استمع إلى الملخص
- الجدة ياسمين تمثل الجانب المأساوي للهجرة بوفاتها من شدة الحزن، مسلطة الضوء على التضحيات والخسائر الشخصية للمهاجرين وتأثيرها على الأجيال اللاحقة بشعور بالفقد والحنين.
- الراوي يقرر استعادة كنية عائلته الأصلية، ممثلاً رحلة البحث عن الهوية والانتماء، ويُظهر كيف يمكن للأجيال الجديدة إعادة تشكيل هويتها وتاريخها مع الحفاظ على ذكريات وتقاليد الماضي.
لطالما سمعتُ أنّ كنية عائلتنا لم تكُن "مِندوسا". فقد تغيّر اسم جدّنا اللبناني، موشيم، ليتمكّن من دخول هذا البلد المهيب مع المهاجرين البِيْض الذين يتعاملون بقسوة مع الآخرين المُلوّنين. ولم يكُن أحد يعلم كيف يلفظ أو يكتب كنية عائلة الجدّ الأكبر، حتى إنّ بعضهم استغلّ ذلك وزوَّر "كمبيالات" باسمه وأوقعه في مشكلات. لكنّ التاريخ سطَّر حزناً أكبر من ذلك، حُزناً لقلبٍ مُهاجرٍ لم يتمكّن من عبور البحر ليجتمع مع أحبابه، فمات بخيباته وحسراته.
ورغم أنّ القصّة كانت معروفة بين الكبار بشكل عام، إلّا أنها لم تصل إلى جيلنا. بل إنها نُشرت في نصوص عامّة، مثل قاموس "مختصر الجاليات التبشيرية"، الذي ذُكر فيه أحدُ أعمامي، وهو كاهن، من خلال قصّة سأسردها. لستُ متأكّداً إن كان الشعور بالعار من سرد القصة هو ما حجبَها عنّا، إذ خلَق ذلك حُزناً عميقاً ممزوجاً بشعور بالذنب امتدّ لأجيال عدّة. ولستُ أدري أيضاً إن كان شعورُنا الدائم بالقلق نابعاً من قصّة اليُتم هذه، حتى صار هذا الشعور أشبه بشجرة سرطانية غُرست في أكثر من فرد في العائلة وصار أصلَ شجرة العائلة. دقُّوا على الخشب!
كان الحُزن دفيناً ومُنتشراً عابراً للجينات وعابراً للمُحيط الأطلسي. بيد أنّ القصة الحقيقية وصلتني متأخّرة، قبل سنتين ونصف تقريباً. وحين عرفتها، أدركتُ حجم ألم جدَّتي الكبرى، وشعرت وكأنَّ ألمها تطابق مع ألمٍ ما في قلبي. كانت تتوجّع مثل حوتٍ جانح، وقرّبَنا هذا الوجع من بعضنا، كما لم يحدث في أيّ وقت سابق.
كانوا يسعون للاستقرار مثل بذور تحملُها الرِّيح
صحيحٌ أنني لم أكُن بعد مخلوقاً في هذا الكون، وكُنّا في ملكوتَين مختلفين، ملكوتَي الحياة والموت، إلّا أنّ جزءاً كبيراً من قلبي ينتمي لها، تخفق فيه روحُها وتعيش وتمرح ويشفيني مجرّد الإحساس بها. إنها جدّتي المشرقيّة الكُبرى، المختلفة تماماً عن جدّة راؤول*، الجدّة الفراشة، المجنونة الرابضة في قلبي. أقول للقارئ - قبل أن أنطق اسمها - وأقولُ لها: أُحبُّكِ يا جدّتي، أُحبّكِ بلا حدود وأُقدِّر شجاعتك، أحترمُ ألمَكِ الذي سَكنني، ومنحني الشجاعة والفرح والألم لعبور مُحيطات الحياة ومشاعر الحبِّ والبُغض.
شكَّل سقوط الدولة العثمانية حدثاً مُهمّاً في تلك الأرض المُشتعلة بالأحداث السياسية، وآثَر رجال العائلة الحياةَ على الموت، فقرّروا مُغادرة البلاد بسبب الاضطهاد الديني، ولأسباب أُخرى تتعلّق بما تزرعه الحربُ على شواطئ الموت.
سأروي الأحداث كما وصلتني... اتفقت العائلة على أن يبقى الأطفال مع جدّتي، أطفالٌ مذهولون من القرار، منهم أبناؤها وبعض أبناء العائلة وأبناء وبنات العمومة. أحدُهم كان جدّي الحبيب، طانيوس. غادرَ بعض أفراد العائلة في سفينتَين. كانوا يسعون للاستقرار مثل بذور تحملها الريح. وما إن يجدوا مكاناً يستريحون فيه، يأخذون بالبكاء بحُرقة، دون خجل. وبمجرّد وصولهم إلى الطرف الآخر من البحر، يبدأون إجراءات إحضار البقيّة من أفراد أُسَرِهم.
وهكذا غادر جدّي الأكبر، موشيم، والد طانيوس، زوج ياسمين، الذي سيتغيّر اسمُه وكُنيته منذ ذلك الحين، إذ سيتحوّل موشيم إلى مويسيس. كانت ولاية فلوريدا الأميركية هي وجهة السفينتَين أساساً، وبعد أسبوعين من انطلاق الرحلة عام 1911، توقّفت السفينة التي تحمل موشيم على متنها إلى المكان الذي سيحمل فيه اسماً جديداً، توقّفت بضعة أيام في مدينة بارّانكيّا في ميناء كولومبيا.
وما إن رأى أرضاً لا دماء فيها، حتّى قرّر أنها أرض مناسبةٌ للتجوال. نزل من السفينة، هكذا، وحده، لأنه الوحيد الذي يُمكن أن نصفه بـ"المتجوّل"، وهذا يفسّر لماذا لا تُستخدم هذه الكلمة كثيراً بصيغة الجمع.
ترك صديقه خوسيه في الميناء، وبدأ يستكشف شرايين كولومبيا وأوردتها. لا أعلم تحديداً الطريق الذي سلكتْه سفينة ماغدالينا، إذ وصلت سوغاموسو ومنها إلى تشيكاموشو، ثم ملقة وسانتاندير، التي أمضى فيها عاماً تقريباً، وخلال هذا العام، أرسل فقط ثلاث رسائل.
نجَت الجدّة من الحرب ولكنّها لم تنجُ من حسرة القلب
لم يكتب كثيراً من الرسائل، لأنّ خصوصيتها انتُهكت خلال الحرب على اعتبار أنّها تحوي الكثير من الأسرار. لذا، فقد كانت الأخبار والخُطط تُكتب على مناديل تُرسَل مع أحد أهل البلاد العائدين، كانوا يطلقون عليهم اسم "بايسانو"** ويلفظون الكلمة بصوت الباء العربية، لأنّ هؤلاء "الأتراك"*** لم يكونوا قادرين على لفظ صوت الـ "P" اللاتيني، ولم يكونوا يملكون من التركيّة أصلاً سوى جوازات السفر، وحملوا أسماء درامية سيغيّرونها لاحقاً. كان كلّ "بايسانو" يحمل منديلاً في جيبه يبدو وكأنه يستخدمه لمُخاطه، والحقيقة أنّ تلك المناديل كانت مفاتيح غيّرت حياة الكثيرين، وتضمّنت توجيهات لإعادة المصائر لمساراتها، وفي أحيان أُخرى، كانت تحمل بشائر سارّة أو تأكيدات سوداوية لفُقدانٍ ما، العديد من الأخبار كانت معروفة بسبب إبحارها من الطرف الآخر من العالَم.
انصبّ تركيز جدّي الأكبر في مناديله الأُولى على شرح الأبجدية والترجمة، على افتراض أنهم سيلتقون على هذه الأراضي، كما كان الجميع يحلم، فقد كانوا يعرفون الحروف اللاتينية وبإمكانهم مَسْحُ أسمائهم القديمة وكتابة الأسماء الجديدة في دائرة الهجرة والجوازات، ودخول كولومبيا كمواطنين عائدين من سفر. كان المنديل هو مفتاح الانطلاقة الكبير.
بهذه الطريقة، وصلتْ إلى الطرف الآخر رسائلُ دون كلمات، ولكن بحُروف تساعد على كتابة حياة جديدة، في مكان آخر، بعيداً عن الخوف. كانت الجدّة الكبرى تعيش بقلق، تتشبّث صحّتها بخيوط المناديل القليلة التي تصلُها، وتشعر بأنّ الجحيم يمتدّ إلى ما لا نهاية. ويوماً إثر يوم، تُجبرها ظروف الصراع في بلادها على تناول طعام أسوأ وأقل.
عام 1993، حين كنتُ طفلاً، سجّلتُ مقابلة بكاميرا مُعارة من عمّي الكاهن لعمّتي ماريا (التي كانوا يسمّونها "مريم" في الطرف الآخر)، وكانت تبلغ تسعين عاماً. سجّلتُ لها المقابلة أثناء طبخها الكبَّة، وروت لي ذكرياتها عن الحرب، مُستسلمة لعِنَادي الذي لم يكُن له تفسير لتُجيب عن سؤال لا أذكر كيف خطر لي، حول قشور البرتقال التي كان عليهم أن يأكلوها بسبب قلّة المؤونة. لم تذكُرْ هي هذه الحلقة من المسلسل، لكنّها تذكَّرتْ حلقات أُخرى عن الحرب ومواطنيها... وصلتْ إلى كولومبيا وهي ذات سبع سنوات. والآن فقدتْ لون صبغة شعرها كلّها ليصبح ناصع البياض، ولم تفقد شيئاً من لكنَتها، لم أكُن حينها أعرفُ أيّ شيء حول ما أرويه الآن، ولهذا فقط أصررتُ على سماع حكايتها والاستمتاع بها وتوثيقها والاستفادة من حضورها.
تمكّّنتْ من تذكُّر الحرب وغزو الجراد والطفولة القاحلة المُغبرّة، وبسهولةٍ أحسستُ ألمَها وقوَّتها في الوقت ذاته. كانت إحدى بنات عمّ الجدّ طانيوس التي بقيت تحت الجناحين المتكسِّرين للجدّة الكبرى ياسمين، قبل وصولها إلى هذا الجانب من المحيط. طار أول المناديل حاملاً في ثناياه تعليمات عن كيفية كتابة الأسماء عند الوصول إلى البلاد الجديدة: لن يعود هناك اسم طانيوس، ولا مريم، ستتحوّل الأسماء لأنطونيو وماريا وفيليبي وغيرها...
إلّا أنّ إمكانية مُغادرة لبنان باتت معقّدة بل تلاشت بالنسبة للجدّة الكُبرى ياسمين. أمّا موسى الذي كان اسمه موشيم، فقد حاول التوازن في ملقَة التي أرسل منها رسالة أَخيرة تُفسِّر سَير الرحلة والوصول إلى أفضل ميناء لكولومبيا، وجميع الأمور اللوجستية من أرقام وتواريخ متوقّعة للوصول. وقد أرسلها مع أحد معارفه ميسوري الحال الذي كان ذاهباً إلى البنان. وصلتِ الرسالة إلى قرية بتغرين القريبة من بيروت، حيث تعيش العائلة. حاولتُ البحث عن المعنى الأصلي لكلمة "بتغرين"، ووجدتُ أنها تعني مكان المُحاربين، بحسب التفسير الأوّل، أو مكان الصخور، حسب التفسير الثاني، أمّا الثالث فيقول إنّها تعني التعويذة، وكانت تعويذة: البيت الأكثر حزناً... ففي هذه البلدة كان لا بدّ من وصول تعليمات في منديل، على أمل أن يلوَّح به لاحقاً لوداع الوطن.
وصل الرسول إلى لُبنان وبعد شهرين قرّر إيصال المنديل لأصحابه
وصل الرسول إلى لبنان. لا أعلم إلى أيّ مدينة ولا كم تبعد عن بتغرين، مع العِلم أنّ التحضير للسفر استغرقه عاماً كاملاً، والكثير من الدموع التي لا يتّسع لها هذا المنديل الصغير. طوى ملابسه الغربيَّة واحتفظَ بها في الخزانة وفي داخلها المنديل، وارتدى الملابس العربية. يُقال إنه بعد مرور نحو شهرين من وصوله إلى لبنان، قرّر إيصال المنديل لأصحابه أو بالأحرى تذكّر أنّ في جيب ثوبه المحفوظ في الخزانة، يقبع مصير كثيرين لم يكن العالَم حينها بالنسبة لهم، سوى منديل. حينما وصل الـ"بايسانو" إلى منزل أتعس امرأة، منزل جدّتي الكُبرى الحبيبة ياسمين، أدركَ أنها قد فارقَت الحياة منذ أسبوع أو أسبوعين: بسبب "الحُزن الشديد" حين ظنّتْ أنها تُرِكَت وحيدة ومعلّقة بوعود ممزّقة، موجوعة من الهجران. تشابكت خيوط صحّتها مع سلامة عقلها... لستُ أدري... لستُ أدري... كانت ميّتة.
يُقال إنه حينما وصل خبرُ وفاتها إلى مويسيس في كولومبيا، شرب زجاجة من "الرُّون" دفعة واحدة، رغم أنه لم يكن شارباً نَهِماً للكحول أو سكّيراً، وفي المساحة الفارغة من الزجاجة ألقى رسالته للأبدية، ومعها ابتسامته. عاد متجهّماً منعزلاً. أتفهّم ذلك جيّداً. هذا ما أخبروني به، وقد استمدّ قوّته من حيث استطاع للاستعداد لمُهمّة إحضار عشرات الأطفال، من بينهم خمسة من أطفاله المنهَكين من الحرب واليُتم. ستظلّ روح جدّي أنطونيو منذ ذلك الوقت باردة، وستحكم - بحسب ظنّي - عليه بالموت بسرطان الرِّئة، بعد حوالي خمسين عاماً في جبال بوافيتا ببوياكا.
سافر الأطفال. ويروق لي تخيُّل حضورهم الملحمي على قمم الفطر المقدّس وعند الجذور، تاركين أُمّهم، أُمّهم الوطن، واللغة والصور التي أفترض أنها تعود للأُمّ المحتضرة وهي تحاول الابتسام، فيما تغطّ صحّتها كاملة في قيلولة طويلة. هكذا يطيب لي تسمية الموت، "الفقدان الكامل للألم".
ستبقى كُنية العائلة لأشهر أُخرى تعوم كيلومترات في البحر، لكنها ستتلاشى عند الشاطئ، في ميناء كولومبيا. مويسيس الذي كان موشيم، بحَث عن صديقه خوسيه مِندوسا ليتصرّف كطبيب حقيقي ويُعالج الأطفال والقادمين على متن السفينة ويستأصل اسم كنيتهم القديم ويمنحهم اسم كنيته، ويدّعي بأنّهم أفرادٌ من عائلته، في عملية أشبه بخلع ضرس، ليتحوّل اسم الكنية من تبشراني إلى مِندوسا.
طانيوس تبشراني هو جدّي أنطونيو مِندوسا. وقَّع الجميع بالأسماء الجديدة بفضل رسائل المناديل، وقوّة موشيم، وكرم خوسيه وحُزن ياسمين.
دخل الجدّ أنطونيو كولومبيا وعمره ثلاثة عشر عاماً وغادر مدينة ملقة الكولومبية حينما وصل إلى سنٍّ تسمح له بفَتح متجر خاصّ به في مدينة بوافيتا، لبَيع أنواع من الأدوية وأدوات حدادة وبياضات وخردوات. كانت مساحة المتجر تزيد عن المترين، وبدا نشازاً في صور البلدة القديمة، مثل جبل في وادٍ. الجميع أحبّ مِندوسا الذي يعني اسمُه أيضاً "ظلُّ الجبل". كان أسطورةً في صلاحِه وطيبته ومكانته بين الناس. تبرّع للكنيسة بساعات مُعلّقة، وساهَم بتشكيل سلاسل بشرية لجلب أحجار من وادي نهر لاأوكالايا وحتى أبراج الكنيسة التي تعلّق عليها الساعات.
لم يكن يُجيب عن الـ"بايسانوس" الذين يتحدّثون معه بالعربية أمام جيرانه من الكولومبيّين. فقد اعتبر ذلك نوعاً من قلّة الاحترام والذوق، واعتاد أن يُقيم في الثالث عشر من حزيران/ يونيو من كلّ عام مأدُبة للمُحتاجين في منزله، رغم أنّ بإمكاننا القول إنّ المَأدُبة كانت يوميّة، إذ أنجب ثلاثة عشر طفلاً من زواجه الأول فَقَدَ منهم اثنان جرّاء "صدمة الولادة".
أطلقَ على الابن الأكبر اسم خوسيه مِندوسا، عرفاناً للشخص الذي أتاح له حَرْق سفُنه والدخول إلى بلده الحبيب كولومبيا. ترمَّل، ومن جديد دخل هواءُ الموت البارد رئتيه. ثم تعرّف إلى جدّتي إيمبيراتيس، وأنجَب منها ثلاثة عشر ولداً آخرين. ومن هذين الزواجين، بقي أربعةٌ وعشرون أخاً على قيد الحياة تسود بينهم المحبّة وما زالوا يجتمعون الآن كلّ عامين، من تبقّى منهم ومن ذرّيتهم.
نزَعَ الأوراق المكتوبة بالعربية واستخدمها للفّ المسامير عند بيعها. لم يسمح لأيٍّ من أبنائه بتعلُّم لغته القديمة أو السفر إلى بلده الأُمّ أو حتى الاستفسار عنه. فقد وُلِد في ميناء كولومبيا ولديه اسم كنية جديد وحبٌّ عميق لأبنائه الذين أبعدوه عن اليُتم والرصاص وصُور الرماد والغبار. ولكنّ الصباح حلّ وهذه قصة أُخرى، سأحكيها لكم في ليلة أُخرى. في هذه اللحظة أفكّر في حقيقة أنّ الجدّة نجَت من الحرب بقدر ما استطاعت، ولكنّها لم تنجُ من حسرة القلب. ماتت من الحبِّ، والحبُّ ترَفٌ كبيرٌ في الحرب، ولم يعش جدّي حياته بشكل ملحمي ولا الأطفال كذلك.
أُحبُّ تلك السيدة التي ماتت من شدّة الحبّ لأنني، أنا نفسي، بالحبِّ قَتَلْتُ عدّة مرات. ومن شدّة الحبِّ قَتَلْتُ نفسي، لأن الحبَّ موتٌ يعود. واليوم، أموتُ مرّة أُخرى في حبٍّ عَذْبٍ لأنّني قرّرتُ العودة لرؤية الحبّ، سيّد الأسياد، أتأمَّل وجهه وكفّيه وعينيه. اليوم قَتَلْتُ الذي كُنتُه. قَتَلْتُ كُنيتي، أَذَبْتُها في البحر واسترجعتُ الكنية الأصليّة.
يا جدّتي الكُبرى المباركة، نحن شقيقا رُوح. لم تتمكَّني من الوصول إلى هُنا، حيث يموت الناس من الحبّ والعادة، ومن الرصاص والحُزن. ولكنّكِ بقيتِ على قيد الحياة مثل ملكة النمل، بين العشرات من أفراد عائلة مِندوسا الذين هُم في الواقع نحن، عائلتك "تبشراني". سأملأ حبّي لك في زُجاجة وألقيها للأبديّة، حيث تُقيمين.
* Rubén Mendoza كاتب ومخرج سينمائي كولومبي من مواليد مدينة بوياكا عام 1980. أخرج العديد من الأفلام الروائية والوثائقية، كما حازت أعمالُه جوائز ومِنحاً في مهرجانات عالميّة.
** ترجمة عن الإسبانية: غدير أبو سنينة
هوامش
* الشاعر راؤول غوميس هاتين، شاعر كولومبي من أصل لبناني له قصيدة بعنوان "جدّة مشرقية".
** بايسانو هي الكلمة الإسبانية Paisano، وكان العرب المهاجرون ينطقونها بالـ B المخفّفة Baisano بسبب عدم وجود صوت "الباء المُشدّد P" بالعربية، وتعني شخصاً من بلدي أو "بلديّاتي".
*** يقصد العرب الذين كانوا يسمَّون أتراكاً لأنهم دخلوا أميركا اللّاتينية بجوازات سفر تركية.