةٍ مدهشة تتمسّك بالأرض، بوصفه نباتها الوحيد.
من الرّكض المستمرّ وأنا أتابع الجحيم الذي يحدث في الأراضي المحتلة، هذا الجحيم الذي يتمّ تشغيله من قِبَل الكيان الصهيونيّ، إلى الاعتزاز بطاقة الصمود وقوّة الردّ للشعب الفلسطيني الأعزل، ومنهما، الآن، إلى ضرورة المشاركة في كلّ المظاهرات التي حدثت أو تحدث في تونس، من أجل سنّ قانون تجريمِ التطبيع، ومن هذا جميعاً إلى اهتمامي مجدّداً بأطروحة فاضل الربيعي، القائلة بأنّ القدس ليست أورشليم، وهي ليست كذلك فعلاً. فإسرائيل التاريخية ما هي إلّا مجرّد قبيلة عربيّة بائدة لم يعد لها وجودٌ أو أثر منذ السبي البابلي. أمّا إسرائيل الحالية، فوجودها متخيَّلٌ وواهم، وحدوثها ما هو إلّا سردية كاذبة تمّ توقيعها من قِبَل كيانٍ غاصب، كيان لا عمق شعبيّاً له، لأنّ الشعب الحقيقي هو الشعب الفلسطيني، صاحب الأرض وابنها.
بطاقة
كاتب وباحث تونسي، من مواليد 1982. تقع كتاباته ــ الصحافية والبحثية ــ في تقاطعٍ بين دوائر النقد للثقافي وقضايا المسرح المعاصر والدراسات الأدبية. من مؤلفاته: "المسرح وخرائط أخرى"، و"أدونيس سريالياً"، و"مسائل في اللاهوت المسرحي"، و"الانقلاب الفرجوي: مذابح ديونيزوس".